هل الاعتقاد بالتمائم و«جالبات الحظ» يمنح الإنسان قوة نفسية إضافية؟

علماء ألمان درسوا الظاهرة مختبريا وأقروا بتأثير الطلاسم على إرادة الناس

تايغر وود بفانلته الحمراء. لا يلعب الأدوار النهائية إلا بفانلة ذات لون أحمر
TT

يمكن للإيمان أن يزحزح الجبال وأن يصنع المعجزات، لكن الاعتقاد بالخرافات، وبقوة الأحجار والطلاسم والتمائم، يؤثر في البشر نفسيا، كما يؤثر العلاج الطبي الكاذب، أو لنقل العلاج بالإيهام (بلاسيبو) عليهم. وإذا كان «البلاسيبو» يؤدي مهمة قصيرة المدى على مستوى العلاج السريري، فإن البشر يتناقلون الخرز والتمائم أبا عن جد ويتحدثون عن تأثير أزلي لها.

ويبدو أن الحدوات والأحجار، والكثير من الأشياء الأخرى التي يحتفظ بها الناس كأشياء «جالبة للحظ»، تعين الكثيرين على تحقيق أهدافهم بفضل قوة الدفع النفسية التي تزودهم بها، وهذا ما يؤمن به علم النفس أيضا، بغض النظر عن بقية العلوم التي تتعامل مع الظاهرة كخرافات لا أكثر.

العلماء النفسيون الألمان ليسان داميش، باربرا شتوبيروك وتوماس موسفايلر، من جامعة كولون (غرب)، أعدوا دراسة حول الظاهرة، تشي بالقوة الدافعة التي تمتلكها التمائم ووثقوا النتاج كافة في العدد الأخير من مجلة «العلوم النفسية».

واعتمد العلماء الثلاثة في دراستهم على نتائج «مختبرية» وسريرية توصلوا إليها من خلال الفحوصات والامتحانات والأسئلة. إذ دعا العلماء 140 طالبا جامعيا من الجنسين إلى المشاركة في دراسة معينة دون أن يتحدثوا عن أهدافها، سمحوا لكل طالب بإحضار «جالب حظه» معه إلى المختبر وطلبوا منهم المشاركة طوعا في التجربة.

انتزع الأطباء «جالب الحظ» من نصف المتطوعين ثم قسموهم في مجموعتين بعد أن سمحوا للنصف الآخر بالاحتفاظ بتمائمهم. بعد ذلك أخضعوا أفراد المجموعتين لاختبارات وأسئلة حول المشاعر، اختبار الذاكرة، حل كلمات متقاطعة، ثم استجواب آخر، ودامت الفحوصات والاختبارات نحو 31 ساعة.

وذكرت رئيسة فريق العمل الدكتورة ليسان داميش أن الطلبة الذين احتفظوا بتمائمهم، أو جالبات حظهم، كانوا أكثر ثقة بالنفس، أهدأ أعصابا، وضعوا أهدافا كبيرة لتحقيقها، وكانوا عموما 33 في المائة أفضل في جميع الاختبارات من مجموعة الطلبة عديمي التمائم. وكانت النتائج مماثلة عند حل الكلمات المتقاطعة وفي خوض الاختبارات، بل وحتى في المراهنات.

شاركت المجموعتان بعد ذلك في لعبة الغولف وكان على كل فرد منهم أن يرسل الكرة بالمضرب إلى 36 حفرة. وكان الدافع النفسي هنا أيضا في صالح مجموعة التمائم، لأن الفرد منهم نجح في إدخال 6 كرات كمعدل، في حين أدخل أفراد المجموعة الثانية 3 كرات فقط كمعدل. بل إن مجرد «ضغط الإبهام داخل القبضة»، كما يفعل ألمان عند التصميم، وعند ارتجاء الحظ، كان له فعل إيجابي على المجموعتين. وكتبت داميش تقول في مجلة «العلوم النفسية» إن التمائم والطلاسم لا تمتلك قوة سحرية ولكنها تزود حاملها بقوة نفسية إضافية. هذا يشبه نضال الأم أو الأب من أجل مستقبل ابنه، فهذا يدفعه، كما في بعض أفلام هوليوود، لاستنفار جميع قواه العقلية والبدنية والنفسية.

نالت داميش لقب الدكتوراه عن دراستها حول القوة النفسية الدافعة للتمائم وغيرها رغم أن الأساتذة المسؤولين عن الدراسة نوهوا إلى أن عددا من شملتهم التجربة كان صغيرا، وكان يفترض أن يشمل 250 في الأقل. وإذ أشاروا أيضا إلى ضرورة اعتماد طرق مختبرية أفضل، فإنهم منحوا داميش درجة ممتازة عن دراستها. واعترفت الباحثة نفسها في الدراسة بأن «قوة التمائم» لا يمكن أن تفرض نفسها إذا كان الإنسان فاق الإيمان بها، أو لا يملك الحد الأدنى من المواهب والقدرات.

من مشاهير حملة التمائم والأشياء الجالبة للحظ بطل العالم السابق بسباقات سيارات الفورميولا1 الألماني مايكل شوماخر الذي يحمل دائمة سلسلة من العاج في رقبته، هي هدية من زوجته كورينا، ثم إنه لا يقود أبدا سيارة ذات أرقام زوجية. لاعب كرة القدم الدولي لوكاس بودولسكي لا ينزع أسورة من نسيج حاكته له صديقته، ويعتقد أنه لا يسجل الأهداف بيسراه القاتلة دون هذه التميمة. الدولي الآخر مايكل بالاك لا يلعب أبدا إلا بفانلة تحمل الرقم المشؤوم 13. الممثلة الألمانية العالمية سنتا بيرغر لا تتخلى أبدا عن قلادة من الذهب مجهولة المصدر من عيار13 قيراطا. بين مشاهير العالم عرف عن لاعب الغولف تايغر وود أنه لا يلعب الأدوار النهائية إلا بفانلة ذات لون أحمر. تحمل الممثلة جودي ونتر قلادة، هي هدية من صديقها توماس فريتش، عبارة عن حجر يوناني قديم، وتعتقد أنها لن تعيش من دونها. مغنية موسيقى البوب العالمية مادونا لا تتخلى عن سلسلة بوذية تطوق عنقها، تينا تيرنر تلبس قرطين من الكريستال أينما حلت، ملكة السويد سيلفيا تفتخر بوسادة صغيرة صنعت يدويا ومكتوب عليها «ليس من السهل أن تكوني ملكة».

ومع بدء الأزمة المالية قبل سنتين، أجرى معهد «اللينزباخ» الألماني لاستطلاعات الرأي، دراسة حول الموضوع بين الألمان فتوصل إلى أن 42 في المائة من الألمان يعتقدون بقوة التمائم والطلاسم وما إلى ذلك. وعلى الرغم من تطور العالم تقنيا وعلميا فإن هذه النسبة أعلى منها قبل 30 سنة، ولذلك يعتقد المختصون في «اللينزباخ» بوجود علاقة وثيقة بين الخرافات وسوء الأوضاع الاقتصادية والأزمات. فالإنسان يميل لاشعوريا للاعتقاد بالحاجة إلى قوة خارجية تعينه في الأزمات وأوقات الشدة. ثم إن نسبة المعتقدين بقوة التمائم لا تختلف عنها في بلدان أخرى متحضرة مثل بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية والسويد.

والتميمة، أو جالب الحظ، يجب أن تلبس على الجسم مباشرة، وينبغي أن تكون مهداة أو لقية. والأشياء الجالبة للحظ قد تكون «سنتا» أو فلسا، أو لعبة صغيرة أو ميدالية قديمة وربما حدوة حصان قديمة. وأهمها من يمتلك علاقة قديمة بحوادث سابقة أو بالقرون الوسطى، وكمثل فإن عمر حدوة الحصان كجالبة للحظ هو 700 سنة بعد ميلاد المسيح ويعتقد الملايين بقدرتها على جلب الحظ وطرد الشياطين. ويجب أن تكون فتحتها دائما للأعلى كي تجلب الحظ، ولو أن البعض يضعها بشكل مائل لتشكل حرف سي اللاتيني الذي قد يشير إلى المسيح (كريست). ويقال إن سر قوة ورقة البرسيم الثلاثية يعود إلى حواء التي جلبت معها ورقة برسيم رباعية من الجنة إلى الأرض.

على أي حال، كتبت الدكتورة ليسان داميش في معرض دراستها أن مجال بحثها القادم سيكون معكوسا. بمعنى أنها ستجري دراسة حول التشاؤم والمتشائمين، أسباب تشاؤم البشر من المرور تحت سلم، رؤية قطة سوداء، أو الخشية من يوم الجمعة الذي يصادف يوم 13. علما أن يوم الجمعة 13 من أغسطس الماضي كان يوما عاديا حسب ملاحظة معهد «اللينزباخ»، لم تكن الحوادث والحرائق والأمراض وحوادث الموت أكثر فيه من أي يوم آخر عادي.