موسم المدارس والجامعات يربك ميزانية الأسرة المصرية

بعد ضغوط وأعباء شهر رمضان

موسم دخول المدارس يزيد من أعباء الأسرة المصرية («الشرق الأوسط»)
TT

«يا رب دبَّرها من عندك».. دعاء يردده هذه الأيام الأب محمود، عائل أسرة مصرية مكونة من 6 أفراد، بعد أن وجد نفسه مطالبا بأن يدبر حاله وإعداد ميزانية مصروفات جديدة لأسرته بعد أن تكبد مؤخرا مصروفات شهر رمضان وعيد الفطر، والسبب في ذلك موسم دخول المدارس والجامعات الذي يحل كموسم ثالث بعد أيام قليلة جدا من انتهاء المناسبتين الدينيتين. وأمام ارتفاع الأسعار وما يعانيه المصريون من غلاء لم يجد رب الأسرة ومن في مثل حالته من المصريين إلا التوجه إلى الله بالدعاء.

فمع بداية كل عام دراسي تجد الأسر المصرية نفسها أمام مأزق توفير متطلبات هذا الموسم بما يشمله من حقائب مدرسية وأدوات مكتبية ومستلزمات كتابية، مثل الكراسات والأقلام والأدوات الهندسية، إلى جانب دفع مصروفات المدارس، بالإضافة إلى شراء ملابس وأحذية، وميزانيات الدروس الخصوصية، وغيرها من مستلزمات العملية الدراسية مما يمثل إرباكا كبيرا لميزانية الأسر التي أرهقت مؤخرا بما تحملته من أعباء مصروفات «ياميش» رمضان و«كعك» وملابس العيد.

أمام تلك الضغوط والمواسم المتتالية التي تعد فوق طاقة غالبية المصريين بشكل عام، أعلنت جمعية «مواطنون ضد الغلاء»، قبل أيام من حلول عيد الفطر، تنظيم حملة تحت شعار «اضغط نفقاتك.. تستقر حياتك» بهدف ترشيد الاستهلاك بسبب المواسم المتشابكة وما يصاحبها من نفقات من جانب المستهلكين، وقال محمود العسقلاني رئيس الجمعية إن تشابك المناسبات هذا العام سيتطلب زيادة في نفقات الأسرة المصرية وهو ما يرهق ميزانيات تتآكل بفعل الغلاء وارتفاع الأسعار، خاصة أن العيد هذا العام يتزامن مع موسم المدارس وملابسها واحتياجاتها، مطالبا الأسرة المصرية بأن تفاضل بين الاحتياجات الفعلية العاجلة خاصة تلك المتعلقة بالأبناء، والأعباء الضرورية التي ترهق الأسرة في ظل الهوة بين الأجور المتدنية والغلاء الفاحش، وبين ما يمكن الاستغناء عنه بشكل شبه كامل وتوفير نفقاته لبنود ذات أهمية قصوى، وأضاف معلقا: «نحن نستطيع مقاطعة الكعك، بينما لا يمكن الاستغناء عن مصاريف المدارس».

وعملا بشعار الحملة حاول عدد كبير من المصريين التغلب على مشكلة توفير ملابس المدارس لأبنائهم بـ«ضرب عصفورين بحجر واحد» بأن تكون ملابس العيد هي ذاتها ملابس المدرسة وذلك في المدارس الحكومية التي لا تشترط زيا موحدا لطلابها، أما توفير الزى المدرسي الموحد الذي تشترطه بعض المدارس فتحاول الأسر التغلب على هذا الأمر باستغلال موسم «الأوكازيون» الذي تنفذه وزارة التجارة والصناعة المصرية والذي يتيح بعض التخفيضات على الملابس والأقمشة والأحذية.

بينما يلجأ عدد كبير من المصريين مع اقتراب العام الدراسي إلى منطقة الفجالة بوسط القاهرة التي تعد المركز الرئيسي لبيع الحقائب والأدوات المكتبية والمدرسية، حيث تقدم مكتباتها ومحالها هذه المنتجات بسعر التكلفة وبأسعار تقل كثيرا عن الأسعار التي تحددها المكتبات في المناطق المختلفة بالقاهرة والمحافظات المصرية.

كما يهل موسم الدراسة هذا العام في مصر وسط ترقب أولياء الأمور والطلاب، لتخوفهم من ارتفاع أسعار كتب المساعدة الخارجية، التي يعتمد عليها عدد كبير من الطلاب المصريين في المراحل الدراسية المختلفة؛ كونها تعد مساعدا قويا لهم لما تحتويه من تدريبات كثيرة لا تضمها الكتب الوزارية، وذلك عقب تصاعد أزمة بين وزارة التربية والتعليم وعدد من دور النشر التي تختص بتأليف وتوزيع الكتب الخارجية، وذلك بعد صدور القرار رقم 52 لسنة 2010 الذي أقره مؤخرا الدكتور أحمد زكى بدر وزير التربية والتعليم بشأن وضع لائحة جديدة خاصة بطبع ونشر الكتب الخارجية ويلزم دور النشر ومؤلفي الكتب الخارجية بسداد ما يسمى مقابل انتفاع بالمادة العلمية التي تتضمنها كتب الوزارة وما يؤلف من كتب خارجية مشتقة منها، حيث رفع الوزير قيمة هذا الانتفاع من 400 ألف جنيه إلى مليون جنيه على كل كتاب تتقدم دار النشر بطلب ترخيصه، وهو ما أثار غضب دور النشر، وفجر أزمة يتوقع أولياء الأمور أن يدفعوا هم ثمنها لما سوف تحمله من زيادة أسعار الكتاب الخارجي إلى أضعاف ثمنه، وهو ما يمثل عبئا لديهم يضاف إلى أعباء مصروفات الدراسة، الأمر الذي بدأت بوادره بالفعل بعد أن توافد كثير من أولياء الأمور على مكتبات الفجالة لشراء الكتب الخارجية الخاصة بالعام الماضي تحسبا لغلاء سعرها مما تسبب في ارتفاع سعر هذه الكتب.

السيدة إنعام فتح الله (ربة منزل)، قررت التجول بصحبة أبنائها الثلاثة قبل حلول عيد الفطر في محلات الملابس التي تشترك في الأوكازيون لتوفير ملابس الدراسة لهم، تقول: «لدي 3 أبناء في مراحل دراسية مختلفة ولذلك فإنني أحاول قدر الإمكان توفير ملابس وأغراض الدراسة بأسعار لا تحملني متاعب مالية كبيرة، خاصة مع تزامن شهر رمضان ومن بعده عيد الفطر مع موسم بدء الدراسة الذي يحل بعد أسبوع واحد من انقضاء العيد، والمواسم الثلاثة جعلتني مثل كثير من الناس أنفق مبالغ طائلة، وأضطر إلى الدخول في جمعيات مالية مع جاراتي حصلت عليها قبل شهر رمضان مباشرة لأقوم بتقسيمها بين المواسم».

بينما ينتقد سعيد عبد الجواد (موظف حكومي) بدء الدراسة في المدارس والجامعات بعد انتهاء شهر رمضان والعيد مباشرة، معللا انتقاده بقوله: «المناسبات الثلاث المتتالية أربكتني للغاية لما تتطلبه من أعباء مالية طائلة، وأنا أتقاضى راتبا زهيدا لا يكفي للعيش في الأيام العادية»، موضحا أنه يبحث عن مخرج من أزمته المالية كونه مطالبا بتوفير المصروفات الدراسية والأدوات المكتبية والملابس لأبنائه الأربعة الذين يتوزعون على المراحل الدراسية والجامعية المختلفة.

أما زميله حسين فؤاد، فيوضح أنه قد حرم نفسه وأسرته من ياميش رمضان وكعك العيد باعتبارهما سلعا يمكن الاستغناء عنها وتوجيه الميزانية الخاصة بهما إلى مصروفات الدراسة، ورغم أن ذلك يعد حرمانا لأبنائه إلا أنه يقتنع بأهمية الدراسة عن الطعام، قائلا: «الأسعار ارتفعت بشكل جنوني والغلاء أصاب كل شيء، لذا قررت العمل بشعار اضغط نفقاتك تستقر حياتك لكي أستطيع الإنفاق على أبنائي طوال العام الدراسي خاصة الدروس الخصوصية التي تلتهم كل ميزانية الأسرة».