البرتغال على خريطة الطب العالمية مع تأسيس مركز متفرد لأبحاث السرطان

يفتتح في أكتوبر المقبل.. ويعمل فيه 500 باحث

أظهر المتبرع أنطونيو تشامباليمود فطنة وذكاء في مجال الأعمال لكن القليل من الأعمال الخيرية العامة طيلة حياته ومع ذلك عندما توفي عام 2004 خصص في وصيته ربع ثروته للأبحاث الطبية
TT

بفضل 500 مليون يورو تبرع بها أحد أثرى أثريائها، ستكشف البرتغال النقاب عن مركز للأبحاث الطبية الشهر المقبل قد يضعها في طليعة المحاولات المبذولة لمكافحة وعلاج السرطان.

سيركز مركز تشامباليمود، الذي يقع في لشبونة، على الأبحاث المتعلقة بالسرطان، وسيدير كذلك برنامجا في علوم الأعصاب. يقدم هذا المركز تغيرا جوهريا لدولة يقطنها 11 مليون نسمة وليس لها أي تاريخ من التقدم العلمي، ويأمل مؤسسو هذا المركز أن يشجع مزيدا من الباحثين على العمل في أوروبا، بدلا من الولايات المتحدة.

وقال راغو كالوري، أستاذ الطب في جامعة هارفارد، مدير المركز الجديد لأبحاث السرطان: «لم ندخر جهدا لجعل هذا المركز أحد أكبر مراكز أبحاث السرطان في العالم. لقد رأينا في الآونة الأخيرة الأفراد يعودون من الولايات المتحدة إلى الهند والصين بأعداد ضخمة، لكن ينبغي أن يحدث الشيء نفسه الآن في لشبونة، لأن هذا المكان مصمم في الحقيقة لجذب الأفضل في جميع أنحاء العالم».

وعلى غير المعتاد في أوروبا، تقف مؤسسة خيرية وراء هذا المشروع، حيث أظهر أنطونيو تشامباليمود فطنة وذكاء في مجال الأعمال، لكن القليل من الأعمال الخيرية العامة، طيلة حياته. ومع ذلك، عندما توفي عام 2004، خصص في وصيته ربع ثروته للأبحاث الطبية، وهناك شخص غير معروف له تقريبا هو المسؤول عن صرف هذه الأموال.

وكانت هذه الهبة من تشامباليمود مفاجأة كبرى للجميع في البرتغال، حسبما ذكرت ليونور بيليزا، التي اختارها تشامباليمود لقيادة مؤسسته. وفي حين أن البحث الأميركي استفاد لفترة طويلة من مثل هذه التبرعات الخاصة، فإن معظم التمويل في أوروبا أتى من الحكومات أو شركات الأدوية.

وفي ألمانيا، على سبيل المثال، تعتمد جمعية ماكس بلانك اعتمادا كليا على التمويل الحكومي، في حين أن المعهد البحثي الرائد الآخر في البلاد، وهو جمعية فرونهوفر، يحصل على التمويل من الحكومة والشركات.

وفي الولايات المتحدة، على الجانب الآخر، أثرت الأزمة المالية على التمويل، لكنها قادت أيضا إلى مبادرات لتشجيع العطاء من جانب القطاع الخاص. ففي الشهر الماضي، وافق 40 من الأسر والأفراد الأثرياء في أميركا على الانضمام إلى بيل غيتس، مؤسس شركة «مايكروسوفت»، ووارين بافيت، المستثمر الكبير، في تعهدهما بالتبرع بما لا يقل عن نصف ثرواتهما للأعمال الخيرية.

وقال رودريغو تشامباليمود، الذي يعمل في التمويل، ولا يشترك في المؤسسة مثل باقي أفراد الأسرة: «كان جدي يشعر دوما بأن الروح الأميركية في العطاء للمجتمع كانت شيئا جديرا بالاتباع. ولسوء الحظ، لم يعتد الأوروبيون على العطاء الكثير، ولست متأكدا أنه أراد تغيير ذلك».

وسيجري افتتاح هذا المركز في الخامس من شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، لكنه سيبدأ العمل العام المقبل، ليصل بصورة تدريجية إلى طاقة 500 باحث يعملون إلى جانب 100 طبيب يتعاملون مع 300 مريض يوميا. وكما يدعي الداعمون للمركز سيكون مستوى التفاعل شيئا فريدا، وهو النهج الذي رحب به أيضا الباحثون المستقلون الآخرون.

وقال أكسيل أولريتش، باحث ألماني في مجال السرطان ومدير معهد ماكس بلانك للكيمياء الحيوية، «لقد جرى إطلاق مبادرات مهمة في مجال أبحاث السرطان في الأعوام الأخيرة في دول مثل إسبانيا وفرنسا وألمانيا، لكنني لا أشعر أن أيا من هذه المبادرات لم يكن لها التأثير الذي ينبغي. وأحد الأسباب وراء هذا الإخفاق هو أن هذه المعاهد كانت تقوم بالبحث الأساسي، لكنها لم تركز في الحقيقة على تطوير العلاج. لا تعد لشبونة الآن مركز العلوم في العالم، لكن من الممكن أن تكون كذلك إذا تمت إدارة هذه المبادرة على نحو جيد».

وعلى الجانب الآخر، أشار كريستوفر ويلد، مدير الوكالة الدولية لأبحاث السرطان، إلى أن البرتغال هي الدولة الوحيدة في أوروبا الغربية التي لم تشارك في الوكالة التي يرأسها، والتي تعد جزءا منظمة الصحة العالمية. وقال: «ومن المؤمل أن يثبت هذا المركز نقطة تركيز جديدة في البرتغال لجذب التعاون الدولي، بما في ذلك التعاون من الوكالة».

وعلى الرغم من أن السلطات وفرت الأرض لبناء المركز (في موقع مذهل عند مصب نهر تاجه)، فإن المؤسسة حافظت على الاستقلالية ولم تسع إلى أي تمويل حكومي أو خاص. ويقال إن هذه الاستقلالية قادت إلى بعض الأساليب غير التقليدية. فعلى سبيل المثال، اختارت المؤسسة مهندسا معماريا مشهورا، تشارلز كوريا، لكن من دون إطلاق منافسة لمثل هذا المشروع الإنشائي الطموح، الذي يتكلف 100 مليون يورو، أو نحو 127 مليون دولار.

وبدلا من ذلك، كانت بيليزا منبهرة بمؤسسة بحثية أنشأها كوريا في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. كما يعد كوريا هنديا من أصل برتغالي. وقالت: «لقد شعرنا بأنه يمكن أن يتصل بالمكان الذي انطلقت منه السفن الاستكشافية البرتغالية الكبرى»، مشيرة إلى برج بيليم المجاور، الذي يعود إلى القرن السادس عشر.

وقضت بيليزا أربع سنوات في منصب وزيرة الصحة في بلادها في ثمانينات القرن الماضي. بيد أنها درست القانون بدلا من الطب، وإلى جانب مسيرتها السياسية، كانت تدرس القانون في إحدى الجامعات المحلية.

لذا، قالت إنها فوجئت عندما تقلت مكالمة هاتفية عام 2000 من السيد تشامباليمود، الذي التقته مرة واحدة فقط، طلب منها خلالها إدارة مؤسسة طبية. ووافقت بيليزا، لكنها لم تسمع منه أي شيء جديد منذ ذلك الحين، حتى جرى فتح وصيته.

واستغرق الأمر من السيدة بيليزا بعد ذلك أكثر من عام لإعادة غمس نفسها مرة أخرى في العالم الطبي، حيث تجولت في المختبرات، والتقت الباحثين ودرست البيانات العلمية قبل أن تقرر كيف تنفق أموال تشامباليمود.

وبمكالمة هاتفية واحدة فقط لإعدادها، حاولت بيليزا التنبؤ بنيات تشامباليمود. كان والده طبيبا، لكن وصيته لم تقدم أي إشارة حول السبب في أنه أراد تعزيز الأبحاث الطبية. وقالت: «كان يجب عليه إخباري بالمزيد إذا أراد ذلك. والشيء الوحيد الواضح هو أنه كان رجل أفعال أنشأ أشياء وجعلها تعمل».

وبدأ تشامباليمود مسيرته في شركة للإسمنت كانت تملكها أسرة والدته. وواصل بناء أقوى إمبراطورية مالية وصناعية في البرتغال، وفعل ذلك مرتين، لأن شركاته تعرضت للتأميم بعد عام من ثورة البرتغال عام 1974، مما أجبره على الانتقال إلى البرازيل والبدء هناك مجددا.

وباستخدام الأرباح التي حققها في البرازيل، عاد بعد ذلك إلى البرتغال لشراء الشركات التي كان يملكها في تسعينات القرن الماضي قبل تفكيك إمبراطوريته المالية في النهاية عن طريق بيع أصوله المصرفية إلى مصرف «سانتاندر»، المصرف الرائد في إسبانيا، في صفقة مثيرة للجدل حاولت الحكومة عرقلتها على أساس حماية المصالح القومية، لكنها فشلت في ذلك.

وسيحضر رئيس وزراء البرتغال خوسيه سوكراتيس حفل افتتاح المركز في لشبونة.

وفي سياق التشديد على الأهمية الوطنية لمشروع تشامباليمود، طلبت الحكومة أيضا أن يتزامن افتتاح المركز مع الذكرى المئوية لتحول البرتغال إلى جمهورية.

ومع ذلك، وفيما يتعلق بالتوترات السابقة بين السياسيين وتشامباليمود، أصرت بيليزا في مقابلة على أنها لم ترضخ للضغوط السياسية بشأن الموعد النهائي للإنشاء. وفي نهاية شهر أغسطس (آب) الماضي، كان نحو ألف عامل يواصلون الأعمال الإنشائية في الموقع. وقالت بيليزا: «كانوا يعملون في الآونة الأخيرة حتى منتصف الليل، وفي أيام العطلات الأسبوعية، وهذا هو السبب في أننا سنكون مستعدين».

وعلى الجانب الآخر، تتلقى بيليزا مزيدا من الاتصالات من الأثرياء الذين يريدون السماع عن مساهمة تشامباليمود، مما يملؤها بالأمل بأن السرطان من الممكن أن يضع علامة جديدة بالنسبة إلى الأعمال الخيرية الطبية في أوروبا.

وقال كالوري من جامعة هارفارد: «لا تزال الولايات المتحدة متقدمة بمسافة كبيرة إلى حد ما عن بقية العالم من حيث وقوف الأعمال الخيرية وراء مثل هذه المشاريع. إن ما قام به أنطونيو تشامباليمود تمت ملاحظته بالفعل في جميع أنحاء أوروبا، ونأمل أن يقوم أفراد أثرياء آخرون بالشيء نفسه. وهذه هي الطريقة التي سارت بها الأمور في الولايات المتحدة. يجب على كل فرد أن يقدم مثالا ويبدأ الطريق».

* خدمة «نيويورك تايمز»