مهرجان «أيام بيروت السينمائية» ينطلق بزخم.. رغم أنه مهدد بالتوقف

انخفاض في عدد الأفلام.. وارتفاع في وتيرة القضايا التي تعالجها

مشهد من فيلم «كل يوم عيد» للمخرجة اللبنانية ديمة الحر
TT

انطلق مساء أمس، في العاصمة اللبنانية مهرجان «أيام بيروت السينمائية» الذي ينعقد مرة كل سنتين، محاولا تقديم سينما عربية ذات نزعة مستقلة، يغلب عليها الطابع التجريبي، والرؤى المغايرة. وكان الافتتاح أمس، بالفيلم الروائي الأول للمخرجة اللبنانية ديمة الحر «كل يوم عيد»، من إنتاج فرنسي - ألماني يروي قصة ثلاث نساء لا يعرفن بعضهن البعض، يركبن حافلة واحدة، باتجاه سجن الرجال، الواقع في منطقة لبنانية نائية. وخلال هذه الرحلة، تجد النساء أنفسهن، ورغم إرادتهن، في مواجهة تخوضها كل منهن بحثا عن استقلالها الذاتي. وستستمر عروض أفلام الدورة السادسة والحالية من المهرجان في «صالة متروبوليس، أمبير سوفيل» في الأشرفية لمدة عشرة أيام يشاهد خلالها عشاق السينما أكثر من ثلاثين فيلما مختلفا عن تلك الأفلام التجارية الموجودة في الصالات، والكثير منها سبق عرضه في مهرجانات دولية وحاز جوائز. واليوم يتابع الجمهور فيلما وثائقيا وعددا من الأفلام القصيرة. أما الوثائقي فهو يحمل عنوان «في انتظار أبو زيد»، أنجزه محمد علي الأتاسي قبل شهرين فقط من وفاة المفكر المصري نصر حامد أبو زيد وبعد ست سنوات من التصوير والمتابعة للرجل. وهو يعرض للمرة الأولى في العالم العربي، بعد حصوله على جوائز في مهرجان مرسيليا. أما الأفلام القصيرة التي يشاهدها الجمهور اليوم، فبينها «بيروت إكسبرس»، «قراقوز»، «إلى بطن الحوت»، و«الطابور الخامس»، لتتوالى العروض بعد ذلك، وتختتم بيوم مخصص للسينما الفلسطينية، يستطيع من خلاله الجمهور اكتشاف عدد من الأفلام الفلسطينية بفضل التعاون المستجد بين هذا المهرجان اللبناني و«مهرجان فلسطين في السينما الجديدة»، مما سيضفي نكهة جديدة على المناسبة. ومن بين الأفلام المهمة التي سيتم عرضها «يهود لبنان: الولاء لمن؟» لندى عبد الصمد وهو إنتاج لبناني - إنجليزي، وثائقي يتحدث مع وعن لبنانيين يهود عاشوا في لبنان وغادروه إلى وجهات مختلفة، وقد تم تصويره في بيروت وصيدا، حيث أقاموا ذات يوم، وفي إسرائيل والمكسيك وكندا، كما يجمع شهادات لبنانيين عايشوا يهود لبنان، يوم كانوا مقيمين في بلدهم.

ومن الأفلام التي تعرض ويفترض أن تثير جدلا واسعا، فيلم «كارلوس» الفرنسي من إخراج أوليفيه أساياس، الذي سيختتم به المهرجان يوم السبت المقبل ليترك المجال للسينما الفلسطينية يوم الأحد 26 سبتمبر (أيلول). وهذا الفيلم كما يدل اسمه يدور حول الفنزويلي الشهير كارلوس الذي اتهم بالإرهاب بسبب مناصرته في السبعينات والثمانينات للفلسطينيين ثم التحاقه بالجيش الأحمر الياباني، ثم تشكيله منظمة خاصة به. وقد ثار كارلوس من سجنه الفرنسي على الفيلم وأقام دعوى قضائية ضده، معتبرا أنه لا يسيء له فقط، وإنما للقضية الفلسطينية والكثير من المناضلين الفلسطينيين والعرب. ويمثل في هذا الفيلم الطويل جدا الذي يتجاوز في نسخته الأصلية الخمس ساعات، نحو عشرين ممثلا لبنانيا، وتم تصوير غالبية مشاهده في بيروت، وهو ما جعل القائمين على المهرجان، يعتبرون أنهم لا يستطيعون تجاهله، وإن كان مضمونه يتعارض مع رأي غالبية الجمهور. ويحضر مخرج الفيلم إلى بيروت ليشارك في المهرجان، وهو ما سيؤجج الحوار حول الموضوع، وخاصة أن ندوة ينظمها المهرجان، يديرها مخرج الفيلم بنفسه ستناقش موضوع «السينما والسياسة». المخرج اللبناني غسان سلهب والمخرج الجزائري طارق تغيا يقدمان بدورهما ندوة مختصة حول «دور المدينة في السينما». وسيتم خلال هذه الدورة من المهرجان تكريم المخرج الفلسطيني ميشال خليفي بحضوره الشخصي وبعرض خاص لآخر أعماله «الزنديق» ولباكورته «الذاكرة الخصبة» أيضا. وفي البرنامج عروض لأفلام روائية طويلة، من «حراقي» لمرزاق علواش، و«الغبلة» لطارق تغيا، إلى «ابن بابل» لمحمد الدراجي، وأخرى وثائقية مثل «بحبك يا وحش» لمحمد سويد، و«صداع» لرائد أنضوني، بالإضافة إلى «شيوعيين كنا» لماهر أبي سمرا الذي يشارك في الدورة 67 لمهرجان البندقية الدولي في سبتمبر 2010.

ووفاء لذاكرة السينما العربية والمحلية ستعرض أفلام من تراث السينما العربية، مثل الفيلم الجزائري اللبناني «نهلة» للجزائري فاروق بلوقة، الذي سيعرض للمرة الأولى في لبنان بعد 30 عاما من تصويره، بحضور المخرج والممثلين.

وعلى هامش «أيام بيروت السينمائية» أنشطة كثيرة، من بينها ورشة عمل «الوجه والوجه الآخر» من تنظيم «بيروت دي سي»، تعرض سبعة أفلام تم إنجازها عبر ورشات عمل تحمل الاسم نفسه، وتنظم منذ عام 2008 لصناعة الفيلم الوثائقي. ويتم عرض الأفلام السبعة أمام لجنة تحكيم تتألف من منتجين لبنانيين وعرب وأجانب ذوي شهرة عالمية. وضمن فعاليات المهرجان أيضا يتم إطلاق «دي في دي» فيلم «سمعان والضيعة»، بعد عرضه الأول في افتتاح الدورة الخامسة من مهرجان «أيام بيروت السينمائية» (2008)، ومشاركته في مهرجانات عالمية، وعرضه رسميا على الشاشات الكبيرة السنة الماضية.

وجدير بالذكر أن مهرجان «أيام بيروت السينمائية» كان قد انطلق عام 2001 وينظم كل عامين، وله جمهوره الذي ينتظره، لكن الدورة الحالية تنعقد وسط مخاوف من أن تكون الأخيرة بسبب الصعوبات المالية التي يعانيها. ففي عام 2004 عرض المهرجان 130 فيلما، لتنخفض إلى 60 فيلما عام 2006 ومن ثم تصل إلى ما يقارب الثلاثين فيلما العام الحالي. ولا يخفي المنظمون قلقهم ويعتبرون أنهم يجدون سندا الآن بشراكات جديدة مع «مهرجان دبي السينمائي الدولي» أو «مهرجان فلسطين في السينما الجديدة»، إضافة إلى داعمين للدورات السابقة للمهرجان مثل محطة «آرتي» التلفزيونية الثقافية و«المركز الثقافي الفرنسي» و«معهد غوتيه» والقنصلية البريطانية في لبنان. إنما رغم المساندة، والشراكات الجديدة، فإن الشح الذي يعاني منه المهرجان يخيم على هذه الدورة، ويرمي بظلاله على إمكانية التحضير للدورة المقبلة، فالأزمة المالية العالمية أصابت المانحين الغربيين الذين بدورهم ما عادوا يجدون في النشاطات الثقافية اللبنانية أولوية على أجندتهم.