رحيل الفنان عدلي رزق الله.. أحد رواد فن التصوير المائي في مصر

تميز باختياراته الفنية الصعبة وأنهكه «سرطان المثانة»

الفنان التشكيلي عدلي رزق الله («الشرق الأوسط»)
TT

بعد رحلة خصبة في عالم الفن التشكيلي وصراع طويل مع المرض، شيعت ظهر أمس (الخميس) جنازة الفنان التشكيلي عدلي رزق الله أحد رواد فن التصوير المائي في مصر، الذي رحل عن عمر يناهز الـ71 عاما، ووري جثمانه الثرى بمدافن الأسرة بمنطقة البساتين.

ومكث الفنان الراحل نحو الشهر للعلاج من سرطان المثانة بمركز الدكتور محمد غنيم بمدينة المنصورة شمال القاهرة، وقبل خمسة أيام دخل غرفة العناية الفائقة بمستشفى السلام بمنطقة المهندسين بالجيزة، بعد أن تدهورت حالته الصحية، وظل فيها حتى وافته المنية صباح أمس. ولم تفلح مناشدات الفنانين ونقابة التشكيليين المصريين وزير الثقافة فاروق حسني من أجل علاجه بالخارج على نفقة الدولة. ولد عدلي رزق الله بمحافظة أسيوط بجنوب مصر عام 1939، وتخرج في كلية الفنون الجميلة بجامعة القاهرة عام 1961. والتحق بمعهد الدراسات القبطية في الفترة ما بين 1960 و1962، تعرف خلالها على عدد كبير من الفنانين مثل حبيب جورجي، وراغب عياد، والمعماري ويصا واصف.

وفي الفترة من 1974 إلى 1978 سافر إلى فرنسا، ودرس بجامعة ستراسبورغ في تلك الفترة، ثم عمل أستاذا بمعهد الفنون التشكيلية في نفس الجامعة.

وطيلة حياته الفنية حافظ رزق الله على مكانة فنية وإنسانية متميزة في أوساط الفنانين المثقفين، وكان يقيم في مرسمه بمنطقة وسط البلد (بالقاهرة) ندوة أسبوعية، يستضيف فيها الشعراء والكتاب والفنانين والروائيين لمناقشة إبداعاتهم وما يعن لهم من قضايا الوقع الثقافي. وتميز بسعة أفقه وانحيازه لقيم التجريب والحداثة، باعتبارها تشكل روافد التجديد سواء في الفن أو الأدب.

شارك رزق الله في الكثير من المعارض الجماعية والفنية في مصر والعالم العربي والدول الأوروبية. ونال الكثير من الجوائز المحلية والدولية، من بينها جائزة سوزان مبارك، وجائزة معرض «لايبزغ» الدولي بألمانيا عام 1980، وجائزة المركز العالمي لكتب الأطفال بسويسرا، وله مقتنيات بعدد من متاحف الفنون الجميلة في مصر وأوروبا.

عمل رزق الله رساما في دار الهلال لعدة سنوات، وتولى الإشراف الفني على مطبوعات دار الفتى العربي لفترة محدودة، ثم تفرغ للفن.

وتعد تجربته الفنية إحدى التجارب المهمة والمتفردة، كسر من خلالها الحيز الضيق للتصوير المائي باعتباره «فن المنظر الطبيعي»، واقتحم به مناطق جديدة في التغيير، استطاع من خلالها أن يثري هذه الخامة العنيدة شديدة الحساسية، ويضيف إليها حيوية فنية وجمالية مغايرة. وعبر أسلوب خاص تفرد به في كل معارضه، معبرا عن رموز أصبحت تشكل نسيج الوجدان العام في الوطن، سواء استقاها من الطبيعة أو التاريخ أو التراث أو الواقع اليومي المعيش.

وتميزت ضربات فرشاته بطابع معماري صرحي، يستوحي جماليات القباب والصحراء وغابات النخيل، مجسدا علاقتها الحميمة بالإنسان في سعيه الدائم نحو العدل والحب والحرية.

كما أدخل عدلي رزق الله، وبجرأة فنية وصياغة راقية، اللون الأسود إلى فضاء اللوحة المائية، وهو اللون الذي طالما اقترب منه وتعامل معه الفنانون بحذر، ليضيف إلى اختياراته الفنية الصعبة تحديا جماليا سيبقى طويلا في ذاكرة الفن في مصر والعالم العربي.

وتحت مظلة هذه الاختيارات الصعبة اقتحم عدلي رزق الله الفنان بقوة وحب وطفولة عالم مطبوعات الأطفال، بالرسم والكتابة، مضيفا إلى المكتبة العربية نماذج متفردة ومؤثرة في هذا المجال ستظل نكهتها الخاصة علامة متميزة وممتعة للكبار والصغار معا.