غلاء «جنوني» لأسعار اللحوم والخضروات.. في سلة غذاء العالم العربي

أصحاب الإبل السودانيون فضلوا تصديرها إلى دول الخليج.. فاختفت لحومها في الداخل

غلاء الأسعار شجع كثيرا من ربات البيوت على إيجاد فرص وظيفية لهن من داخل المنزل (رويترز)
TT

تشهد أسعار الأغذية في السودان هذه الأيام ارتفاعا غير مسبوق في تاريخها، حيث ارتفعت أسعار اللحوم والخضراوات ارتفاعا جنونيا، بمقدار 30 في المائة في أقل من شهر، ليصل سعر كيلو اللحم الضأن من 14 جنيها إلى 20 جنيها، (نحو 7 دولارات)، كما صعد سعر اللحم البقري إلى 14 جنيها بدلا من 12 جنيها للكيلو الواحد، بينما اختفت لحوم الإبل من الأسواق نتيجة لغلاء أسعارها واتجاه مالكيها لتصديرها لدول الخليج العربي حيث يباع رأس الإبل بـ1000 دولار.

ويأتي ارتفاع أسعار اللحوم في السودان، البلد الذي يوصف بأنه سلة غذاء العالم العربي، على خلفية هجمة المصدرين على هذه النوعية الأكثر استهلاكا من أجل تصديرها للخارج بدلا من ذبحها في الداخل مما تسبب في عزوف البعض عن شراء اللحوم والاكتفاء بما تيسر أسبوعيا لذوي الدخل المحدود.

وعلى الرغم من إعلان صندوق تنمية مدينة كسلا (شرق السودان) الانطلاق في تنفيذ 145 مشروعا تنمويا بتكلفة إجمالية 45 مليون جنيه سوداني من بينها مشاريع خاصة بالثروة الحيوانية فإن المدينة تشهد ارتفاعا في أسعار اللحوم والخضراوات لأول مرة في تاريخها.

واتجه بعض التجار لجلب البقر من إثيوبيا لتغطية احتياجات السوق المحلية في العاصمة والولايات، حيث تباع البقرة الواحدة بأكثر من 2000 جنيه سوداني، في حين تشترى بـ1000 جنيه سوداني إضافة إلى رسوم وترحيل تصل إلى 200 جنيه.

ومن جهة أخرى فإن فصل الصيف في السودان يؤدي لندرة الخضراوات مثل الطماطم التي بلغ سعر الكيلو غرام منها 25 جنيها سودانيا، وكذا الحال بالنسبة للملوخية التي بلغ سعر الربطة منها 20 جنيها، حيث كانت في السابق تباع بـ2 - 6 جنيهات فقط، كذلك البامية التي بلغ سعر الجوال منها 150. هذا الارتفاع الجنوني في أسعار الخضراوات جعل البعض يفضل أن يشتري كيلو من التفاح لعمل السلطة بدلا من الطماطم لأن سعر كيلو التفاح 10 جنيهات مقابل 25 جنيها للطماطم، ثم يأتي ارتفاع سعر السكر في بلد يمتلك استثمارات بملايين الدولارات في هذا المجال حيث يبلغ سعر الجوال 140 - 150 جنيها. وعلى الرغم من اتخاذ تدابير حكومية لتخفيف حدة ارتفاع سعر السكر، والاستيراد من الخارج فإن شهر رمضان فاقم الوضع.

يرى محمد كركساوي يعمل بالسوق المركزية للخضر أن فشل المزارعين في إنتاج خضراوات من البيوت المحمية بالإضافة إلى عدم فتح الباب أمام استيراد بعض السلع التي يصعب إنتاجها في فصل الصيف مثل الطماطم والخيار وارتفاع تكاليف الترحيل والضرائب من مناطق الإنتاج وحتى تصل إلى الأسواق وراء ارتفاع أسعارها. أما بالنسبة إلى ارتفاع سعر السكر فهو يتمنى أن تفتح الجهات الرسمية الأبواب لاستيراده لجميع المستوردين للتنافس فيخضع لسياسة العرض والطلب ولا ننس أن سعر الطن عالميا اليوم بحدود 320 دولارا فقط للطن (20 جوالا). أما عبد العظيم أحمد من مناطق الإنتاج (مشروع المناقل) فيؤكد أن الندرة وكثرة الوسطاء والسماسرة هي السبب الرئيسي في هذا الارتفاع الجنوني.

وما بين الواقع الاقتصادي المتفاقم وأسبابه تشتكي ربات البيوت السودانيات من عدم قدرتهن على موازنة دخل الزوج مع هذا الغلاء المستمر. تقول إنصاف قاسم (ربة منزل) ما يحدث غريب جدا أن يرتفع كل شيء دفعة واحدة حتى أن بعض السلع تكون نسبة الارتفاع فيها مائة في المائة في الماضي. كنا نتدبر أمورنا في بعض فصول السنة ونعرف كيف نتجنب السلع الغالية ونعوض عنها بأشياء رخيصة مثل العدس والفاصوليا لكن الآن لا يوجد شيء في متناول اليد.

تتخوف إخلاص داود من أن يأتي يوم لا تتذوق فيه الأسر السودانية محدودة الدخل اللحم ويصبح حلما نتيجة لهذا الغلاء الذي كان موسميا في الماضي، أما الآن فأصبح سمة تميز السودان في كل مناحي الحياة بدءا من رغيف الخبز وانتهاء بالسيارات وتضيف إخلاص أن العودة لحلول الجدات قد يساعد ربة البيت من التخفيف على زوجها مثل شراء الطماطم في موسمها بكميات كبيرة وعمل صلصة منها ثم تخزينها في الثلاجات للاستفادة منها في الطبخ، أيضا يمكن ترك اللحوم الجاهزة مثل السجق والكفتة واللجوء إلى اللحم المقدد أو السمك.

أما بثينة محمد (موظفة) فتقول: سافرت إلى كثير من دول العالم العربي ووجدت أن السودان أغلى من دبي فكيلو الطماطم هناك يساوي أقل من جنيه سوداني مقابل 20 جنيها سودانيا هنا، سواء في موجة الغلاء أو من دونها، ولم يعد عندي شك أن السودان أغلى بلد عربي غذائيا على الرغم من أنه سلة غذاء العالم العربي.

تؤكد زينب إبراهيم (ربة منزل) لجوء السودانيات مع بعضهن لعمل جمعيات خيرية وهو ما يعرف بالصندوق باللغة العامية السودانية في محاولة منهن لمساعدة أزواجهن. أما بالنسبة للموظفات فقد شرعن في شراء السلع الأساسية بالتقسيط مثل السكر والدقيق عبر منافذ بيع تتبع شركات مختلفة للتخفيف من عبء ارتفاع الأسعار.

يذكر أن غلاء الأسعار شجع كثيرا من ربات البيوت على خلق فرص وظيفية لهن من داخل المنزل من خلال عمل العطور البلدية والبخور السوداني وبيعها ومحاولة زيادة دخل الأسرة بمشاريع صغيرة أو محاولة دخول السوق بالتجارة في كل شيء لمن يمتلكن رأسمال جيد خاصة العمل في تسويق الطعام لصالات الأفراح أو المؤتمرات الكبرى والمناسبات الخاصة.

غلاء الأسعار حرك في بعض ربات البيوت دعوة بعضهن لمقاطعة الأغذية الغالية وانتظار انخفاض أسعارها سواء بقرارات حكومية أو بدخول موسمها، ومن أشهر الأغذية التي تعرضت للمقاطعة الطماطم التي بدأت أسعارها في النزول خاصة مع دخول فصل الشتاء.