لعبة «السلم والثعبان» بين نجوم السينما على صدارة «الأفيش»

شهدت صراعا عبر تاريخها بين الكبار نور الشريف وعادل إمام وعمر الشريف.. ومؤخرا بين السقا ورمزي وعز

TT

في حوار لي مع عمر الشريف نشرته قبل بضعة أشهر على صفحات مجلة «الرجل»، سألته لماذا وافق على أن يسبقه عادل إمام في فيلم «حسن ومرقص» على التترات.. كان المنطق بالتأكيد يقضي بأن يأتي اسم النجم العالمي عمر الشريف في الصدارة.. ببساطة أجابني عمر: «ولا تفرق معي».. وأضاف: «كنت أشعر أن عادل إمام ح ينبسط لو اسمه سبقني.. قلت وماله يسبقني».. وواصل قائلا: «عادل له جمهور بالتأكيد في مصر والعالم العربي هذا هو جمهوره». هكذا تعامل عمر الشريف مع هذه القضية ببساطة وحرفية وبلا أدنى حساسية. كانت هناك بعض التفاصيل في الشريط السينمائي أيضا تشير إلى أن عادل إمام تدخل لصالحه أو لصالح ابنه محمد الذي شاركه البطولة ورغم ذلك فإن عمر لم يشك أو حتى يعاتب.

هل عندما قرأ الجمهور اسم عادل إمام سابقا اسم عمر الشريف كانت هذه دلالة بالنسبة إليه على أن عادل أهم من عمر، أو أنه تناسى ذلك وتابع فقط الشريط السينمائي وتلك المباراة في الأداء بين النجمين؟ أعتقد أنه لن يتجاوز من لاحظ هذا الترتيب سوى عدد محدود من النقاد والصحافيين والفنانين، إلا أن الحقيقة هي أن ما يبدو للجمهور غير مؤثر يصبح هو بالضبط المؤثر في علاقات الفنانين في الحياة الفنية، وعدد من النجوم كثيرا ما صرحوا بأنهم لا يمكن أن يسامحوا أنفسهم لو لم تتم مراعاة تلك التفاصيل.. عدد من النجوم كانوا يحرصون على العكس تماما وهو أن يسبقهم الكبار، مثلا هاني رمزي في فيلم «ظاظا» قال لهم يسبقني كمال الشناوي على الأفيش والتترات رغم أن البطولة لهاني رمزي والمشروع السينمائي يتم تنفيذه من أجله ولكنه قال لا يمكن أن أوافق على أن أسبق أستاذي كمال الشناوي. في المسلسل الوحيد الذي جمع بين عملاقي الشاشة الصغيرة محمود مرسي ويحيى الفخراني «لما التعلب فات» (صور هذا المسلسل قبل 11 عاما).. اشترط الفخراني أن يسبقه اسم محمود مرسي على التترات. فتحي عبد الوهاب عندما اشترك في بطولة مسلسل «كليوباترا» وكان مرشحا للمشاركة في البطولة محمد صبحي طلب أن يأتي اسم صبحي سابقا الجميع بما فيهم البطلة سلاف فواخرجي رغم أن المسلسل باسمها وتمت الموافقة والتعاقد بالفعل على ذلك، والذي عرقل التنفيذ هو انسحاب صبحي وإسناد الدور إلى محيي إسماعيل.

هذه المواقف في الحياة الفنية ليست هي القاعدة بل مجرد استثناء.. مؤخرا مثلا طلب خالد النبوي حذف اسمه من تترات فيلم «الديلر» مؤكدا أن معه شرطا في التعاقد يتيح له ذلك.. وهو بالمناسبة ما أكده لي أيضا المنتج محمد حسن رمزي.. وذلك خوفا من ألا يكتب بشكل لائق في التترات سوف تجد أن للفيلم أكثر من أفيش، واحد منهم نرى فيه السقا منفردا والثاني يجمع بين السقا والنبوي وميس حمدان، وصورة السقا في الأفيش الثلاثي أيضا تحتل المساحة الأكثر بروزا. عبير صبري أثارت مؤخرا مشكلة بسبب اسمها على التترات وعلى أفيش فيلم «نور عيني» بطولة تامر حسني ومنة شلبي.

في الأعوام الماضية دائما هناك صراع يعلن عن نفسه، مثلا في فيلم «إبراهيم الأبيض» بطولة أحمد السقا ومحمود عبد العزيز كان هناك أكثر من أفيش لكل من محمود والسقا وذلك لإرضاء كل منهما رغم أن ما حدث انتقل من الأفيش إلى الشريط السينمائي، حيث إن محمود عبد العزيز كانت لديه اعتراضات بسبب تدخل السقا أيضا في المونتاج حيث حذف له أكثر من 15 مشهدا. دائما هناك شكوى، قد يعلو الصوت الغاضب أو يكتفي بالهمس ولكن أيضا لدينا نجوم يطبقون قواعد أكثر مرونة في التعامل مع الحياة الفنية، أضرب مثلا بفنانين بحجم محمود يس ونور الشريف.. محمود يس شارك أحمد السقا بدور رئيسي في فيلم «الجزيرة» وافق ببساطة على أن يسبقه السقا في التترات ويضع صورته على الأفيش بحجم أكبر وقال لي محمود يس: «هذا هو زمنهم وهذا هو جمهورهم وليس جمهوري». حتى إنه عندما تعامل مع فنان في بداية النجومية مثل آسر ياسين في فيلم «الوعد» احتل آسر المساحة الأكبر على الأفيش.. محمود يس يتذكر أنه في فيلم «أين عقلي» سبق اسم رشدي أباظة على التترات وعندما اعترض على ذلك نهره رشدي أمام الجميع مؤكدا أن هذا هو حقه الطبيعي.

كتابة أسماء النجوم على التترات تاريخيا أدت إلى الكثير من المشكلات وأحيانا تحول دون إتمام لقاء الفنانين عندما يشترط كل منهما أن يسبق الآخر.. بينما القاعدة التي تعلن عن نفسها أحيانا هي أن صاحب الأجر الأعلى من حقه أن يسبق الآخر، وهذه القاعدة أول من وضعها وطبقها على نفسه هو نور الشريف وذلك منذ الثمانينات على اعتبار أن الأجر الأعلى يعني أن شركة الإنتاج ترى في الاسم قدرة على التسويق للعمل الفني وقوة جذب أكثر للجمهور وهكذا عندما شارك نور.. أحمد عز في فيلم «مسجون ترانزيت» لم يعترض على أن يسبقه عز في التترات، وأن يحتل أيضا عز المساحة الأكبر على الأفيش فهو البطل طبقا لدراما الفيلم.

عندما أطلق نور الشريف مقولته الشهيرة «اللي أجره أكبر مني يسبقني» قبل نحو ربع قرن كانت الحياة الفنية في مصر تعاني من حالة تخبط في كل شيء.. لا أحد يطبق قاعدة.. وبدأ نور بنفسه.. قال نور في كل لقاءاتي مع عادل إمام السينمائية كنت أسبقه على الأفيش والتترات ولكني الآن إذا التقيت مع عادل فسوف يسبقني ولن أعترض. والحقيقة أن عادل ونور لم يلتقيا معا إلا بعدها بأكثر من 20 عاما في فيلم «عمارة يعقوبيان» عام 2006، وبالفعل على الأفيش سوف نلاحظ أن صورة عادل إمام احتلت مكانة متوسطة ومميزة واسمه أيضا سابقا على تترات الجميع.. أكثر من ذلك كانت الدراما تنحاز إلى عادل إمام وأصبح أقرب إلى شخصية محورية رغم أن الأصل الروائي منح جميع شخصيات الرواية مساحات متقاربة.. المعالجة الدرامية خضعت إلى رغبات عادل إمام.

الأجر الأكبر يمنح صاحبه سطوة على كل مفردات العمل الفني، والأجر رد فعل للتوزيع الخارجي والداخلي، وفي مصر صار التوزيع في الداخل يشكل قوة بالمقارنة بالماضي، وهذا هو سر تغيير خريطة السينما المصرية خلال السنوات الثلاث عشرة الأخيرة، وتحديدا مع فيلم «إسماعيلية رايح جاي» عندما صار النجم يحقق في دور العرض أحيانا مليونا ونصف المليون في اليوم وامتدت بعض الحفلات السينمائية في عدد من دور العرض بالقاهرة لتصل إلى الثالثة فجرا في ظاهرة لا يوجد لها مثيل في أي دولة في العالم، وهكذا صار نجوم هذا الجيل يتدخلون في كل التفاصيل، حتى إن محمد سعد لو ألقيت نظرة على أفلامه السبعة التي لعب بطولتها ستكتشف أن خمسة منها يؤدي فيها أكثر من شخصية في الفيلم وهذا بالطبع لأنه يريد ذلك، وطلبات النجوم أوامر، وكان يحتل غالبا الأفيش بمفرده. عندما تضاءلت إيرادات سعد مؤخرا وافق على أن تأتي صورة مي عز الدين التي تشاركه البطولة في فيلمه «اللمبي 8 جيجا» على الأفيش بمساحة لائقة ولم يكن هذا متبعا في الماضي.. إنه التغيير الذي يرتبط أيضا بتغيير في معدلات شباك التذاكر. ربما كانت حسبة عادل إمام مختلفة عن ذلك فهو يحرص في كل أفلامه الأخيرة على أن يضع إلى جواره ممثلا كوميديا من هذا الجيل لجذب الجمهور.. في فيلمه الأخير «بوبوس» كان هو صاحب القرار بأن تشاطره على الأفيش صورة «يسرا» بالمساحة والحجم نفسيهما.. كان في الفيلم أشرف عبد الباقي الذي التقى مجددا مع عادل إمام بعد «الإرهاب والكباب»، أي بعد 17 عاما وصار أشرف بطلا وله أفلام تحمل اسمه وصورته على الأفيش ولكنه لم يعترض عندما اكتشف أن صورته ليست على الأفيش ولا يتصور أحد أن هذه رغبة المخرج وائل إحسان أو شركة الإنتاج «جوود نيوز»، ولكنها، ولا شك، إرادة عادل إمام. ويبقى تقبل الفنان، وأشرف من النجوم الذين في العادة لا يثيرون مشكلات متعلقة بكتابة أسمائهم على الأفيش.

لقد كانت في الماضي المرأة هي المسيطرة وهي التي يأتي اسمها سابقا للجميع، حتى انتهى زمن كل من نبيلة عبيد ونادية الجندي.. نادية غابت منذ فيلم «الرغبة» (2002) ابتعدت تماما عن السينما، صحيح أن نبيلة توجد ولكن بلا شروط وأيضا بلا حضور كما تعودنا عليها في الماضي، خاصة بعد أن أغضبت حسين فهمي في أفيش فيلم «قصاقيص العشاق» عندما أغفلت اسمه فقاطع حسين الفيلم وكانت هذه هي آخر مرة تحتفظ فيها بلقب «نجمة مصر الأولى» سابقا اسمها، حيث إنها بعد هذا الفيلم أصبحت تكتفي بكلمتي «نجمة مصر» دون الإشارة إلى «الأولى»، بينما تمكن علي بدرخان من نزع لقب «نجمة الجماهير» اسم نادية الجندي في آخر فيلم لها «الرغبة».

ولو ألقيت نظرة على كتاب «الأفيش الذهبي في السينما المصرية» لسامح فتحي الذي يقدم تاريخ الأفيش منذ ثلاثينات القرن الماضي، لاكتشفت أن المرأة كانت هي البطلة الأولى والعنوان الأكثر جاذبية لأي فيلم، مثلا شادية كانت تسبق الجميع في كل أفلامها، التقت مع كمال الشناوي في 36 فيلما وهي تسبقه.. وكان أنور وجدي من الذكاء عندما أنتج لهما، أقصد شادية وكمال، فيلم «ليلة الحنة» أخرجه وشارك في بطولته ورغم ذلك وضع على الأفيش صورة شادية وكمال الشناوي، وفعلها أيضا مع نعيمة عاكف في فيلم «4 بنات وضابط» وهو المنتج والكاتب والمخرج ورغم ذلك سبقته نعيمة عاكف.

كانت المشكلة نراها فقط عندما تشترك نجمتان بحجم فاتن حمامة وشادية معا، ومنها مثلا فيلم «المعجزة» وسبقت على الأفيش والتترات فاتن حمامة اسم شادية ولكن الأفيش راعى تماما التوازن في المساحة بين النجمتين. هدى سلطان تسبق فريد شوقي زوجها السابق في الأفلام التي جمعت بينهما، مثل «رصيف نمرة 5» و«الأسطى حسن» و«جعلوني مجرما»، مهما كانت البطولة والمساحة الدرامية الأكبر من نصيب فريد، فإن القاعدة هي المرأة أولا.

حتى ليلى فوزي، وهي لم تحقق نجومية طاغية، فإنها في فيلم «من أجل امرأة» سبقت على التترات والأفيش اسم عمر الشريف، وأحيانا يحدث تحايل عندما يشترك أكثر من نجم، مثل فيلم «حبي الوحيد»، حيث اشترك كل من عمر الشريف وكمال الشناوي ونادية لطفي، فكتبوا في الأفيش اسم عمر الشريف سابقا اسم كمال الشناوي. ومن المفارقات مثلا فيلم «السبع بنات» فالأفيش لم يكتب فيه اسم سعاد حسني رغم أنها كانت قد لعبت قبلها بعام بطولة فيلم «حسن ونعيمة».. الأفيش يذكر بالترتيب نادية لطفي، أحمد رمزي، زيزي البدراوي، ولاعب الكرة صالح سليم، ولا وجود لسعاد على الأفيش.. في التترات جاء اسم سعاد حسني الخامس.. بعد ذلك لو تتبعت اسم سعاد ستجدها هي الأولى دائما حتى عندما التقت مع عادل إمام في عز نجوميته في فيلمي «المشبوه» و«حب في الزنزانة» جاء اسمها سابقا عادل إمام، ومعروف أن عادل قاس جدا في قضية الاسم حتى إنه عندما التقى سينمائيا مع أستاذه فؤاد المهندس في «خللي بالك من جيرانك»، وكان فؤاد هو الذي منحه الفرصة الأولى في مسرحية «أنا وهو وهي»، فإنه جاء اسمه في المقدمة، كما أنه احتل المساحة الأكبر على الأفيش وتقبل الأستاذ بمرونة ما فعله تلميذه النجيب.

ورغم ذلك هناك من حاول الخروج عن هذه القواعد الصارمة، مثل المخرج توفيق صالح في «يوميات نائب في الأرياف» فسوف نجد أسماء توفيق الدقن، عبد العظيم عبد الحق، شفيق نور الدين تتصدر الأفيش، وهم ممثلون لا تحقق أسماؤهم جذبا جماهيريا ولكنهم كانوا هم أبطال الفيلم.. في فيلم «شيء من العذاب» بطولة سعاد حسني وحسن يوسف سبق اسم يحيى شاهين بلقب «الممثل الكبير» لأن اسمه جاء في المركز الثالث.. في فيلم «نحن لا نزرع الشوك» احتلت شادية كل المساحة وكان الفيلم بداية مشوار البطولة لمحمود يس ونشر اسمه ببنط كبير كنوع من التميز له، وإن كان هذا لم يمنع أن يسبقه اسم صلاح قابيل بالبنط نفسه.

المطربون أمثال عبد الوهاب، أم كلثوم، فريد، عبد الحليم، عبد العزيز محمود يسبقون الجميع على الأفيش والتترات وبلا أي نقاش.. فهي أفلامهم.. بعض النجوم تساهلوا تماما مع أسمائهم مثل عماد حمدي ومحمود المليجي ومريم فخر الدين.. عماد والمليجي في سنواتهما الأخيرة كانا يوافقان على الوجود بأي مساحة وهذا ما تطبقه مريم فخر الدين التي تعمل الآن بـ«اليومية» في الأفلام ولا يعنيها اسمها، تقول: «كنت أسبق عمالقة في التترات مثل حسين رياض وأمينة رزق وزكي رستم، ما الذي يضيرني الآن لو كتبوا اسمي ببنط صغير؟!». محمود المليجي كان يقول: «أفضل أن أظل جنديا في الميدان على أن يقولوا عني جنرالا متقاعدا»، وهكذا وافقوا على التنازل، بينما مثلا فاتن حمامة دائما هي الأولى وبلا منازع ولا تزال مطلوبة في أي عمل فني، فهي الأولى ولا أحد من الممكن أن ينافسها في ذلك.. بينما هند رستم كان من أسباب اعتزالها احتجاجها على أسلوب كتابة اسمها في التترات.

القضية لم تحسم لأنها ترتبط بعدة عوامل، منها الجاذبية والأجر والسوق والعرض والطلب وحجم الدور، إلا أن الأمر يحتاج في كل الأحوال إلى ذكاء في التعامل مع كل المفردات التي تؤثر في وجود الفنان على الخريطة.. البقاء على الخريطة السينمائية يحتاج أحيانا إلى مرونة.. والفنان الذي لا تحقق أفلامه إيرادات ليس أمامه سوى أن يرضى بقدر من التنازل ليستمر، وهذا أقرب إلى لعبة «السلم والثعبان».. مثلا في فيلم «العار» (1982) كان اسم محمود عبد العزيز في المركز الثالث بعد كل من نور الشريف وحسين فهمي، وعندما تجدد اللقاء بين الثلاثة مرة أخرى في «جري الوحوش» الذي يعد الجزء الثاني لـ«العار»، وذلك بعد 6 سنوات فقط، كان محمود عبد العزيز قد حقق قفزات جماهيرية وارتفع أجره في السوق، فصار يسبق كلا من نور الشريف وحسين فهمي، ولم يحتج أي منهما، فتلك هي شريعة السينما التي، مع الأسف، يتغاضى الكثيرون عنها بعد أن صارت مثل لعبة «السلم والثعبان».