هل أرسل الفنان الياباني موراكامي كائناته الملونة لتعبث في صالة المرايا؟

بمناسبة معرضه المثير للجدل في قصر فيرساي

منحوتة من البلاستيك الملون تتحدى المرايا والكريستال
TT

تخيلوا سيدة أرستقراطية ترتدي أفضل ثيابها وتتزين بأفخم مجوهراتها المتوارثة عن العائلة، ثم يأتي، فجأة، من يضع على عينيها نظارات ذات إطار أحمر من البلاستيك. هكذا يرى الفرنسيون المحافظون المعرض الذي يقام في قصر فيرساي، غرب باريس، لمنحوتات الفنان الياباني ذي الشهرة العالمية تاكاشي موراكامي. كيف يجرؤ هذا الغريب على العبث بمقر ملوك البلاد السابقين؟

ليست هي المرة الأولى التي يتعرض فيها القصر البديع لـ«الانتهاك» حسب المدافعين عن «نقاء» التراث الوطني. فقد سبق لقاعة المرايا، أجمل صالات قصر فيرساي، أن استقبلت الأعمال الحديثة لفنانين معاصرين آخرين هما الأميركي جيف كونز، والفرنسي إكزافييه فيلان. وهب المحافظون ليعلنوا استنكارهم لتدنيس المكان التاريخي بمنحوتات لا تمت إلى معماره وأثاثه بصلة. لكن نظرة وزير الثقافة الفرنسي السابق والرئيس الحالي لموقع فيرساي، جان جاك أياغون، كانت مختلفة وجريئة، وهو لم يلق بالا للاحتجاجات ومضى في مغامرته في جمع الأضداد والتمتع بمرأى البلاستيك الملون وهو يتحاور مع الجدران المذهبة ولوحات رسامي عصر النهضة.

ولعل ما يثير حفيظة المحتجين هو أن موراكامي ليس بالجديد على أهل الفن في باريس، لكن اسمه اقترن بـ«ثورة» سابقة عندما تجرأ وتطفل على جلد الحقائب البني الشهير لشركة «لوي فويتون» الممهورة بالحرفين الأولين للدار، فأضاف إليه أزهارا فاقعة ورسوما لدمى طفولية. وبدلا من أن تثير تلك الخطوة التجديدية استهجان الزبائن، تضاعف الإقبال على الحقائب الغالية الثمن وتسابقت أنيقات العالم لاقتنائها، وفي طليعتهن اليابانيات الشهيرات بميلهن إلى المظهر المحافظ.

يدخل موراكامي قصر فيرساي فاتحا، مثلما دخل من قبله المهندس الأميركي، الصيني الأصل، ليو مينغ، إلى قصر اللوفر عام 1989 واضعا في ساحته الخارجية التي تحمل اسم الإمبراطور نابليون هرما من الزجاج الشفاف. لكن الفارق هو أن الصيني باق في مكانه بينما ينتهي معرض الياباني في 12 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، مراهنا على استقبال أكثر من ربع مليون زائر يذهبون للفرجة على «بوذا»، تلك المنحوتة الذهبية هائلة الحجم التي تشبه شمسا سقطت فوق نخلة، وتقف شامخة في الحدائق الأسطورية لقصر فيرساي.

في حديث لمجلة «باري ماتش» الباريسية، دافع جان جاك أياغون عن هذا المعرض بالقول إن من مهام وزراء الثقافة في فرنسا تشجيع مديري المتاحف والصروح التاريخية على الانفتاح على الفنون الحديثة. فمن شأن هذا النوع من المعارض أن يوحي للزوار بأن الأعمال الإبداعية الكبرى، مهما كانت حقبتها التاريخية، تنتمي، في النهاية، إلى المغامرة الفنية للبشرية. ثم لماذا يخافون على فيرساي من الفن المعاصر؟ إن للقصر ولشهرته العالمية من الهيبة ما هو كفيل بأن يسحق كل ما عداه. وبناء عليه، لا بد من استضافة الأعمال الفنية ذات الأبعاد الكبيرة لأنها وحدها القادرة على الصمود أمام تصميم القصر، لا سيما أن المنحوتات، وما يطلق عليه اسم «التجهيز» هو الأكثر مناسبة لمكان لا يسمح بتعليق لوحات إضافية على جدرانه.

يريد رئيس موقع فيرساي أن يتعاقب فنانون فرنسيون وأجانب على العرض في القصر الذي شيده الملك لويس الرابع عشر ليكون عنوانا لنفوذه وجاهه. لذلك كان لا بد من اختيار الأسماء العالمية الأكثر بريقا في بورصة الفن، حاليا، على أن تتخلل ذلك معارض لفرنسيين أقل شهرة. فقد أسهم معرض للفنان الفرنسي إكزافييه فيلان في القصر، بعد معرض الفنان العالمي جيف كونز، في الترويج لأعماله وجعله أكثر حضورا على خارطة المهتمين بالفنون. لكن أياغون لا يخفي ميله الكبير إلى الأعمال التي تعكس، وبشكل صارخ، روح العصر وفنون «البوب آرت» والتيارات التي تستلهم أساطير الماضي ورموزه لكي تقدمها للأجيال الجديدة في قالب شديد الحداثة. من هنا لا يرى بأسا في أن تسرح كائنات فضائية ودمى ذات رؤوس كبيرة وتسريحات زرقاء، في القاعات التي ما زالت مسكونة بأشباح ماري أنطوانيت ووزراء البلاط الملكي. واللعبة كلها تكمن في هذا التضاد والرغبة في إثارة حس المفارقة. وطبعا، سيصفق كثيرون للتجربة وسيلعنها كثيرون، لكن باريس خلقت لكي تمضي في غيها الجميل.