القدس وبنيتها المدينية في بينالي ليفربول الدولي

المدينة البريطانية تخصص «حالات المدينة» لها هذا العام

TT

فنانون من فلسطين والمملكة المتحدة والهند والدنمارك والمغرب وفرنسا والأردن خصصوا أعمالهم الفنية للقدس. بعضهم زارها وبعضهم لم يتمكن لأسباب كثيرة، منها الحواجز الإسرائيلية، لهذا فقد أطلقوا لمخيلتهم العنان. ويشارك هؤلاء مجتمعين في المكان وفي الموضوع في بينالي يقام حاليا في مدينة ليفربول البريطانية الشمالية، التي كانت قد اختيرت قبل عام عاصمة للثقافة الأوروبية.

في قسم «حالات المدينة» الذي يخصصه بينالي ليفربول الدولي لمدن مختلفة من العالم، اختار هذا العام مدينة القدس في دورته الجديدة موضوعا له. بينالي هذا العام الذي تستضيفه مدينة ليفربول التاريخية يخصص قسمه السنوي «حالات المدينة» لمدينة القدس في معرض فلسطيني يندرج تحت اسم «حركات مستقبلية»، مستلهم من المدينة ومن بنيتها المدينية وما يقع عليها من متغيرات.

المعرض، الذي افتتح في الثامن عشر من سبتمبر (أيلول) الحالي ويستمر حتى الثامن والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، يأخذ المشاهد خارج نطاق البعد الروحي المعروف للبلدة القديمة، إلى مواقع قلما تذكر أو يجري تناولها في الكتابات أو في الفنون البصرية، رغم أهميتها في تشكيل المدينة في الوقت الحالي. يقدم المعرض القدس كمدينة معاصرة بجميع تعقيداتها المادية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ويعرض كيف يتم تقسيم المكان الحضري وإخضاعه وإعادة احتلاله. «حركات مستقبلية»، الذي ينظمه «منتدى الفنون المعاصرة» يقدم أعمالا لفنانين شاركوا في برنامج الإقامة لعام 2009، بالإضافة إلى أعمال أخرى لفنانين فلسطينيين يعيشون في فلسطين والشتات. حيث وفر برنامج الإقامة لفنانين دوليين زائرين وفنانين فلسطينيين فرصة لمقاربة مناطق في القدس والتفاعل معها، وهي أمكنة قلما تظهر في صورة المدينة المحتلة كما تصور في الإعلام وحتى في الفنون البصرية. كما وفر هذا البرنامج لهؤلاء الفنانين فرصة لاستكشاف حقيقة القدس اليوم والتفكير بها كمكان طرأت عليه تغيرات كبيرة، وخصوصا خلال العقد الأخير نتيجة للممارسات الاستيطانية الإسرائيلية المكثفة، وتغيير الطرق ونصب الحواجز وبناء الجدار، ومجمل السياسات التي أدت إلى شرذمة الواقع الفلسطيني، وأدت بالتالي إلى نسيج حضري مشوه ومقطع بالتقسيمات الاستعمارية.

المدينة، التي كانت مركزا تجاريا وثقافيا وإداريا لفلسطين ولا سيما الضفة الغربية وقطاع غزة، تحولت إلى مدينة معزولة تكاد بصعوبة تبقى على قيد الحياة. الأعمال الفنية في المعرض تصور هذه الوقائع، ولكنها في الوقت ذاته، تعطي فسحة للتأمل الذاتي والكرامة والأمل، وإمكانية التطلع إلى المستقبل. يستكشف الفنانون في «حركات مستقبلية»، الأطراف الحادة للقدس من خلال خبراتهم الشخصية، في حين أن فنانين آخرين لم يتمكنوا من الوصول إلى المدينة، عملوا على تخيلها وإعادة اختراعها. عبر تقديم وجهات نظر مختلفة وفحص العلاقة بين الفرد والمكان. ويخلق المعرض مكانا يعاد فيه سرد الاعترافات والقصص الشخصية اليومية. الفنانون، سواء من فلسطين أو من أي مكان آخر، غالبا ما يلجأون إلى الذاكرة والإحساس بالغياب كوسيلة يكتشفون من خلالها الاشتباكات والمواجهات داخل المدينة. وهم من خلال تصويرهم للمدينة كمكان مثقل بالتاريخ وندوب الانقسامات، يبرزون ميراثها المشحون بالصراع والعنف. وفي تحركهم ما بين المواقع، ينظرون كيف يتم بناء ثقافات التذكر في المدينة المعاصرة، من خلال فن العمارة والذاكرات والقصص. يرافق المعرض سلسلة من حلقات النقاش وأحاديث لفنانين تنظم بالتعاون مع فنانين زائرين.