الساحر الصغير ينام على المسامير وحد السيف

عبد الرحمن: منعتني أمي من الاقتراب من النار فأصبح أكلها مصدر رزقي

يوم العرض يكون عبد الرحمن صائما إلا عن الماء ويقرأ الكثير من القرآن قبل الصعود إلى المسرح («الشرق الأوسط»)
TT

«الراقص على المسامير» و«آكل النار» تعبيران محببان إليه، وأصبح لهما معنى ودلالة تضحكه أحيانا إلى حد البكاء، بخاصة حين يخشى الفشل، ويتعرض للموت أو تصيبه عاهة مستديمة، وتخونه التدريبات المكثفة التي يجريها يوميا، من أجل أن يخطف تشجيع الجمهور وإمتاعه في الوقت نفسه. فهواية اللعب بالنار وافتراش المسامير وكسر الزجاج التي قرر أن يمتهنها تستحق منه أن يخاف من النتائج.

إنها حزمة من المخاطر يحملها على كاهله عبد الرحمن أو «فوكس» أو الساحر الصغير، وغيرها من الألقاب التي أطلقها عليه زملاؤه ومحبوه. لكنه رغم عمره الذي لم يتجاوز الـ22 ربيعا، وطوله 175 سم ووزنه 73 كيلوغراما، استطاع وفي الفترة القصيرة أن يكتسب خبرة الكبار، مروضا جسمه النحيل ليتحمل مالا يستطيع تحمله العمالقة.

يقول عبد الرحمن: «عندما كنت طفلا كنت أعشق مشاهدة الأفلام الأجنبية التي تحكي قصص قدماء الصينيين والهنود، كنت أراهم قادرين على فعل أشياء مبهرة، النوم على المسامير، حمل الأشخاص بتثبيت النظر عليهم، افتراش الزجاج، أكل جمرات النار.. قرأت الأفكار كنت أعتقد أن كل هذا خدع بصرية أو ألعاب سحرية، وكنت أحاول تقليدهم بفطرة الأطفال فكانت أمي تخاف علي جدا من النار، لما يمكن أن تلحقه بي من أضرار، ومنعتني تماما من دخول المطبخ حتى لإعداد كوب شاي، ومع مرور الأيام بدأت أنسى الموضوع حتى أنهيت دراستي وقررت العمل مع أخي في إحدى شركات التصوير في الغردقة. وفي أحد الأيام حضرت أحد العروض لشاب يقدم بعض العروض التي كنت أراها وأنا طفل في الأفلام، ولكن الفرق أنني تأكدت أنها ليست خدعا بصرية، فقد قمت بلمس جمرات النار التي أكلها الشاب وأحسست بوخز الزجاج والمسامير، فطلبت منه أن يعلمني أو يقول لي السر ولكنه رفض وقال لي: ابحث بنفسك وسوف تعرف السر، ومن هنا عكفت على البحث والمتابعة واشتريت بعض الأفلام التي شاهدتها في طفولتي ومعها الكثير من الجديد، وأصبح الأمر بالنسبة لي بمثابة هاجس وسر، أريد أن أصل إلى حل طلاسمه حتى أيقنت أنه علم وليس سحرا، وذلك بعد قراءتي بعض الكتب التي أكدت أنه علم يعتمد على القوة والتركيز».

يضيف الساحر الصغير «في أوروبا يعرفونه جيدا ويطلق علي من يجيد هذه الأفعال «Fakir»، أي الناسك الذي يستطيع أن يخرج قواه البدنية بواسطة التركيز العقلي، فكل واحد منا لديه هذه القوة ولكنه لم يعمل على إظهارها، فأغلبنا يستخدم من القوة البدنية والعقلية التي أعطاها لنا الله 10 في المائة».

ويتذكر أول مرة حاول فيها تطبيق ما تعلمه وتدرب عليه فغرز السيف في بطنه فتسبب له في جروح آثارها ما زالت ظاهرة لليوم، فعلم أنه ما زال يحتاج إلى وقت أكثر في التدريب فضاعف ساعات اليوغا التي من شانها أن تقوى التركيز وتعطي ممارسها راحة نفسية يحتاجها الـ«Fakir» عندما يقدم عروضه، وهذا ليس كل شيء، بالإضافة إلى أن النوم مبكرا والأكل السليم في مواعيد محددة يعطي الجسم قوة وليونة في تحمل الصدمات والألم. وأضاف «لذلك أعتمد في فطوري على العسل والحليب والزبادي، والغداء فقط على 200 جرام من اللحوم وقطعة خبز وبعض الخضار والفاكهة وبعد الساعة الثامنة مساء لا أتناول سوى الماء وعصير الفاكهة الطازج، كما أحرص على الصيام يومين في الأسبوع حتى يتخلص الجسم من كل السموم التي تدخله من البيئة المحيطة».

بعدما كرر «الراقص على المسامير» التجربة يقول: «كدت أطير من الفرحة عندما نجحت ونمت على كسر الزجاج وألواح الخشب المغطاة بالمسامير، بعدها عرضت نفسي على أحد منظمي الحفلات في مرسى علم بالغردقة، فاقتنع بقدراتي وقرر إضافة فقرة لي ضمن العروض التي تقدم لرواد إحدى القرية السياحية يوميا». وبعد مدة قصيرة عرف الجميع قدرات الفتى الصغير فأصبح له عرض كامل يوميا يتلهف الكبار والصغار على متابعته.

في البداية، بدأ عبد الرحمن العرض بلوحتين هما النوم على الزجاج والمسامير وغرز السيف في البطن. «لكن مع الوقت والتدريب طورت من نفسي فأصبحت أضع جمرات النار على لساني حتى تنطفئ وأيضا وضع رقبتي على حد السيف ويقوم أحد من الجمهور بالوقوف على رقبتي فلا أتأثر، وأيضا النوم بين لوحين من الخشب غطي كل واحد منهما بمجموعة من المسامير طولها 15 سم، ويقوم أحد من الجمهور بالوقوف على اللوح الموضوع على بطني.. لكن هذا ليس كل شيء، فكل فترة أحاول أن أضيف لوحة جديدة، وهى لا تأتي إلا بالتدريب المكثف والتركيز».

وعن طقوسه يوم العرض يقول: «يوم العرض أكون صائما إلا عن الماء وأقرأ الكثير من القرآن قبل الصعود إلى المسرح، وأحاول وقت العرض أن أفصل نفسي تماما عن كل ما يحيط بي، فأي كلمة أو فعل من الجمهور قد يودي بحياتي، وكدت أفقد حياتي في أحد العروض عندما فقدت تركيزي عندما جال بخاطري أنه يمكن أن تكون أمي من بين الحضور، وأنا أعرف أنها تخاف علي جدا، وقد يحدث لها أي مكروه لو رأتني أقوم بأي عرض من هذه العروض.. فبمجرد أن ذهب تفكيري في شيء بعيد عما أقدمه شعرت بسيلان الدم على جسدي وقمت فورا بتوقيف العرض وانسحبت من المسرح».

وبنبرة زهو وثقة يستطرد عبد الرحمن: «قدرات الله كبيرة في جسم الإنسان وكل واحد منا يمكن أن يفعل ما أفعله، أو يكتشف في نفسه أيضا قدرات خارقة أخرى. وحاليا أعكف على التدريب على رفع الأشخاص أو تحريك الأشياء بمجرد تركيز النظر عليها، أو أرتفع عن سطح الأرض لبضعة أمتار!».

لا يقف طموح الساحر الصغير عند هذا الحد، فهو يفكر يوميا في اكتساب قدرات جديدة، لافتا إلى أن كل ما يفعله ليس من قبيل السحر أو الخدع البصرية، كما يعتقد من يرونه.. ويؤكد على ذلك بقوله: «أنا كنت واحدا من هؤلاء ولكن أرجو أن يعرف كل واحد أن بداخله علما كبيرا هو لا يستغله لأي سبب سواء لتحسين دخله أو إرضاء ذاته، فمثلا بعدما كان دخلي 200 دولار أصبح 1000 دولار، رغم أن سبب دخولي هذا المجال لم يكن المكسب المادي، هذا فقط مثال بسيط، فأغلب جمهوري أجانب يرون أن ما أفعله قدرات غريبة على الشعب المصري، وأنا أثبت لهم العكس».

تبقى مغامرة عبد الرحمن، أو «فوكس» كما تصفها سها محمد، إحدى المسؤولات عن تنظيم الحفلات تقول: «عندما يبدأ عبد الرحمن بالعرض تحبس الأنفاس وتتعالى الشهقات الممزوجة بالتصفيق الحار من كل من يراه، وعندما أجد من يظهر على وجهه عدم اقتناعه بما يقدمه يكون هو الفرد الذي نختاره من الجمهور لكي يشاركه العرض، فنحن نختار الجمهور بطريقة عشوائية حتى يكون لما يقدمه مصداقية، وسواء أطلق الجمهور على ما يقدم سحرا أو قدرات خاصة فالحصيلة واحدة، هي الاستمتاع بعرض شيق من قبل الحضور الذين يحرصون على معاودة زيارة القرية مرات ومرات والسؤال عن أخبار أصدقائهم عنها وأغلبهم يحرصون على التقاط الصور مع عبد الرحمن بالزي الفرعوني الذي يرتديه لكي يضفي على العرض لمسة تاريخية لها عبق خاص.