فنون العالم الإسلامي تتزين في دار «سوذبيز»

مصاحف أثرية ووثائق النسب النبوي الشريف وخنجر من مملكة بنو نصر

TT

«أضخم مزاد لفنون العالم الإسلامي» بهذا الوصف يمهد خبراء دار «سوذبيز» للمزادات بلندن لمزادهم القادم لفنون العالم الإسلامي الذي سيقام على مدار يومين في 5 و6 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. العبارة قد يعتبرها السامع نوعا من المبالغة التي تترافق عادة مع المزادات العالمية. ولكن إدوارد غيبز رئيس قسم الفن الإسلامي بالدار يجيب عن التساؤل بثقة وهدوء: «المزاد هو الأضخم فعلا وذلك بسبب نمو السوق. فنجاح مزاد الدار للفن الإسلامي الذي أقيم في شهر أبريل (نيسان) الماضي قد دفع إلى السوق بقطع مهمة ونادرة وهو أيضا ساهم في رفع الاهتمام والوعي بأهمية سوق الفنون الإسلامية بين المشترين والبائعين على حد سواء». ويعود النجاح أيضا إلى إقامة متحف الفن الإسلامي في الدوحة والمتاحف القادمة في الخليج العربي مثل متحف اللوفر في أبوظبي الذي سيتضمن قسما للفن الإسلامي. فتلك المتاحف خلقت جوا عاما من الاهتمام بقطع الفن الإسلامي وخلقت حالة من الاهتمام الذي يرى غيبز أنه يقف في وجه دعايات سياسية مضادة.

في غرفة صغيرة في مقر الدار بشارع «بوند ستريت» يستعرض غيبز وبنيديكت كارتر من قسم الفن الإسلامي ما سمياه «مختارات متميزة» من القطع التي ستعرض في المزادين القادمين. يشير كارتر إلى مجموعة من المخطوطات التي تمثل الجزء الأهم من المزاد الأول وهو من مقتنيات جامع تحف واحد. من تلك المخطوطات رقعة مكتوبة بالخط الكوفي بماء الذهب ترجع إلى القرن التاسع أو العاشر الميلادي، يقول كارتر: «أتوقع أن هذه المخطوطة كانت في زمنها من أكثر المخطوطات فخامة وأتوقع أن اختيار اللون الأزرق لكتابتها كان لمنافسة المخطوطات البيزنطية». ووضعت الدار سعرا تقديريا للمخطوطة يقدر بما بين 200 ألف إلى 300 ألف جنيه إسترليني.

وننتقل من المخطوطة إلى نسخة بديعة من القرآن الكريم لم يبخل صانعها بأي وقت أو جهد في زخرفتها والاعتناء بكل تفاصيلها؛ بدءا من الغلاف الجلدي الذي زين داخله وخارجه بماء الذهب، إلى صفحات القرآن التي تحولت إلى لوحات فنية تنطق بالخشوع وازدحمت حواشيها وسطورها بالزخارف الدقيقة لتحدد بدايات الأجزاء والسور. المصحف الشريف يعود إلى بلاد فارس ويرجح أن يكون قد تم إبداعه في منتصف القرن السادس عشر ويتوقع له سعر يتراوح بين 80 ألفا إلى 120 ألف جنيه إسترليني.

ويشير كارتر إلى كتاب آخر من نسخ ابن رزا أبو القاسم الشيرازي يتراوح سعره بين 5 آلاف إلى ثمانية آلاف جنيه إسترليني.

ومن الكتب التي تعرض أيضا كتاب صغير نسبيا مقارنة بالمجلدات الضخمة التي يضمها المزاد، الكتاب هو «فتوح الحرمين» وهو دليل للحاج في زيارة مكة والمدينة يعود تاريخه إلى القرن السادس عشر.

ومن المخطوطات النادرة التي يضمها المزاد أيضا نسخة نادرة من القرآن الكريم مهداه إلى سلطان بروناي يعود تاريخها إلى عام 1660 ويقدر سعرها بما بين 60 إلى 80 ألف جنيه إسترليني. ويستمد المصحف الشريف أهميته من عدة عوامل؛ منها - لا شك - شخصية المهدى إليه والخط الذي كتب به والمنشأ؛ بل أيضا بسبب الضوء الذي يلقيه على تطور أساليب الزخرفة في منطقة جنوب شرقي آسيا.

ومن المفاجآت التي يتضمنها المزاد وثيقتان تتبعان نسب الرسول عليه الصلاة والسلام؛ أولاهما أبدعت في القرن الرابع عشر، يقول إدوارد غيبز، وهو يشير إلى ندرة المخطوطة، إن طريقة كتابتها غير تقليدية، فهي تعتمد على كتابة اسم «محمد» في وسط المخطوطة التي تمتد على عدة صفحات ويحيط بها على الجانبين كتابات مختلفة بعض منها يسرد الأسماء الحسنى وبعض الكتابات تسرد بعضا من أقوال الرسول الكريم وأخرى تسرد تاريخ الخلفاء الراشدين وبنات النبي عليه الصلاة والسلام. المخطوطة تعد متميزة بسبب عدد من النقاط كما يشير غيبز؛ فهي تبدأ بالبسملة التي كتبت بماء الذهب، ثم تعتمد على اسم الرسول كجذع للشجرة تتفرع عنه باقي فروع النسب. ونتتبع خلال الصفحات نسب الرسول الكريم حتى آدم عليه السلام. ويعلق غيبز على طريقة الكتابة التي تتخذ أشكالا مختلفة؛ فهي إما عمودية أو مائلة أو مستقيمة، فيقول إن «تلك الطريقة في الكتابة ليست غريبة بالنسبة للمخطوطات ولكنها تعد غير مألوفة في حالتنا هذه، حيث إن المخطوطة مجلدة في صورة كتاب».

أن توجد شجرة نسب للرسول الكريم في أحد المزادات، فإن ذلك يعد أمرا استثنائيا، ولكن غيبز يشير إلى أن المزاد الحالي يضم وثيقتين من ذلك النوع؛ حيث توجد شجرة نسب أخرى يتضمنها المزاد وإن كانت الوثيقة هذه المرة تمتد على مسافة 8 أمتار. ويشير غيبز إلى أن طول الوثيقة يجعلها مناسبة أكثر للعرض في قاعة أحد المتاحف أو المكتبات الكبرى. الوثيقة تحمل تأثيرات فنية كثيرة من منطقة جنوب شرقي آسيا فمثلا هناك زهرة اللوتس التي توجد بكثرة وهو ما يرجعه غيبز إلى منشأ الوثيقة التي كتبت في بخارى. وتبدأ الوثيقة بآدم عليه السلام وتستمر في سرد أسماء الأنبياء وتمر حتى بأسماء مثل الإسكندر ذو القرنين وأصحاب الكهف. ويتراوح سعر المخطوطة ما بين 30 ألفا إلى أربعين ألف جنيه إسترليني.

وأخيرا تبقى أغلى قطعة في المزاد، وهي خنجر يعود لعصر بنو نصر ومملكة غرناطة في القرن الخامس عشر، الخنجر يتميز بنقوشات دقيقة نلمح مثيلها على جدران قصور غرناطة. ويشير غيبز إلى أن النقوش الموجودة على الخنجر تمزج بين العربية واللاتينية. الخنجر هو الرابع من نوعه في العالم، فيشير غيبز إلى وجود نسخة في مدريد وأخرى في ميلانو ونسخة في فرنسا وأخيرا هذه النسخة التي تعرضها «سوذبيز» للبيع بمبلغ يتراوح بين 600 إلى 800 ألف جنيه إسترليني.

المزادان يضمان مجموعة ضخمة من القطع تقترب من 400، ويتوقع أن تبلغ محصلة البيع الـ10 ملايين جنيه إسترليني.