هشام طلعت مصطفى ينفذ من الإعدام إلى السجن 15 عاما.. والمؤبد للسكري

الحكم في مقتل سوزان تميم جاء مفاجئا لكل الأطراف > الدفاع يصر على البراءة ويقرر الطعن

شهدت قاعة المحكمة ارتباكا شديدا لكل الحضور فور نطق رئيس المحكمة بالحكم، حيث أسرع رجال الأمن إلى إخلاء قاعة المحكمة من جميع الحضور بمن فيهم الصحافيون والإعلاميون (أ. ب)
TT

بعد الحكم عليهما بالإعدام العام الماضي، أصدر القضاء المصري أمس حكما بالسجن المشدد لمدة 15 عاما في حق رجل الأعمال المصري هشام طلعت مصطفى وحكما بالمؤبد على ضابط الشرطة المصري محسن السكري في قضية مقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم في دبي عام 2008، وفي حين بدا الارتياح على وجوه المتهمين، أصر الدفاع عنهما على البراءة، وقرر الطعن مجددا على الحكم، بينما قال عادل معتوق، زوج تميم لـ«الشرق الأوسط» إنه سوف يجتمع مع ممثليه القانونيين لبحث الموضوع.

وجاءت أحكام أمس بعد نحو عام من إصدار حكم بإعدام مصطفى والسكري، لكن محكمة النقض وهي أعلى محكمة مدنية ألغت الحكم في مارس (آذار) الماضي وأمرت بإعادة المحاكمة. وبدأت الجلسة التي عقدتها محكمة جنايات القاهرة أمس بالاستماع إلى عدد من الشهود بناء على طلب الدفاع عن مصطفى لكن القاضي عادل عبد السلام جمعة رفع الجلسة وعاد ليصدر الحكم بسجن مصطفى والسكري.

كما قضت المحكمة بإحالة الدعوى المدنية بالتعويض المقامة من أسرة سوزان تميم ضد المتهمين (قبل أن يتم التنازل عنها لاحقا لصالح هشام طلعت مصطفى) إلى المحكمة المدنية المختصة لمباشرتها، ورفض الإدعاء المدني بالتعويض من رياض العزاوي وعادل معتوق التعويض ضد هشام والسكري.

وجاء حكم المحكمة برئاسة المستشار عادل عبد السلام جمعة في ختام الجلسة الثالثة عشرة من عمر القضية، وبعد أقل من نصف ساعة استغرقتها المحكمة داخل غرفة المداولة، لتخرج هيئة المحكمة وينطق رئيسها بالحكم الذي جاء مفاجئا لكل الأطراف، سواء المتهمان هشام طلعت والسكري، ودفاع كليهما والحضور من مراسلي وكالات الأنباء والصحف والفضائيات ورجال الأمن بقاعة المحكمة وخارجها.

وكان فريد الديب وعدد من المحامين من هيئة الدفاع عن هشام طلعت مصطفى قد انصرفوا عقب رفع المحكمة للجلسة للمداولة، على اعتبار أن المداولة ستفضي إلى التأجيل بصورة روتينية لجلسة اليوم (الأربعاء) لاستكمال سماع الشهود الذين طلبتهم هيئة الدفاع قبل الشروع في سماع مرافعات الدفاع الختامية، ليفاجئ المستشار عادل عبد السلام جمعة الجميع ويخرج ليصدر حكما في القضية التي شهدت مساجلات ومشاحنات بينه وبين عدد من المحامين أعضاء هيئة الدفاع عن المتهمين، وفي مقدمتهم المحامي فريد الديب، حيث سبق أن اعتبر رئيس المحكمة أن هيئة الدفاع تعمد إلى إطالة أمد القضية وتسويف الفصل فيها، بينما أكدت هيئة الدفاع أنها لا تسعى إلا للوصول للحقيقة وإن استغرق ذلك الأمر بعض الوقت.

وشهدت قاعة المحكمة ارتباكا شديدا لكل الحضور فور نطق رئيس المحكمة بالحكم، حيث أسرع رجال الأمن إلى إخلاء قاعة المحكمة من جميع الحضور بمن فيهم الصحافيون والإعلاميون، وإخراج هشام طلعت مصطفى ومحسن السكري بسرعة فائقة من قفص الاتهام الذي انقض عليه مصورو الصحف والفضائيات لتصوير آثار وتعبيرات الحكم عليهما، وترحيلهما (هشام والسكري) من المحكمة إلى سجن مزرعة طرة لتنفيذ العقوبة.

ولا تزال هناك جولة أخيرة أمام هشام طلعت والسكري في المحاكم، وذلك بالطعن على الحكم - عقب إيداع محكمة الجنايات لحيثياته خلال الأيام القليلة المقبلة - أمام محكمة النقض، التي تمثل أعلى سلطة قضائية في البلاد، حيث تفصل محكمة النقض نهائيا في القضية هذه المرة وذلك إما بتأييد الحكم ليصبح نهائيا وباتا، أو بتخفيض العقوبة بحق المتهمين أو أحدهما، أو أن تقضي ببراءتهما، ليكون الحكم الصادر عنها، أيا كان، غير قابل للطعن عليه لاحقا بأي وجه من أوجه التقاضي.

من جانبه، أعرب عاطف المناوي المحامي عن محسن السكري في تصريحات صحافية خارج قاعة المحكمة، عن دهشته من الحكم، مشيرا إلى أن دفاعه لم يتحقق باستكمال سماع الشهود وإبداء مرافعته، مؤكدا أنه سيطعن على الحكم أمام محكمة النقض لقناعته ببراءة موكله.

من جهته، أكد المستشار بهاء الدين أبو شقة عضو هيئة الدفاع عن رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى لـ«الشرق الأوسط» أنه سينتظر أن تودع المحكمة حيثياتها للطعن على الحكم أمام محكمة النقض، مشيرا إلى أنه لم يسبق في تاريخ المحاكمات المصرية أن صدر حكم بالإدانة من دون الاستماع إلى مرافعة دفاع المتهم، حيث أوجبت نصوص الدستور وبنود قانون الإجراءات الجنائية الاستماع إلى مرافعة الدفاع عن المتهمين قبل إصدار الحكم، وهو الشرط الذي لم يتحقق في القضية، حسب قوله.

وقال أبو شقة إن الجانب الإيجابي الوحيد للحكم الصادر بحق موكله هشام طلعت مصطفى أنه أزاح حبل المشنقة عن رقبته للأبد، وأعطاه الطمأنينة والراحة بشكل مرحلي لحين الطعن على الحكم أمام النقض وفصلها نهائيا في القضية.

وقالت مصادر قانونية آثرت التكتم على هويتها لـ«الشرق الأوسط» إن السلطة المخولة لمحكمة النقض تتقيد إما بتأييد الأحكام الصادرة عن الجنايات في القضية، أو بتخفيضها أو أن تنعقد كمحاكمة جنائية لتباشر بنفسها محاكمة المتهمين في القضية، ولا تمتد إلى القضاء بتغليظ العقوبة انطلاقا من المبدأ القانوني بأن المدان الذي يطعن على حكم إدانته لا يضار بطعنه.

وكانت الجلسة قد شهدت في مستهلها انشقاقا بين هيئتي الدفاع عن محسن السكري، وهشام طلعت مصطفى، بعد أن قدمت هيئة الدفاع عن الأخير طلبا إلى رئيس المحكمة بالتنازل عن طلباتها في الجلسة السابقة بإعادة الاستماع إلى أقوال شهود ممن سبق أن تم الاستماع إليهم في المحاكمة الأولى، مبررة ذلك بالحرص على عدم إطالة أمد القضية.. وهو الأمر الذي أثار حفيظة هيئة الدفاع عن محسن السكري، التي أصرت على سماع أقوال جميع الشهود الذين سبق الاتفاق على سماعهم بالمذكرة المقدمة إلى المحكمة بالجلسة الماضية. وحول هذه النقطة قال عاطف المناوي إنه «لا يدري سببا لتغيير هيئة الدفاع عن هشام طلعت لقبلتها وطريقها بين عشية وضحاها» وهو الأمر الذي برره لاحقا المستشار بهاء الدين أبو شقة بأن التنازل جاء بناء على طلب هشام طلعت مصطفى نفسه «منعا للإطالة من دون مبرر» حيث إن من سبق الاستماع إلى شهادتهم سيكررون الكلام نفسه وهو الأمر الذي لن يضيف إلى موقفه شيئا إيجابيا.

وأضاف محمد مهران محامي هشام طلعت مصطفى: «سنطعن على الحكم فور إعلان الحيثيات.. عندما استمعت المحكمة إلى المرافعة في المحاكمة الأولى نال هشام حكم الإعدام وعندما لم تستمع صدر في حقه حكم بالسجن خمسة عشر عاما.. وهذه حالة فريدة في تاريخ القضاء المصري».

ونفى مهران أن يكون تخفيف الحكم للسجن المؤبد بحق السكري وخمسة عشر عاما لهشام لاقى ارتياحا من المتهمين، مضيفا: «نحن نؤمن أن هشام بريء وكل الأطراف غير راضية عن الحكم، سواء النيابة أو الدفاع أو المدعون بالحق المدني ضد المتهمين».

من جانبها، أبدت رضا غنيم محامية عادل معتوق زوج سوزان تميم، عدم ارتياحها للحكم نافية في الوقت نفسه أن تكون شهادة عبد الستار تميم لصالح هشام لها دور في تخفيف الحكم، وقالت: «المحكمة أحالت دعوى عبد الستار تميم للقضاء المدني وهو ما يعني أنها بلا تأثير على سير الدعوى الجنائية، وكانت لنا طلبات مؤجلة لجلسة الخميس لكن فوجئنا بصدور الحكم»، وقالت غنيم لـ«الشرق الأوسط» إن الحكم الصادر أمس الثلاثاء لاقى ترحيبا من قبل المتهمين وظهر أثره على وجه هشام طلعت مصطفى بعد أن ابتعد شبح الإعدام عنه.

على الجانب الآخر، أعلن عادل معتوق عن دهشته من الحكم معتبرا أنه «يمثل سابقة في تاريخ القضاء المصري»، لكنه رفض الحديث لـ«الشرق الأوسط» عن تفاصيل دهشته في الوقت الحالي حتى يجتمع مع ممثليه القانونيين، خاصة أنه تلقى الخبر مقتضبا وهو بعد على سلم الطائرة قادما إلى بيروت ولم يتسن له معرفة تفاصيل ما حدث، والخطوات القادمة التي ينوي تنفيذها.

وكانت المحكمة في جلسة أمس قد أعادت الاستماع إلى أقوال الدكتورة هبة العراقي الطبيبة في مصلحة الطب الشرعي، التي قطعت بعدم فساد العينات التي تحتوي على الآثار الوراثية والدماء جراء تشمم الكلاب البوليسية لها، مؤكدة أنها اتبعت الخطوات العلمية كافة المقررة في سبيل استخلاص البصمة الوراثية التي انتهت إلى إدانة محسن السكري في قتل المطربة.

كما استمعت المحكمة إلى أقوال شاهد نفي للتهم، وهو الطبيب عادل المسيري الأستاذ بكلية الطب جامعة عين شمس ورئيس مركز البحوث الطبية التابع للجامعة، الذي خالف الطبيبة هبة العراقي رأيها، مؤكدا أن تشمم الكلاب البوليسية للملابس المدممة المنسوبة للسكري وتساقط لعاب تلك الكلاب عليها يؤدي إلى فساد العينات الوراثية، مشيرا إلى أنه بالاطلاع على الأوراق التي جاءت من دبي بشأن فحوص الحامض النووي والبصمة الوراثية وحفظ وتخزين العينات التي استخلصت منها تلك البصمة، وجد أخطاء علمية كثيرة من شأنها تغيير الحقائق والنتائج.

يشار إلى أن محكمة الجنايات الأولى التي باشرت محاكمة هشام طلعت مصطفى ومحسن السكري، قد قضت بإعدامهما بعد أن انتهت إلى إدانة السكري بقتل سوزان تميم عمدا مع سبق الإصرار والترصد، وإدانة هشام طلعت مصطفى بتحريض السكري على قتلها والاتفاق معه ومساعدته على ذلك، غير أنهما طعنا على الحكم أمام محكمة النقض التي قضت بإلغاء الحكم وإعادة محاكمتهما من جديد، التي تحدد لها دائرة المستشار عادل عبد السلام جمعة الذي أصدر حكمه المتقدم.