الناقد المغربي محمد آيت العميم يقدم «المتنبي.. الروح القلقة والترحال الأدبي»

أثبت أن نصه الشعري يصمد أمام القراءة ويتجدد مع مرور الزمن

غلاف مؤلف «المتنبي.. الروح القلقة والترحال الأدبي» للناقد المغربي محمد آيت العميم («الشرق الأوسط»)
TT

يشدد الناقد المغربي محمد آيت العميم، في مقدمة مؤلفه «المتنبي.. الروح القلقة والترحال الأدبي»، على أن دارس المتنبي، في اللحظة الراهنة، ستنتابه حيرة وتردد وهو يعقد العزم على إنجاز بحث حول عالمه الشعري. ويرجع آيت العميم سبب الحيرة والتردد، في تناول تجربة المتنبي، إلى الكم الهائل من الدراسات التي أنجزت حول المتنبي، في القديم والحديث، إذ ينتصب أمامه تحد كبير.. هو هل بالإمكان تقديم الجديد أمام هذا المنجز القرائي السابق؟ فهذه الوضعية إيجابية وحرجة، في الآن نفسه. ويشرح: «حرجة لأنها توهمك أن المتنبي قد قُتل درسا، ولم يعد للاحق مجال للإضافة والإتيان بجديد، وإيجابية لأنها توفر للباحث مجالا خصبا لتأمل التمثلات الذهنية، والسيرورات القرائية، وتعدد التأويلات، والصور المتخيلة حول المتنبي، لدى هؤلاء القراء المتتابعين عبر الزمن».

هذا المعطى النقدي، هو الذي دفع بآيت العميم إلى تخصيص دراسة حول المتنبي تهتم، أساسا، بفحص السبل التي تمثلته بها المناهج النقدية الحديثة عند العرب، منتهيا إلى أن هذه المناهج قد أسفرت كلها عن تصورات مختلفة حول المتنبي وشعره، من جهة أنها تعكس، بالأساس، طبيعة الخطاب النقدي الحديث حول الأدب القديم، وتعكس، أيضا، الحوار النقدي الذي ما زال يفرض تقاليده في النقد العربي الحديث.

وأرجع آيت العميم دواعي اختيار البحث في «شاعر كتبت حوله مكتبة» إلى عوامل يمتزج فيها ما هو ذاتي بما هو موضوعي. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المتنبي شاعر عظيم، بل هو أقوى صوت شعري أنجبته اللغة العربية. يخيل إليك وأنت تقرأه أنه يقرأك. كلما أعدت قراءته تكتشف شيئا جديدا، على غرار الأعمال الخالدة والمتميزة في نوعها، كما أن نصه الشعري يصمد أمام القراءة ويتجدد مع مرور الزمن، وهذه ميزة لم تنعم بها إلا نصوص قليلة. شاعر لم يختلف عليه شعراء العمودي ولا شعراء التفعيلة ولا شعراء قصيدة النثر». ثم أضاف: «لا يمكن أن نتخيل الشعر العربي من دون المتنبي، ولذلك لقب بـ(شاعر الزمان) و(شاعر الأيام). فهو هرم ومرجعية أساسية في مسيرة الشعر العربي، وأعاد المجد للشعر، كما أنه هضم الموروث الشعري السابق عليه واستلهمه، بطريقته الخاصة، مخلفا بصمته الشخصية، وتمثل الفكر الفلسفي الإغريقي والعربي، والعقائد السائدة في عصره، كما انخرط في نقد المجتمع والسياسة، ونفذ إلى أعماق النفس البشرية، وحدق فيها بعمق فصهر كل هذه الأشياء، وأخرجها جديدة مسجلة باسمه، مركزا على نقاط التصدع في الكيان العربي». وتابع آيت العميم أن شعر المتنبي يتمحور حول «إعادة الاعتبار للجنس العربي في لحظة هيمن فيها الجنس الأعجمي، وهو واقع يتواصل، اليوم، ويتأكد مع كل هذا التشرذم والشرخ الذي نعيشه، على المستوى العربي، ونحن نعيش الألفية الثالثة، التي تتواصل فيها هيمنة الغرب على العالم».

إن «صوت المتنبي» - يقول آيت العميم - هو «الصوت الذي يحضر في لحظة الانكسار ولحظة الانتصار»، مشيرا إلى أن «جميع الشعوب انتخبت الناطق باسمها، فالألمان اختاروا غوته والإسبان سرفانتس، والفرنسيون فيكتور هوغو، والإيطاليون دانتي، بينما اختار العرب المتنبي». غير أن المفارقة، يضيف آيت العميم، أنه «في الوقت الذي تنسب أهم معاهد ألمانيا وإسبانيا وفرنسا، مثلا، إلى غوته وسرفانتس وفيكتور هوغو، يظل اسم المتنبي غائبا في العالم العربي، من دون أن يجول التفكير في إطلاق اسمه على معاهد ومراكز ثقافية، من قيمة معهد سرفانتس (الثقافي) الإسباني، أو معهد غوته الألماني».

وتوقف آيت العميم عند مفارقة مثيرة، تتلخص في أن العرب عشقت شعر المتنبي، وتوجته شاعرها الأول، رغم أنه ظل يكيل لها الشتائم في أشعاره، حتى إنه قال فيها: «يا أمة ضحكت من جهلها الأمم».

وذهب آيت العميم إلى أن الشعراء المعاصرين يجدون في المتنبي أبا رمزيا، وهذه «حقيقة تنفي مقولة (قتل الأب)»، قبل أن يعدد بعض مصادر قوة المتنبي. ومن ذلك أنه «أمسك بالجوهري في النفس البشرية»، و«تأمل الوجود»، وتناول، في أشعاره «القلق الروحي» للأفراد، و«اختصر التجارب الحياتية البسيطة للإنسان، حين خلدها في حكم»، وقبل هذا وبعده «لم يكن يكتب شعره للحظة، بل للتاريخ».

ولقد ركز آيت العميم على فحص تمثلات النقاد حول المتنبي، والإجابة عن أسرار الاهتمام بشعر المتنبي، وإجلاء السياقات التي أعيدت فيها قراءته من لدن النقد المعاصر، بمختلف توجهاته ومناهجه، بغية الوصول إلى أقرب طريق لفهم هذا الاهتمام الكبير بشعر المتنبي، ألا وهو الإجابة عما يجده القراء المتتابعون في الزمن في هذا الشعر، وما الذي يلبيه هذا الشعر بالنسبة لقرائه. بيد أنه ترك مجال البحث، في «الظاهرة المتنبئية»، مفتوحا إلى مزيد من التناول، وخصوصا أن هناك مجالا لم يدرس بما فيه الكفاية، يهم تلقي المتنبي من قبل الشعراء أنفسهم، سواء كانوا شعراء يحافظون على عمود الشعر، أو شعراء تفعيلة، أو شعراء قصيدة النثر.