ربيع وصيف 2011.. بريق وتقطيع

بين هيستيريا الروك لدى «بالمان» و«بالنسياجا» والحلاوة المتزنة لدى «نينا ريتشي» وباربرا بوي

TT

إلى اليوم الثاني من أسبوع باريس، والإيقاع لا يرقى إلى أناقة أسبوع ميلانو بعد. نعم الإيقاع تزايد وزاد صخبا لكنه صخب نابع من إيقاعات البانكس و«الروك» بأنواعه، وهذه تخاطب شريحة معينة من النساء وليس كل النساء. كل من داري «بالمان» و«بالنسياجا» عانقتا الثقافة الشعبية وانهالا عليها بريقا وتقطيعا لتكون النتيجة ما يشبه التجديد لأساليب قديمة قد لا يكون الجيل الذي تخاطبانه بها قد عاشها بحكم سنه. لكن قبل عرضهما، استهل اليوم بعرض الأميركي زاك بوسن، 29 سنة، الذي يعتبر من الوجوه المألوفة في أسبوع نيويورك بخطه الذي يمزج الطابع «السبور» بالخفة والانطلاق، لكنه يشارك لأول مرة في أسبوع عاصمة الأناقة، من خلال خط جديد يعبر من خلاله عن فنيته وميله إلى التفصيل والخطوط الهندسية وغيرها من الأساليب التي ترتبط بهذه العاصمة ولم تستعد لها نيويورك بعد.

حضور المصمم الياباني يوجي ياماموتو في العرض، أكد ما كان يدور في أوساط الموضة بأنه هو الذي شجعه على هذه الخطوة عندما تقابلا مؤخرا في طوكيو. إلا أن السبب الآخر فهو كما صرح زاك بوسن مرارا وفي كل مقابلاته منذ إعلانه المشاركة في باريس، إعجابه بها معترفا أنها هي التي جعلته يحب التصميم ويقرر دخوله. اختياره العرض في الـويستين»، أو «الأنتركونتينتال» كما كان اسمه سابقا، قد يكون صدفة كما قد يكون مهما، لأنه المكان الذي كان يعرض فيه الراحل إيف سان لوران دائما. لم يكن مستغربا أن يقدم مجموعة من 29 قطعة مشبعة بروح فرنسية عصرية تجلت في بنطلونات ضيقة جدا وشفافة، وأخرى من الشيفون أيضا الشفاف. بمعنى آخر كانت تكشف الكثير من أجزاء الجسم. الألوان تباينت بين الأحمر والبرتقالي مع الأسود، لكن لم يضاه حبه لكشف الجسد والأقمشة الشفافة سوى إسهابه في استعمال الريش بأنواعه، مرة في تنورة ومرة عند الصدر ومرة عند الخصر بإغراء شديد. ويبقى أكثر ما أبدع فيه مجموعة فساتين تداخلت فيها الألوان وكأنها عاصفة ضبابية، تدرجت من الأسود إلى الأخضر والرمادي، تليق بمناسبات السجاد الأحمر. في آخر النهار، وبعد مراجعة كل العروض، بدت تشكيلته في غاية الكلاسيكية والواقعية خصوصا إذا قورنت بعرضي «بالنسياجا» و«بالمان».

مصمم دار «بالمان» لم يش بما هو آت، فقبل بداية العرض، تعالت في القاعة نغمات كلاسيكية منبعثة من سيمفونية كلاسيكية معروفة على البيانو، مما أعطى الإحساس بأن الدار ربما قد تغير الاتجاه نحو المدرسة الكلاسيكية، لكن هيهات، سرعان ما تغيرت النغمة إلى موسيقى البوب ثم الروك و«الهارد روك». دفة التغيير كانت موجودة لكن تمثلت في دخول مصمم الدار كريستوف ديكارنين مدرسة «البانكس»، التي أطلقتها المخضرمة فيفيان ويستوود في السبعينات من القرن الماضي، وكادت أن تبقى مجرد ذكرى لولا أنه أعطاها قبلة حياة جديدة من خلال قطع ممزقة رشت عليها صبغات تبدو وكأنها دماء، إلى جانب كورسيهات من الجلد مغطاة ومشدودة بالدبابيس. كمية الدبابيس المستعملة والمتكررة تدفع الواحد منا إلى التساؤل عما إذا كانت هناك ضرورة إلى الخياطة ودفع مبالغ باهظة على أزياء يمكن لأي واحدة أن تشبكها بدبابيس. فقد ظهرت في عدة قطع بدءا من جاكيتات من كل أنواع الجلد، إلى تنورات قصيرة جدا و«تي - شيرتات» وجوارب وغيرها. المشكلة التي قد لا يستوعبها الجميع، خصوصا الأمهات من الجيل الماضي، هي كيف لأزياء مقطعة وبألوان باهتة وكأنها غسلت واستعملت مئات المرات، أن تباع بمئات الدولارات إن لم نقل الآلاف. والجواب ببساطة هو اللغة التي يتكلمها مصممها الشاب. فديكارنين له الفضل في إعادة الروح للدار التي تأسست في عام 1945 وشهدت ركودا في فترة من الفترات، لأنه اكتشف سريعا وصفة ناجعة ومؤثرة، وهي أنه كلما زاد جرعة شبابية ترقص على إيقاعات صاخبة من الروك أند رول، زادت الهيستريا والإقبال على تصميماته وزاد عدد معجباته، بدليل بنطلونات الجينز الأنبوبية والمطرزة التي طرحها بآلاف الدولارات ونفدت من الأسواق. هذه المرة أيضا لم ينس ماركته المسجلة وهي بنطلونات الجينز الضيقة والباهتة، التي طوى بعضها من أسفل ليظهر جزء من الكاحل بشكل أنثوي. المآخذ على هذه التشكيلة أنها موجهة لشريحة معينة من الزبونات، ثريات ورشيقات للغاية، أما بالنسبة للعامة فإن فكرة الرجوع إلى موضة «البانكس» قد تبقى غير مغرية حتى وإن كانت بترجمة دار «بالمان» نفسها.

نيكولا غيسكيير، مصمم دار «بالنسياجا» قدم بدوره تشكيلة مثيرة في فندق «دي غريون»، عاد فيها إلى فكرة تداعب خيال العديد من المصممين، ألا وهي التلاعب على مفهوم الذكورة والأنوثة، التي ترجمها بشكل صريح إلى حد كبير. يبدو واضحا فيها أيضا أنه استقاها من ثقافة الشارع ومن الموسيقى بكل أنواعها، فيما لم تغب عنها لمسات واضحة من أسلوب البانكس، طبعت فساتين على شكل «تي - شيرتات» وأقمشة تمزج الطبيعي بالصناعي مما يعطيها مظهرا بلاستيكيا، إضافة إلى قطع أخرى تخدع العين وتلعب على التناقضات، مثل قميص من دون ظهر وآخر يبدو مكرمشا ومعاطف قصيرة بقبات ضخمة وهكذا. المصمم كما شرح أراد أن يلعب على مفهوم الذكورة أو الرجولة، أو بالأحرى «كنت أريد أن أظهر الجانب الذكوري في المرأة»، مستطردا: «الجانب الصبياني». ومن هذه الفكرة، ولدت مجموعة من البنطلونات المنخفضة الخصر نسقها مع أحذية رجالية بألوان الأحمر والأسود والأزرق وجاكيتات من جلد التماسيح والأفاعي بدون أكمام، نسقها مع تنورات أو «شورتات» قصيرة أحيانا وصنادل من المطاط بحواشي تغطي الكاحل.

تبدو التشكيلة في ظاهرها مستقبلية، لكن بين ثنياتها أكد المصمم كعادته أنه محترف، ويعرف أدواته جيدا وحتى عندما مزج البانكس مع الروك والأسلوب القوطي، جاءت الخلطة نابضة بعصرية يعرف كيف يستغلها لصالحه وكيف يخاطب بها معجباته، وإن كانت لن تسبب كلها في تسارع دقات قلوبهن.

الهندي مانيش أرورا قدم كعادته تشكيلة صاخبة بالألوان لم يضاهي صخبها سوى موسيقى الروك التي تأثر بها بشكل واضح أكثر من قبل، مما يثير الشك بأن ما لا يقل عن أربعة مصممين، منهم باربرا بوي، اتفقوا على جعل هذا النوع من الموسيقى جزءا مهما من عروضهم. مانيش المعروف بألوانه الفاقعة والصاخبة حاول إقناعنا بأنها هذه المرة مختلفة، من ناحية أنها أكثر هدوءا، شارحا أنه استوحاها من رحلة قام بها إلى مدينة بيترسبورغ، وأثار انتباهه فيها ذلك المزج الرائع في مبانيها بين الذهب وألوان الباستيل. لهذا غني عن القول إن التأثير الباروكي كان واضحا فيها، وخصوصا الذهب، سواء في تفاصيل وإكسسوارات حول الكاحل أو على الأكتاف أو حول العنق بل وحتى في أجزاء من الظهر. بساطة التشكيلة تكمن في التصميمات المفصلة التي تتميز بكورسيهات من الداخل، اعترف المصمم أنه لم يسبق له أن قام بها من قبل، والنتيجة كانت قطعا منحوتة ومحددة على الجسم، أضفت على المرأة الكثير من الأنوثة.

المصممة باربرا بوي، ملكة الجلود، سبقت كل من كريستوف ديكارنين ونيكولا غيسكيير في استعمال هذه الخامة، لكن تصورها للمرأة في ربيع وصيف 2011، كان مختلفا، إذ إنها ستكون، بالنسبة لها، إما مغامرة تستكشف الأدغال والصحاري، أو صحافية تغطي أحداثا في مناطق ساخنة، أو فقط مسافرة تحلم بإجازة. استقت كل الألوان من الصحراء، مما يفسر درجات الرمل والبيج والبني والبرتقالي المحروق إلى جانب الأخضر الكاكي. أما التصميمات فاستلهمتها من رحلات السافاري، وغلبت عليها السراويل الواسعة والمنسدلة والتنورات الطويلة ذات الخصر المنخفض. ولأن الحديث عن باربرا بوي لا يكتمل من دون الحديث عن إكسسواراتها اللذيذة، فقد اقترحت مجموعة من الصنادل العالية لكن تبدو بكعوب صلبة وقوية لأنها لم تعق مشية العارضات بل منحتهن ديناميكية ونوع من الخفة.

في مقابل كل هذا، كانت النغمة في عن دار «نينا ريتشي» مختلفة تماما. فقد عبأها المصمم بيتر كوبينغ بالحسي المثير والأنثوي الرومانسي. مزيج صعب جدا لأن الخيط رفيع بين الاثنين، لكنه نجح في تحقيق الموازنة فيما يمكن وصفه بأحلى تشكيلة قدمت في هذا اليوم. حلاوة تترك طعما لذيذا في النفس لأنها بنسبة مدروسة وغير مبالغ فيها أبدا. بيتر كوبيغ قد لا يكون من الأسماء الشهيرة، لكن سيرته الذاتية تؤكد أن خبرته طويلة ولا يستهان بها، حيث عمل مع كريستيان لاكروا، لوي فيتون وغيرها من البيوت المعروفة. ورغم أن هذه تشكيلته الثالثة فقط لدار «نينا ريتشي» فإنه أكد فيها أنه فهم إرثها وبصماتها الوراثية كما أدرك حاجتها لتواكب العصر، وبالتالي حافظ على إرثها واحترمه من دون أن يتقيد به، بل العكس استعمله كأساس لينطلق به إلى الألفية ويخاطب شريحة شابة، مرة من خلال معطف من البروكار، ومرات من خلال فساتين زينتها ورود بأشكال مختلفة، ومرات أخرى من خلال جاكيتات تغطي فساتين من الشيفون أو الحرير وألوان باستيلية غلبت عليها درجات الوردي البيج. الورود، بأشكالها وألوانها، كان لها دور كبير في إضفاء هذه الحلاوة المتزنة على التشكيلة، وهي كما شرح بيتر كوبينغ بعد العرض مستلهمة من رسومات الفنان كريستيان بيرار، الذي سبق له العمل مع الدار كانت الدار في الأربعينات من القرن الماضي.

لم يخفِ بيتر أو يخَف من الاعتراف بأن الفكرة التي انطلق منها هي الحلاوة، لأنه لم ير في ذلك أي تناقض مع ما نراه على منصات عروض الأزياء حاليا من إيحاءات «روك أند رولية» أحيانا، أو فنية ترفع شعار القليل كثير، بل العكس، رأى أنها قد تعطيه التميز أو على الأقل تمنح المرأة جرعة من الجمال هي بأمس الحاجة عليها للترويح على نفسها والإحساس بجاذبيتها في ظل التشاؤم الذي عانت منه في المواسم الماضية. كل ما في هذه التشكيلة أعادنا إلى الزمن الجميل، ولأنها كانت آخر عرض في ذلك اليوم، فإن كل الحاضرات لا شك نمن قريرات العين بأن ربيع وصيف 2011 سيكون عذبا.