بعد 25 عاما من رحلته.. سلطان بن سلمان: ما زلت أشتاق إلى الفضاء

المؤتمر السعودي الدولي لتقنية الفضاء والطيران يعيد طاقم الرحلة إلى الأذهان

الأمير سلطان بن سلمان يسلم الأسطرلاب الذي اصطحبه معه إلى الفضاء لرئيس جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية البروفسور تشون فونغ شي(«الشرق الأوسط»)
TT

لا يزال الأمير سلطان بن سلمان، وهو أول رائد فضاء عربي، يشتاق إلى الفضاء، بعد مرور 25 عاما على رحلته على متن المكوك «ديسكفري»، مع مجموعة من رواد الفضاء العالميين.

وقال الأمير سلطان بن سلمان، خلال افتتاحه فعاليات المؤتمر السعودي الدولي للفضاء والطيران التي انطلقت صباح أمس في العاصمة السعودية الرياض، بمشاركة وكالة الفضاء الدولية «ناسا»: «إنني بعد 25 سنة من أول رحلة عربية سعودية للفضاء ما زلت أشتاق إلى الرحلات الفضائية، على الرغم من صعوبتها».

وأشار الأمير سلطان إلى أن القضية الأكبر التي تعكف عليها السعودية هي وجود صناعة فضاء سعودية بالكامل، وليست قائمة على صناعة أجنبية وعمل مناقصات وعقود.

وقال الأمير سلطان بن سلمان إن العمل جار على تطوير صناعة الفضاء بكل هدوء، حيث لم تستعجل السعودية في صناعة الفضاء، بل أقامتها بشكل متسلسل. وأضاف أنه في القريب العاجل ستكون هناك اتفاقيات تعاون مع وكالات فضاء عالمية، مثلما يجري في الوقت الحالي مع «ناسا».

وتشارك وكالة الفضاء الدولية «ناسا» في مؤتمر يعنى بشؤون الفضاء، ويعقد في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، وسط حضور كبير لأبرز العلماء الدوليين ورواد الفضاء والمختصين في مجالات علوم وتقنية الفضاء.

وأضاف الأمير سلطان بن سلمان، في تصريحات خص بها «الشرق الأوسط»، أن «صناعة الفضاء لم تصبح بالشكل الذي كان قبل 25 سنة حينما قمت بأول رحلة فضائية عربية سعودية». وأشار إلى أن الصناعة لم تصبح حكرا على المجال العلمي البحثي، بل تدخلت فيها عوامل اقتصادية وتقنيات. وبحسب ما قال الأمير سلطان فإن السعودية تولي اهتماما كبيرا بصناعة الفضاء في الوقت الحالي، وإن تطوير الفضاء يرتبط بعملية النهضة الشاملة التي تعيشها السعودية في الوقت الحالي.

وأكد الأمير سلطان أن مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية قدمت التسهيلات وفق تعاون دولي تقوم المدينة به مع نظيراتها الأجنبية، ويجعل العمل يسير وفق وتيرة أسرع. ووجه الأمير سلطان بن سلمان رسالة إلى نظرائه الشباب، حيث قدم لهم رسالة بأن يعززوا القيم، وأن يهتموا برفعة الوطن كما عمل في السابق. ووجه أيضا لهم رسالة أخرى حثهم فيها على التعلم المستمر، والصبر على ظهور النتائج، واستشهد بأعمال قام بها هو منذ 15 سنة ولم تظهر نتائجها إلا في فترة قريبة.

ودشن الأمير سلطان، مساء أمس، ضمن فعاليات المؤتمر السعودي الدولي للفضاء والطيران، كتابا يحوي تجاربه، خلال رحلته الفضائية التي قام بها قبل 25 سنة. وقال الأمير سلطان في هذا الشأن إنه أسهم في وضع الأطر العامة للكتاب، ومراجعه، فيما أسهم مجموعة من الأشخاص في كتابته.

وفي تصريحات خاصة بـ«الشرق الأوسط»، أبان رئيس مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بالرياض، الدكتور محمد السويل، أن العمل جار على إرسال مجموعة من الباحثين، قدر أعدادهم بنحو 20 باحثا، وذلك للانضمام إلى خبرات عالمية، سواء أكان ذلك مع وكالة «ناسا» الفضائية مباشرة، أو مع شركاء «ناسا».

وأضاف السويل أن أرقام الباحثين قد تزيد أو تنقص بحسب المشاريع المبرمة مع وكالة «ناسا»، وأوضح أن السعودية أطلقت في وقت سابق 12 قمرا تم الإعلان عنها سابقا، من قاعدة «كايزنو» في دولة كازاخستان، وتطرق إلى إمكانية إطلاق أقمار أخرى لكن ستكون من قاعدة كايزنو نفسها في كازاخستان، حيث أبان أن سبب التوجه إلى تلك القاعدة هو السعر الجيد، والجودة العالية أيضا، ووجود جدول زمني معروف للإطلاق، كما أن عامل القرب من المكان أسهم أيضا في اختيار تلك القاعدة، وأن العقد الموقع معها لا يزال مستمرا.

وتطرق السويل إلى عدم وجود مهنة رائد فضاء لكي يتدرب عليها الباحثون التابعون في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، واستشهد بالأمير سلطان بن سلمان، الذي كان يمتهن مهنة الطيار. ووقعت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بالرياض على هامش المؤتمر عددا من اتفاقيات التعاون مع وكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا).

من جهته.. قدم الجنرال تشارلز بولدن، رئيس وكالة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا)، عرضا لاستراتيجية وتطوير الاتجاهات التقنية للفضاء والطيران في وكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا)، حيث تحدث عن التطورات التي مرت بها «ناسا» منذ عام 1998، وسياستها منذ أن تولى الرئيس الأميركي باراك أوباما الرئاسة، واهتمامه الشخصي بتعزيز المشاركة العلمية للوكالة مع كل المؤسسات العلمية في دول العالم.

وأوضح الجنرال تشارلز بولدن أن وكالة «ناسا» تعتمد على شركاء غير تقليديين في مجال العلوم الفضائية، وتسعى لتوسيع مجالات البحث لمعرفة المناخ المحيط بالكرة الأرضية والمنظومة الشمسية، وهي تشجع الجهات العلمية على المضي قدما في مجالات أبحاث الفضاء.

وذكر بولدن أن هناك نحو أربعين ألف اتفاقية تم توقيعها مع 140 دولة، أسفرت عن فوائد جمة لجميع الأطراف، حيث تم إنجاز خمسين في المائة من هذه الاتفاقيات، مشيرا إلى أن هناك 36 عالم فضاء من 15 دولة شاركوا في رحلات مكوكية إلى الفضاء، معربا عن أمله في زيادة فرص التعاون الدولي. وتطرق إلى المجالات العلمية البحثية الحديثة التي تعمل عليها «ناسا» وتهتم بها.

وأكد رئيس وكالة الفضاء والطيران الأميركية أن «ناسا» تمكنت من رصد وتصوير التغيرات المناخية التي حدثت في العالم خلال الآونة الأخيرة، وقد تعرضت 35 دولة في العالم لهذه الظروف المناخية بما فيها دول الخليج العربي ومنطقة الشرق الأوسط التي تأثرت بهذه الظروف، حيث رصدت «ناسا» على سبيل المثال العاصفة الترابية التي تعرضت لها المملكة.

وتحدث الأمير سلطان بن سلمان، رائد الفضاء، عن الرحلة الفضائية التاريخية «STS 51 – G» التي قام بها عام 1985 ضمن طاقم الرحلة على مكوك الفضاء ديسكفري، وذكرياته وأبرز مشاهداته وانطباعاته خلال تلك الرحلة التي تعد الأولى لرائد فضاء عربي مسلم، بمشاركة رواد الفضاء في تلك الرحلة التاريخية، مشيرا إلى تعقيد المهمة في تلك الرحلة وقصر فترة الإعداد لها مقارنة بالتحضير لأي مهمة فضائية أخرى، فضلا عن العدد الكبير من العلماء والباحثين الذين شاركوا في الإعداد لهذه الرحلة ورواد الفضاء.

وأوضح أنه عند عودة الفريق إلى الأرض وقدومه إلى السعودية تلقى ترحيبا بالغا من المسؤولين والمواطنين بالمهمة التاريخية التي تم إنجازها، والسبق العلمي الذي حققته المملكة بين دول المنطقة، مشيرا إلى أن هذه البلاد تزخر بكفاءات علمية قادرة على خوض غمار كل المهمات العلمية والمشاركة في تحقيق المنجزات.

وأكد الأمير سلطان بن سلمان أن السعودية وصلت إلى مجالات متقدمة في مجال علوم الفضاء، مشيرا إلى أن المشاركة في رحلات الفضاء لها رونقها وطابعها الخاص، كما أن هناك وثائق وشهادات على درجة كبيرة من الأهمية ترصد أهم الملاحظات خلال هذه الرحلة التاريخية وسوف تصدر قريبا في كتاب.

من جهته، تناول الأمير الدكتور تركي بن سعود، نائب رئيس مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية لمعاهد البحوث، استراتيجيات وإنجازات برنامج علوم الفضاء السعودي، حيث أشار إلى أن الرحلة الفضائية للأمير سلطان بن سلمان كانت بمثابة الإلهام والدافع لتحقيق منجزات علمية في مجال علوم الفضاء، مفيدا بأن المملكة العربية السعودية هي أول دولة تتبنى سياسة واستراتيجية في مجال علوم الفضاء ضمن عدد من المجالات الاستراتيجية التي تهم المملكة، ضمن الخطة الوطنية الشاملة للعلوم والتقنية التي دعمتها الدولة.

وأوضح أن لهذه الاستراتيجية التي بدأ العمل بها قبل ثلاث سنوات غايات تهدف إلى نقل المملكة إلى مراكز علمية قيادية متقدمة في كل المجالات العلمية، بما في ذلك مجال الفضاء والطيران، وذلك عبر خطط مرحلية خمسية.

وتحدث الأمير تركي بن سعود عن الأقمار الاصطناعية السعودية التي يبلغ عددها اثني عشر قمرا اصطناعيا، بداية بالقمرين الاصطناعيين اللذين تم إطلاقهما عام 2000، وتم تشغيلهما حتى شهر سبتمبر (أيلول) 2003، ليلي ذلك إطلاق القمر السعودي «سعودي سات» الذي لا يزال يعمل، وتستفيد جهات عالمية منه في مجال الاتصالات، وتم في عام 2004 و2005 إطلاق قمرين آخرين تم تشغيلهما بنجاح، تبعتهما ستة أقمار اصطناعية أطلقت عام 2006، ثم القمر الاصطناعي الذي تم إطلاقه عام 2007 ويعمل على مدار الساعة، حيث يلتقط صورا فضائية دقيقة، ويركز هذا القمر على أبحاث الفضاء الخارجي، ويمكن أن تستفيد جهات كثيرة في القطاعين الخاص والحكومي من معطياته.

وأعقب الجلسة الافتتاحية توقيع اتفاقيتين بين مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية ووكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا)، تقضي بتعاون الجهتين في مجال «جيوديسيا الفضاء والآيرونت»، كما تم التوقيع على مذكرة نوايا بين الجهتين في مجال الفضاء والطيران.

وانطلقت الجلسة الثانية للمؤتمر برئاسة الأمير سلطان بن سلمان، وتحدث خلالها عدد من أبرز رواد الفضاء عن بعثات استكشاف الفضاء، حيث استعرضت الورقة الأولى التي قدمها السيد راسيل شويكارت رائد الفضاء في «أبوللو 9» الإنجازات والتحديات التي حققتها بعثات الفضاء والدور المنتظر منها في حماية الأرض واستكشاف الفضاء المحيط، تلتها جلسة نقاش لمدير مركز «جونسون» للفضاء في «ناسا» السيد جورج آبي وعدد من رواد الرحلة الفضائية «STS 51 – G»، قدموا خلالها عرضا للخبرات والتجارب وأبرز الأحداث العلمية والتقنية.

واختتمت جلسات اليوم الأول للمؤتمر بالجلسة الثالثة التي ترأسها الأمير الدكتور تركي بن سعود بن محمد آل سعود، نائب رئيس مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية لمعاهد البحوث، وطُرحت خلالها ثلاث أوراق عمل، قدم الأولى منها البروفسور جون هول، حائز جائزة نوبل، بعنوان «طور وسرعة الضوء وتأثيرات الاتجاهات المختلفة»، في حين قدمت الورقة الثانية عرضا لنتائج بعثة «غرافيتي بروب» - المهمة ب، وقدمها البروفسور في جامعة ستانفورد تشارلز فرانسيس إيفيريت، أما الورقة الثالثة والأخيرة التي قدمها البروفسور روبرت باير من جامعة ستانفورد فقد تناولت موضوع تطوير اتجاهات الليزر والبصريات غير الخطية لعلوم الفضاء.

وتعقد اليوم الأحد ثلاث جلسات تسلط الضوء على برامج وتوجهات البحوث وبعثات استكشاف الأرض والقمر، كما تقام في المساء محاضرة وحوار مفتوح يجمع الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود وعددا من رواد الفضاء المشاركين في الرحلة مع عدد من الطلبة المميزين يمثلون أربعا وأربعين منطقة تعليمية مختلفة تغطي جميع أنحاء المملكة.