أخيرا.. دار «أونغارو» تعطي الخبز لخبازه جايلز ديكون يفتح صفحة موردة.. وفيفيان ويستوود تنظر إلى الماضي البعيد

جايلز ديكون يفتح صفحة موردة.. وفيفيان ويستوود تنظر إلى الماضي البعيد

برزت في عرض أونغارو الفساتين الناعمة وألوان الباستيل والأحذية ذات الكعوب العالية المنقطة أو المطبوعة بالورود
TT

في شهر مايو (أيار) الماضي، تسلم المصمم البريطاني جايلز ديكون، مقاليد الدار الفرنسية العريقة «إيمانويل أونغارو»، ونظرا إلى تعثرها وسوء الحظ الذي لازمها منذ تقاعد مؤسسها عام 2004، فإن الآمال كلها كانت معقودة عليه ليكتب لها بداية جديدة. وصباح يوم الاثنين كانت تشكيلته بمثابة قبلة الحياة التي يمكن أن تعيد لها أمجادها الماضية. لم يتقيد ببصمات الدار الوراثية بحذافيرها، بل فهم روحها وترجمها بلغة عصرية وناضجة في الوقت ذاته، في إشارة واضحة إلى أن مالك الدار، الباكستاني أسيم عبد الله، قد أعطاه مطلق الحرية الفنية ولم يقيده بشروط، وهو الأمر الذي يحسب له. فهو، أي أسيم عبد الله، يعترف في المناسبات كلها أنه لا يفهم في الموضة ويفضل أن يعطي الخبز لخبازه حتى تأتي النتيجة في المستوى. هذه المرة لم يخيب البريطاني نظرته فيه، فهو قد لا يعيد لـ«أونغارو» بريقها فحسب، بل قد يعيد لأسيم عبد الله ما خسره منذ أن دخل مجال الموضة بكل مطباته وشطحاته.

كانت سماء باريس رمادية في ذلك اليوم، تنذر بهطول الأمطار، ومع ذلك نجح جايلز ديكون أن ينقلنا إلى الصيف، ويدخلنا حديقة غناء من الجمال والورود التي كانت الخلفية لتشكيلة ناعمة بألوان الباستيل والدانتيل والتويد اللامع وورود الأقحوان التي زرع أغلبها على كعوب الأحذية والإكسسوارات. لم يكن عرضا كلاسيكيا على منصة مسرح تشهد دخول عارضة وخروج أخرى، بل كان أقرب إلى حفل «كوكتيل» في الهواء الطلق، كانت العارضات فيه ضيفات يشربن ويأكلن ويتحدثن مع الحضور، تماما لو كان الجميع يعرف بعضه بعضا.

المصمم قال إنه أراد أن يتيح للحضور فرصة معاينة الحرفية التي نفذت بها هذه الأزياء عن قرب، وفي الوقت ذاته أن تكون الأجواء مرحة ومن دون قيود. قال أيضا إنه أراد إعادة ترجمة النعومة والحيوية والإثارة التي كان يتمتع بها المؤسس أونغارو، وهو ما تجلى في الفساتين القصيرة والناعمة وألوان الباستيل مثل القرنفلي والفيروز والسماوي، والجوارب المخرَّمة والأحذية ذات الكعوب العالية المنقطة أو المطبوعة بالورود. الكلاسيكية لم تشمل المكان وطريقة العرض فحسب بل أيضا اختياره للعارضات اللواتي تنوعت جنسياتهن وأعمارهن بشكل لافت، كما أن بعضهن لم يسبق لهن العمل كعارضات من قبل، مثل أنا ديلو روسو، مديرة قسم الموضة بمجلة «فوغ» النسخة اليابانية، والتي قبلت طلبه المشاركة في العرض بحكم صداقتها به. ظهرت في فستان محدد على الجسم من الدانتيل ومطرز بالترتر الخفيف، وكان أنيقا جدا، لكنه كان أيضا قصيرا جدا، أراد المصمم من خلاله أن يؤكد أن الرشاقة لا تعترف بسن، لولا أنه كشف، للأسف، عن ركبتيها المترهلتين بشكل كبير.

لكن ما عدا ذلك فإن جرأته في مخاطبة كل الأعمار كانت محمودة ومتوازنة تشي بالنضج، حتى إن كانت الفكرة منها محاولة منه لكي يمحو تاريخ وذكرى تشكيلة النجمة ليندسي لوهان، التي كانت موجهة لفتيات صغيرات يقضين معظم حياتهن في الملاهي الليلية. الأمر الثاني الذي يشير إلى أنه يريد أن يترك بصمته واضحة على الدار منذ البداية، غياب النقوشات الكثيرة، خصوصا المنقطة والورود الكبيرة، والألوان المتضاربة، التي كانت ماركة الدار المسجلة منذ تأسيسها، ليحل محلها دانتيل أسود وألوان باستيل، ونقوشات هادئة جدا.

تجدر الإشارة إلى أن جايلز ديكون هو سادس مصمم يتسلم مقاليد الدار منذ تقاعد مصممها إيمانويل أونغارو عام 2004.

بعد تقاعده، باع هذا الأخير شركته لرجل الأعمال أسيم عبد الله، بمبلغ يقدر بـ84 مليون دولار. ولأن هذا الأخير كون ثروته في مجال الإلكترونيات والكومبيوتر الذي يفهمه جيدا، ولم يكن يعرف أي شيء عن الموضة وكيفية التعامل معها، عين منير مفرج رئيسا تنفيذيا لها حتى يقوم هو بهذه المهمة عنه. لكن هذا الأخير، كما تشير التجارب، لم تربطه لغة تفاهم مع معظم المصممين، بدءا من جيامباتيستا فالي، الذي فضل الاستقلال وتأسيس دار خاصة به، إلى فينسون دار، الذي قدم موسمين فقط، وبيتر دانداس، الذي عمل أيضا لمدة موسمين، وهو اليوم المصمم الفني لدار إيمليو بوتشي. وحتى عندما استعان بالشاب استيفان كورتزار الذي كان في بداية العشرينات وغير معروف عالميا، فإنه سرعان ما بدأ يتدخل في عمله، كما يقال، ولم يستمر إلا 3 مواسم. الضربة القاضية كانت اختياره النجمة المثيرة للجدل ليندسي لوهان كمستشارة فنية للدار إلى جانب المصممة الإسبانية إيستيل آرشز. تشكيلتها أثارت الكثير من اللغط والانتقادات السلبية، ما أدى إلى الاستغناء عنها بعد موسم واحد مع بقاء المصممة آرشز موسما آخر. لكن اختيار لوهان كان الشعرة التي قصمت ظهر البعير، وأدت إلى استقالة مفرج في ديسمبر (كانون الأول) 2009. لهذا ليس غريبا بعد كل هذا التاريخ والأحداث أن تكون كل العيون مصوبة نحو ما سيقوم به ديكون للدار، وفيما إذا كان بريطاني آخر هو الذي سينجح في إحياء دار فرنسية عريقة. قبل عرضه بأيام صرح في لقاء نشر في موقع «فوغ» بأنه لم يشعر بالغربة في الدار، بل على العكس تماما، شعر كما لو أنه يعرفها منذ زمن، واعدا بأنه سيعمل جهده لكي يعيد لها حيويتها وأناقتها اللتين لا تعترفان بزمن، كما يجعلها تخاطب المرأة الحقيقية وليست النجمات الشابات. بالنظر إلى ما قدمه يوم الاثنين فقد وفى بوعده، وأخيرا وجدت دار «أونغارو» خبازها.

إذا لم يقدم جايلز ديكون أي تصميمات للنهار واقتصرت أزياؤه على فساتين الكوكتيل والسهرة، فإن دار «أكريس» السويسرية، قدمت للمرأة العاملة كل ما تحتاجه، سوءا أكانت سكرتيرة أم سيدة أعمال، باستثناء الأحذية العالية جدا بشكلها المقوس المائل من الأمام، التي لن تتمكن فيها من التنقل من مكان إلى آخر بسرعة وسهولة.

جايلز ديكون لم يكن الوحيد الذي سجل بدايته في باريس مع دار مهمة هذا الأسبوع، ففي اليوم نفسه عرضت المصممة سارة بيرتون أول تشكيلة لها لدار «ألكسندر ماكوين» الذي انتحر بداية هذا العام، علما بأنها عملت مع المصمم الراحل لأكثر من 14 عاما وكانت «يده اليمنى».

وفي الوقت الذي قدمت فيه البريطانية هنا ماغيبون، تشكيلة «نظيفة» ورومانسية لدار «كلوي» غلبت عليها ألوان الكاراميل، والأبيض، والأسود، إلى جانب قطعة واحدة عبارة عن معطف باللون الأحمر، فإن «جيفنشي» غاصت في مفهومي السادية والماسوشية بدراميتها وسوادها وجلودها.

المصممة البريطانية فيفيان ويستوود، من جهتها، قدمت يوم الأحد خطها الباريسي «غولد» الذي جاء مختلفا تماما عما قدمته في لندن، ففي حين كان خطها اللندني «ريد» في غاية البساطة والأناقة، لم تركز فيه جرعتها السياسية والاجتماعية، كما عادتها، كان ما قدمته في باريس ثورة فكرية تستحضر حضارات ماضية فقدت أو نسيت. المصممة، حسبما صرحت، أرادت من خلالها تذكيرنا بأن حضارتنا يمكن أن تنتهي بالسهولة نفسها مثل غيرها، ما فسر لفها بعض العارضات بقطع قماش وكأنها أكفان حول الأكتاف أو على الوجه كقناع أخفى معالم عارضة. لكن خلف الأقنعة والإكسسوارات والدراما، كانت هناك الكثير من الفساتين المبتكرة بألوان غنية بعضها مستوحى من أزياء الفلاحات، وبعضها من الغواني أو المهرجات.

إلى جانب الحضارات المنسية، كان الإحساس بالسفر ملموسا من خلال فساتين من الحرير بتصميمات منفوشة ومكرمشة تغطي كل تفاصيل الجسم، فضلا عن جاكيتات بأسلوب عسكري زينتها خيوط من ذهب خفيفة، وفساتين بنقوشات مربعة و«شورتات» من المخمل. كما أعادت اكتشاف عنصر مهم في أسلوبها، ألا وهو ذلك المزج المدهش بين عدة أساليب وأقمشة في إطلالات مبتكرة، مثلا نسقت هناك سترت واسعة فوق تنورات منفوخة أو فساتين مستديرة، أحيانا موشاة بالحرير، وأحيانا أخرى جمعت أقمشة خفيفة ومتطايرة مع نقوشات اسكوتلندية مربعة، إلى جانب نقوشات الأدغال وكائناتها الحية التي ظهرت في «تايور» مكون من بنطلون يستحضر لندن في الستينات والسبعينات من القرن الماضي. بعبارة أخرى، كان هناك تنوع كبير، أعادته المصممة إلى رغبتها في أن تترك لزبونتها حرية اختيار ما يناسبها، سواء من حيث الحقبة أو التاريخ أو الأسلوب، فالمهم بالنسبة لها هو أن تشتري المرأة القليل، وأن تختار بشكل جيد حتى تدخل على نفسها السعادة وعلى حياتها التجديد.