وول ستريت.. من الجشع الجيد إلى الجشع المشروع

مخرج الفيلم أوليفر ستون: الشركات المالية تهيمن على 47% من أرباح الشركات في أميركا اليوم

مخرج الفيلم مع مايكل دوغلاس خلال التصوير
TT

أجرى رئيس تحرير «غلوبال فيوبوينت»، ناثان غاردلز، مقابلة مع أوليفر ستون في لوس أنجليس بالتوافق مع بدء عرض فيلمه الجديد «وول ستريت.. المال لا ينام أبدا». الجزء الأول من الفيلم أنتج عام 1987.

* ناثان غاردلز: يتم عرض الجزء الثاني من فيلم «وول ستريت» الذي عرض الجزء الأول منه عام 1987، على الرغم من انتهاج الفيلم للخط نفسه في الفيلم السابق. كان مايكل دوغلاس يرى أن «الجشع أمر جيد»، وأنا أحكم على ذلك من المشاهد الترويجية التي شاهدتها.. هل هذا يفسر وجهة نظرك بشأن كيفية تطور الرأسمالية خلال العقدين الأخيرين؟

- أوليفر ستون: حسنا، هذا صحيح.. ما أدى إلى الأزمة كان سيطرة البنوك على أموال الناس، المقامرة، في مضاربات معقدة لسندات مالية عالية الخطورة للحصول على مكاسب كبيرة للغاية، والتي تعني أرباحا مرتفعة. كان من الواضح أن هناك بعض التلاعب، ناهيك عن تقديم معلومات خاطئة من قبل وكالات التصنيف. لكنها كانت قانونية إلى حد كبير.

القضية الرئيسية، كما يشرحها بول فولكر، هي ما إذا كان ينبغي السماح لمصارف، مثل «غولدمان ساكس»، بالمضاربة لنفسها، حتى إن كان قانون الإصلاح يحددها بنسبة 3.5% في صناديق تحوطهم، وحتى إن كانت تلك المضاربات مدرجة في البورصات العامة، فلا تزال لديهم مساحة كبيرة في اللعب بذلك.

المشكلة الآن هي أن الخوف من العجز أدى بالمصرف الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض سعر الفائدة حتى تنخفض الفائدة على ودائع البنوك ويجبر أصحاب الودائع على المضاربة في السوق المتطايرة والخطرة. وقد أجبرنا جميعا على المشاركة في سياسة «الكازينو» هذه.

إذا كان «غولدمان ساكس» والآخرون مستثمري صناديق تحوط فقط، فدعهم يفعلوا ما يرغبون وليتحملوا المجازفة أو الخسارة. لكن يجب ألا يمنحوا ضمانات فيدرالية تضع أموال الآخرين في مهب الريح، ثم يلجأوا إلى الحكومة فيما بعد لإنقاذهم إذا واجهوا مأزقا.

نحن بحاجة إلى مصارف جيدة كتلك التي كانت في السابق، والتي كان يفترض بها أن تربح المال بترخيص عام، وتجني المال من الفارق بين الفائدة التي يحصل عليها المودعون والتي يدفعها المودعون. كانت تلك صفقة عادلة، كانت «وول ستريت» في السابق المكان لتداول الأسهم والسندات وبناء بنية تحتية.

كانت هناك بعض البنوك التي تصرفت بصورة جيدة خلال فترة الأزمة مثل «رويال بنك أوف كندا»، الذي كان المصرف الوحيد الذي سمح لنا بتصوير فيلمنا في مواقعه، ولم يكن لديه ما يخفيه.

لقد انحرف نظامنا المالي عندما دخل ساندي ويل، وبالمناسبة هو صاحب الشركة السابق، والتي كان والدي يعمل بها، وأنشأ مجموعة «سيتي غروب» التي عملت في كل أشكال المنتجات المالية، بدءا من المصرفية التقليدية إلى المضاربة بالأوراق المالية إلى دين بطاقات الائتمان وأقساط التأمين تحت مظلة واحدة. تحولت هذه الشركات المالية إلى كيانات عملاقة في الفترة بين عامي 1970 و2008. ومن واقع خبرتي، أنه كلما زاد حجم المؤسسة كانت أقرب إلى التداعي وتدمير نوعية العمل التي تعمل بها.

وكما دمرت «وول مارت» الكثير من الأعمال الصغيرة، فإن فكرة السوق المالية دمرت المصرفية الضخمة.

* ناثان غاردلز: متى قررت تصوير الجزء الثاني من فيلم «وول ستريت.. المال لا ينام»؟

- أوليفر ستون: قررنا تصوير الفيلم في أعقاب الأزمة المالية؛ فبعد أكثر من عشرين عاما من الفيلم الأول، كنا لا نزال نعاني نتيجة ما بدأ عام 1987 عبر مضاربات شركات الاستثمار لزيادة أرباحها بدلا من أرباح عملائها.

قمنا ببعض الأبحاث من أجل الفيلم، تضمنت لقاءات مع مصرفيين شباب عملوا في «وول ستريت» لعامين أو ثلاثة. وقد سمح لنا بالتصوير للمرة الأولى في مجلس إدارة الاحتياطي الفيدرالي. كما تحدثنا إلى أشخاص كانوا قد حضروا اللقاءات الرئيسية في منتصف سبتمبر (أيلول) 2008 عندما بدأت الأزمة وتقرر إنقاذ البنوك.

* ناثان غاردلز: هل تعلمت أي شيء جديد لم تتعلمه من قبل عن «وول ستريت»؟

- أوليفر ستون: الحوسبة الواسعة لعمليات المضاربة كانت أمرا جديدا كلية بالنسبة لي؛ ففي الماضي، كنت تثق بالأسهم وتضارب عليها، والآن هناك الحاسبات العملاقة المبرمجة على موازنة التحولات في القيمة خلال فترة الفاصل التي تستغرق خمس ثوان والتي يتم فيها الاتجار بآلاف الأسهم ويمكنك تحقيق ربح جيد إذا تمكنت من تحقيق ثلث سنت على 15 ألف مداولة يوميا.

وقد تمكنت من معرفة الكيفية التي تتمكن بها شركات مثل «غولدمان ساكس» من تحقيق أرباح عبر المضاربة ضد نفسها.

وأجرينا لقاء مع إليون سبيتزر، عمدة نيويورك السابق، في بداية عام 2009،، وطلب منا أن نبحث في تعاملات «غولدمان ساكس» و«إيه آي جي»، قبل ثمانية أشهر من الإعلان عنها، والتي كانت «إمبراطورية شر».

قام الرجل بتقريب الفكرة إلينا؛ حيث أوضح أن «غولدمان ساكس»، التي نطلق عليها في الفيلم شورتشل شوارتز، كانت تحصر استثماراتها في الرهون العقارية عالية الخطورة، لتبيعها وتشتريها في وقت متزامن. وأشار إلى أن هذه العملية صارت محل شبهة عندما استغلت شركة «إيه آي جي» أموال خطة الإنقاذ التي تحملها دافعو الضرائب وعوضت «غولدمان ساكس» 100%، ومنحتها 13 مليار دولار كشريك لها بدلا من خصمها.

* ناثان غاردلز: بعيدا عن فيلمك الأول «وول ستريت» هل تم تصوير فيلم آخر عن عالم المال؟

- أوليفر ستون: هناك الكثير من الأفلام التي تناولت عالم المال، مثل فيلم «روبرت وايز» بطولة باربرا ستانويك ووليام هولدن عام 1954.. تتناول القصة كيفية تحول التركيز في أميركا، في فترة الرخاء الشديد، من الإنتاج إلى التسويق، وبدلا من التركيز على محرك السيارة بدأنا نتحول إلى الاهتمام بزعنفة ذيل السيارة، فقد كانت تلك هي الفترة التي تولى فيها ماديسون إفنيو السيطرة على كل شيء.

* ناثان غاردلز: هل يعكس العنوان الفرعي الذي وضعته «المال لا ينام أبدا»، استمرار رسملة الاقتصاد الأميركي على مدى عقود؟

- أوليفر ستون: نعم؛ ففي الفيلم يوضح مايكل دوغلاس، الذي يجسد شخصية غوردون جيكو، حقيقة أن الشركات المالية تهيمن على 47% من أرباح الشركات في أميركا اليوم. في الثمانينات أعتقد أن النسبة لم تكن تتجاوز 15% فقط؛ لذا أعتقد أن الربا الفاحش تحول إلى أضخم صناعة أميركية، وبات الجشع قانونيا.

* ناثان غاردلز: ما حجم الصعوبات التي واجهتك في تصوير عالم المال الرتيب والمبهم والمعقد إلى عمل درامي؟

- أوليفر ستون: لا شك في أننا عمدنا إلى اللجوء إلى بعض المبالغة والتبسيط في الوقت ذاته. غالبية النشاط العبثي كان من الصعب تصويره؛ لذا اضطررنا إلى تصوير مشاهد غاية في البراعة حول «إيه آي جي»؛ لأنه كان من المعقد جدا تتبعها.

في الأفلام الوثائقية والكتب يمكنك الدخول مباشرة في صميم الموضوع، لكنك في الفيلم بحاجة إلى إضفاء نوع من الدراما. ومن خلال الشخصيات الرئيسية في الفيلم: جيكو، وال، وجاك مور خطيب ابنته النافرة منه، نحاول تصوير الوضع الحالي عن «وول ستريت».

كان الفيلم الأول أكثر بساطة؛ فالشاب العامل مع جيكو، شاب جشع، جاء من عائلة عاملة (تشارلي شين) والذي نال جزاءه في نهاية الفيلم. أما والده (يجسده مارتن شين) فكان زعيم نقابة عمالية نزيها. وفي هذا الفيلم لم تكن هناك نقابات عمالية؛ لأن النقابات، بصراحة شديدة، أصبحت خانعة وتقلصت وضمنت تحت بعض التكتلات. في هذا الفيلم يبدأ تابع جيكو كمصرفي مثالي ليس مضاربا. وهو يحاول جمع المال من أجل شركة طاقة بديلة يؤمن بها.

على الرغم من تغير الاقتصاد، فإن خيارات الحياة لم تتغير.. القضايا التي نعالجها في هذا الفيلم هي ذاتها التي عالجناها في الفيلم الآخر: هل المال جشع؟ وهل بالإمكان تحقيق ذلك؟ هل القيم الإنسانية أكثر أهمية من القيم المالية؟ هذه هي كل القضايا التي نواجهها في حياتنا.

* ناثان غاردلز: بالنسبة لك، هل هذه القضايا التي تناولتها في فيلمك «وول ستريت»، ترتبط بفيلمك «جنوب الحدود»، الذي مدحت فيه الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز؟ فهل شافيز هو نقيض جيكو؟

- أوليفر ستون: نعم؛ فبالأضداد تتضح المعاني.

* خدمة غلوبال فيوبوينت - خاص بـ«الشرق الأوسط»