عمل مسرحي يستمد مادته من أشعار «رصيف القيامة» مع فناني الشتات

الممثلة المغربية لطيفة أحرار تجسد عملا مسرحيا بمشاركة مصممين للرقص أحدهما مغربي والآخر إيراني

لطيفة أحرار على المسرح («الشرق الأوسط»)
TT

اختارت الفنانة المغربية لطيفة أحرار الانفتاح على الشعر، في عملها المونودرامي الجديد، باشتغالها على ديوان «رصيف القيامة» للشاعر المغربي ياسين عدنان. وبحسب أحرار، فالأمر لا يتعلق، هنا، بمصاحبة للشعر أو تأثيث لفضاء إلقاء الشعر، وإنما بعمل فني إبداعي خاص، يستلهم أجواء خاصة ابتكرها ياسين عدنان، من خلال الانطلاق من ديوانه لبناء لحظة فنية حرة، جريئة ومعاصرة.

ولم ينفتح «كفرناعوم.. أوتو - صراط»، وهو عنوان العمل المسرحي، على الشعر فقط، بل على الرقص المعاصر، أيضا، حيث تستفيد أحرار، في تعبيرها الجسدي، خلال هذا العمل، من الرقص المعاصر، عبر الاشتغال مع كل من الكوريغرافي (مصمم الرقص) المغربي، المقيم في فرنسا، خالد بنغريب، والكوريغرافي الإيراني، المقيم في كندا، ساشار زاريف، من أجل تعزيز القوة التعبيرية لجسدها، الذي تريد أن تمنحه، في هذا العمل، فرصة أن يتكلم لغة عالمية لا تحتاج إلى ترجمة، وخصوصا أن «كفرناعوم.. أوتو - صراط» ستنطلق، بعد عرضها الثاني، على خشبة مسرح محمد الخامس، بالرباط، في جولة فنية تقودها إلى بلجيكا وبولندا وإسبانيا، قبل أن يتم عرض العمل في دول عربية، من بينها الأردن والإمارات العربية المتحدة.

و«كفرناعوم.. أوتو - صراط» هو فضاء درامي مستقطع من تاريخ ضارب في الأعماق الحية للإنسان، حيث يلتقي الدين بالأسطورة، وتتشابك المصائر والقيامات ليصير الزلزال قدرا لا فكاك منه، على شكل سفر في جغرافيا أسطورية مقدسة، في مدينة ذات أهوال غفلت عن تخليدها الخرائط: سفر بلا هدف واضح، وبحث عبثي عن جوهر الكائن وسط حديقة المهملات وبين أفياء بستان فسيح يضم كل أنواع الرفات والمتلاشيات. وباختصار، فـ«كفرناعوم» هو مقبرة للأرواح الحية: أرواح ترفض الموت، ولا تتردد في استعراض قيامتها الدرامية على الخشبة، مباشرة أمام الجمهور.

وعن تحويل نصوص ومقاطع شعرية، من ديوانه «رصيف القيامة»، إلى عمل مسرحي، قال ياسين عدنان، وهو أحد أهم الشعراء المغاربة في العقد الأخير، لـ«الشرق الأوسط»، إنه «اختبار لجميع الأطراف التي تساهم في هذه العملية. اختبار للمسرحي ولمدى قدرته على النفاذ إلى الجوهر. وامتحان للقصيدة ولمدى إشعاعها خارج اللغة، لأن القصيدة، التي تختزل لعبة الشعر في اللغة واستعاراتها، قد تجد صعوبة في السفر خارج جسدها اللغوي، وأيضا، لأن الممارسة المسرحية، التي تستكين إلى النص الجاهز، تنفذه وترتب له مجلسه وثيرا على الخشبة، لا يمكنها المجازفة بالاشتباك مع الشعر.

وهنا مكمن التحدي، الذي يواجه الشاعر والمسرحي معا، لأن المسرحي المبدع الموهوب لا يمكنه أن يضع طاقته وقلقه وجنونه في خدمة النص الشعري، مهما بلغت درجة إعجابه به وتماهيه مع عوالمه. وهو، كفنان، لا يمكنه أن يشتغل فقط، من أجل النص، أي بهدف تقديم معادل بصري للقصيدة، بل المفروض أن هدفه الأساسي هو الاشتباك مع النص والدخول في معركة (حامية الوطيس) معه أثناء العرض دون أن يؤدي هذا الاشتباك بالضرورة إلى (جريمة قتل)، أي إلى التنكيل بالشعر أو إلى خنق الشاعر فوق الخشبة».

ومضى عدنان، قائلا: «في تجربة سابقة، اشتغلت المسرحية الإيطالية (لورا فيلياني) على قصيدتي (في الطريق إلى عام ألفين) (وهي قصيدة من ديوان «رصيف القيامة»)، مستلهمة منها عملا مونودراميا جميلا أدت بطولته الممثلة والراقصة الإيطالية سابينا سيزاروني. تابعت العرض حينما تم تقديمه في المغرب ووجدت فيه محاولة للمشي على هدي الشاعر في سفره. كانت القصيدة دليل سفر الممثلة وبوصلة المخرجة. لكن، اليوم، فيما تقوم به لطيفة أحرار في (كفرناعوم.. أوتو - صراط)، أجد الأمر مختلفا تماما. كلما زرت لطيفة خلال التدريب تأكد لي أن (رصيف القيامة) ليس أكثر من ذريعة، مجرد حافز على السفر الحر في الأزمنة والجغرافيات. وحتى المنطق الذي اختارت به لطيفة مقاطع دون غيرها من الديوان لا يزال غامضا لدي. إنه منطقها الخاص الذاتي جدا، بناء على قلقها الشخصي، وانطلاقا من تصور شمولي لها أعاد النص الأدبي إلى وضعه الطبيعي ليصير مجرد عنصر من عناصر أخرى تحتاج إليها المخرجة لإعداد خلطة العرض. مكون من بين مكونات أخرى، ليس دونها بالتأكيد، لكن، ليس من حقه أن يتعالى عليها أبدا. هي، إذن، تجربة أخرى مختلفة، وأنا أنتظر نتيجة بحث لطيفة أحرار المسرحي بقلق وتوجس يتخللهما بعض الغبطة».

تجدر الإشارة إلى أن العرض الأول لإبداع «مسرح الأصدقاء» الجديد كان قد تأجل بضعة أشهر، إذ بينما كان الكل ينتظر «كفرناعوم.. أوتو - صراط» على خشبة المسرح الوطني «محمد الخامس»، في شهر أبريل (نيسان) الماضي، تم إلغاء العرض، في آخر لحظة، بعدما علقت أحرار، بمطار لندن، بسبب الغيمة السوداء التي أقفلت سماء أوروبا، في ذلك الحين، قبل أن يقدم يوم الأربعاء الماضي على خشبة مسرح «دار الثقافة»، في مراكش، بشراكة مع المعهد الثقافي الإسباني، «سيرفانتيس»، وهو العرض الذي تزامن مع احتضان المسرح الملكي، في مراكش، حفل توقيع، تشرف عليه المديرية الجهوية للثقافة، للطبعة الثالثة لديوان «رصيف القيامة»، لياسين عدنان.