دار الأوبرا السلطانية في عمان.. تمزج بين الموسيقى الكلاسيكية والعمارة الإسلامية

يتم تدشينها العام المقبل

رسم تخيلي لدار الأوبرا السلطانية
TT

تستعد العاصمة العمانية مسقط لاحتضان أول دارٍ للأوبرا في منطقة الخليج يتم تشييدها وفقا لأحدث التقنيات العالمية التي توازي ما هو معتمد في أكبر دور الأوبرا حول العالم. إنها دار الأوبرا السلطانية، واحدة من أكبر المشاريع العمرانية التي تشهدها مسقط حاليا التي تصب في خدمة الإنسان والثقافة.

الأعمال الإنشائية في هذه الدار جارية على قدم وساق، ومن المقرر أن يتم تدشينها رسميا في حفل كبير يقام في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام المقبل. ويفضل القائمون على الدار عدم الكشف عن تفاصيل وملامح برنامج الافتتاح الآن، إلا أن مديرة دار الأوبرا السلطانية إيمان هنداوي تؤكد أنها ستكون على مستوى الحدث بمشاركة فنانين وفرق أوركسترا عالمية وعروض باليه لأشهر فرق الباليه العالمية وأوبرات كبيرة استحدثت خصيصا لدار الأوبرا السلطانية.

تم إنشاء دار الأوبرا السلطانية بتوجيه من السلطان قابوس المعروف بحبه للموسيقى الكلاسيكية. واعتمد في تصميمها نمط العمارة العربية والإسلامية حيث سيأخذ تصميمها الخارجي شكل القلاع العمانية. وستقام على مساحة 80 ألف متر مربع وتشغل الأشجار والمسطحات الخضراء نصف هذه المساحة مما سيوفر أماكن فسيحة للتنزه في أرجائها. «إنها محطة فاصلة في تاريخ الفنون والثقافة في سلطنة عمان والمنطقة»، تؤكد مديرة الدار إيمان هنداوي في حديث لـ«الشرق الأوسط»، وتضيف: «ستكون دار الأوبرا السلطانية متخصصة بالخلق والإبداع وتقديم كل ما يناسب المجتمع المحلي والمنطقة، وستعمل على استقطاب الأعمال الفنية ذات المحتوى الفني المتميز والراقي. ونحن بدورنا سنسعى إلى أن تتوزع نشاطاتها على مختلف الفنون الأدائية من الموسيقى والرقص والمسرح والأفلام والأزياء والمؤتمرات والندوات المتخصصة وورش العمل».

وفي الحديث عن التكلفة الإجمالية لهذا المشروع تفضل هنداوي التركيز على كونه صرحا ثقافيا يصب في خدمة المجتمع بكافة فئاته. وتقول: «نحن نتطلع إلى أهمية الاستثمار في الجانب البشري للمجتمع أي في قطاع الثقافة والفنون، وبالتالي فإن هذا الصرح يصب في صالح تعزيز الرأسمال البشري في مجتمعاتنا لأن القطاع الثقافي يغني الإنسان من داخله ويساعد على تطوره».

وتؤكد هنداوي أن دار الأوبرا السلطانية ستكون أول دار في المنطقة يتم بناؤها وفقا لأحدث التقنيات العالمية في مجال بناء المسارح الغنائية ونقاء الارتداد الصوتي. فالمسرح الرئيسي سيعمل وفقا لنظامين الأول هو نظام المسرح والثاني نظام الحفل الموسيقي. وتوضح: «وفق نظام المسرح نستطيع استقبال أكبر عمل أوبرالي كامل وكذلك عروض الباليه. أما النظام الثاني فيتميز بوجود ما يعرف بـ concert shell وهي الحلقة التي تحتوي الصوت وتتميز بتقنية عالية ووزنها يتجاوز مئات الأطنان. أما المكان المخصص لجلوس الأوركسترا فيمكن التحكم به حسب الحاجة لناحية رفعه أو تنزيله».

وتتسع الصالة الرئيسية لنحو 1100 شخص في حالة الحفل الموسيقي لينخفض هذا العدد إلى 850 شخصا في حالة العرض المسرحي. وسيمتلك المسرح برجا علويا بارتفاع 32 مترا لتسهيل التشكيلات المسرحية. بالإضافة إلى ذلك، سيتم استخدام مجموعة من أدوات التقنية الصوتية التي تساعد على امتصاص الارتدادات لتحقيق نقاوة عالية. ومن بين المكونات الجمالية التي تجذب الانتباه داخل القاعة، المقصورة السلطانية والشرفات التي تتكون من ثلاث طبقات على الجانبين.

وبالإضافة إلى ذلك هناك قاعات أخرى متعددة الاستعمالات، منها مسرح صغير يتسع لنحو مائة وعشرين شخصا وقاعات أخرى تصلح لإقامة معارض أو عروض للأزياء أو مؤتمرات وندوات. وتقول هنداوي: «كل هذا يعتمد على نوعية البرامج التي سنعتمدها لدار الأوبرا وكيف نستطيع أن نستغل المرافق المختلفة الموجودة إلى جانب المسرح الرئيسي».

ترفض هنداوي الفكرة القائلة بأن دور الأوبرا عموما تتوجه إلى شريحة محددة من الجمهور. وتقول: «اسم دار الأوبرا لا يحد من فاعليتها فالمبنى متعدد الأغراض ويقف علينا حسن الاستفادة منه». وعلى الرغم من عدم استكمال الأعمال الإنشائية في المبنى تتوجه هنداوي وفريق عملها يوميا إلى مكاتبهم المؤقتة الموجودة داخل موقع البناء، وليس غريبا أن يقاطعك صوت الحفريات أو الشاحنات وهي تعبر من مكان إلى آخر. في هذه الأثناء وتحضيرا للانطلاقة الرسمية لدار الأوبرا العام المقبل، قامت هنداوي وفريق عملها بإطلاق موسم تحضيري هذا العام يتواصل على مدى أربعة أشهر ويحمل إلى السلطنة عددا من الأسماء اللامعة في مجال الموسيقى والرقص والغناء أمثال فرقة براغ للأوركسترا وأوبرا هيليكون الروسية وسيمون شاهين ونصير شمة وفرقة أنطونيو ناخارو للفلامنكو وغيرها من الفرق الأخرى. الهدف الأول من إطلاق هذا الموسم التحضيري يقول المشرفون عليه، هو خلق تفاعل بين الدار والجمهور، ليشعر الناس بأهمية هذا الصرح وما سيقدمه لهم في المستقبل، وكذلك تكوين فكرة عن تذوق هذا الجمهور لمختلف الفنون؛ الأمر الذي يساعد في التحضير للمواسم المقبلة.

وتوضح هنداوي أن الجمهور يتفاعل مع عروض الأوبرا والموسيقى الكلاسيكية بشكل كبير، حيث «يبدو أن الناس تتطلع إليها كفرصة للتعرف على هذا النوع من الفنون بدل رفضها، وهذا أمر مشجع جدا بحد ذاته. والملاحظة الثانية التي تكونت لدينا بعد مرور نحو شهر على انطلاقة هذا الموسم تحت عنوان (أصداء موسيقية) هي تنوع الجمهور لناحية وجود عمانيين وأجانب وأيضا قادمين من دول مجاورة ولا سيما من دولة الإمارات. وهذا ما لاحظناه من عمليات بيع التذاكر على موقعنا على الإنترنت». هذا الأمر ستأخذه إدارة الدار بعين الاعتبار في التسويق لفاعلياتها في المرحلة المقبلة حيث سيتم إطلاق حملة إعلانية تستهدف عمان ودول الجوار، كما سيتم تقديم حزم خاصة للسياح. وسينقسم برنامج العام المقبل إلى شقين، الأول برنامج الافتتاح التجريبي بين شهر مايو (أيار) ويوليو (تموز)، والثاني برنامج الافتتاح الرسمي بدءا من شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. وستقام هذه الفاعليات في قلب دار الأوبرا وسيتم الإعلان عنها رسميا مع بداية عام 2011.

تجدر الإشارة إلى أن مقر دار الأوبرا السلطانية يضم أيضا مركزا تجاريا سيجمع عددا من المحال التجارية والمطاعم. ويعتبر المشرفون على هذا العمل بأن المركز التجاري والحدائق المحيطة بالمبنى سيساعدان على تقديم تجربة متكاملة للزوار وعلى أن يكون مرفقا مفتوحا أمام جميع الناس طيلة أيام الأسبوع سواء كان المسرح الرئيسي يشهد عرضا موسيقيا أم لا.

يذكر أن سلطنة عمان من بين الدول العربية القليلة التي أنشأت منذ فترة مبكرة أوركسترا سيمفونية تحت اسم الأوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية التي تأسست منتصف ثمانينات القرن المنصرم.