لغة جديدة للإنترنت تثير المخاوف حول خصوصية الأفراد

تمنح المعلنين القدرة على الاطلاع على تفاصيل خاصة بأنشطة المستخدمين

مخاوف من تأثير لغة الإنترنت على الخصوصية («نيويورك تايمز»)
TT

ثارت الكثير من المخاوف بشأن خصوصية الإنترنت، وراجت نظريات المؤامرة، بل وقام البعض باللجوء للقضاء، وذلك بعدما ابتكر المسوقون وغيرهم وسائل جديدة تسمح لهم بتعقب مستخدمي الكمبيوتر على شبكة الإنترنت، لكن جرس الإنذار الذي أطلقوه لم يسفر عن شيء حتى الآن.

في الأعوام القليلة القادمة سوف تتوافر مجموعة جديدة وقوية من الإمكانات لمطوري شبكة الإنترنت تمنح المسوقين والمعلنين القدرة على الاطلاع على الكثير من التفاصيل الخاصة بأنشطة المستخدمين على شبكة الإنترنت. وسوف يتعرض معظم الناس لخطر انتهاك خصوصيتهم بالتزامن مع تلك الإمكانات التي تعد جزءا متكاملا مع لغة الويب التي سرعان ما ستعتمد عليها شبكة الإنترنت «إتش تي إم إل 5».

وهناك استخدام محدود بالفعل حاليا لتلك الشفرة الجديدة للويب، النسخة الخامسة من إتش تي إم إل، والتي تبشر بعصر جديد لتصفح الإنترنت خلال السنوات القليلة القادمة. فهي سوف تسمح للمستخدمين بمشاهدة ملفات الوسائط المتعددة على نحو أسهل ومن دون الاضطرار إلى تحميل برامج إضافية، كما ستسمح لهم بإمكانية تصفح الرسائل الإلكترونية من دون الاتصال بشبكة الإنترنت، وبإمكانية البحث عن مطعمهم المفضل أو متاجر التسوق من خلال الهواتف الذكية.

ومما لا شك فيه أن معظم المستخدمين سوف يسرون بتلك الإمكانات الجديدة لشبكة الإنترنت. فيقول جيمس كوكس (27 عاما) المستشار ومطور البرامج الحر بشركة «سموك كلاودس» بنيويورك «سوف تغير تلك اللغة الجديدة كل شيء يتعلق بشبكة الإنترنت، وسوف تغير الطريقة التي اعتدنا أن نستخدمها بها. فهي ليست فقط (إتش تي إم إل 5)، بل إنها ويب جديدة». وفي الوقت نفسه، أبدى البعض الآخر موقفا حذرا رغم حماسهم لتلك التطورات.

يعرف معظم مستخدمي الويب الملفات التي يطلق عليها «كوكيز» والتي تمكن المستخدم، على سبيل المثال، من الدخول على مواقع الإنترنت من دون الحاجة لإعادة كتابة اسم المستخدم وكلمة السر مرة أخرى، أو لتتبع العناصر التي تم وضعها في حقائب التسوق الافتراضية قبل أن يؤكد على أمر الشراء.

وتقدم لغة الويب الجديدة والخصائص الجديدة المضافة إليها المزيد من إمكانات التعقب نظرا لأن تلك التقنية الجديدة تستخدم عملية يمكن عبرها جمع قدر كبير من البيانات وتخزينها على القرص الصلب لحاسوب المستخدم خلال وجوده على شبكة الإنترنت. ويقول الخبراء إنه نظرا لتلك العملية فإن المعلنين وغيرهم يمكنهم الاطلاع على قدر وفير من البيانات الشخصية التي يمكن أن تشتمل على موقع المستخدم ومنطقته الزمنية وصوره ومقتطفات من مدوناته ومحتوى حقائب التسوق التي اشتراها عبر الشبكة وبريده الإلكتروني وتاريخ المواقع الإلكترونية التي زارها.

ومن جهة أخرى، يقول هاكون ويوم لاي، المسؤول الرئيسي عن التكنولوجيا بشركة التصفح «أوبرا»، إن تلك اللغة الجديدة «تمنح المتعقبين سلة جديدة يمكن جمع المعلومات بها».

أو كما يقول بام ديكسون، المدير التنفيذي بمنتدى الخصوصية العالمي بكاليفورنيا «فإن لغة الـ(إتش تي إم إل 5) تفتح نطاقا واسعا من التتبع عبر شبكة الإنترنت».

ويقول الممثلون عن كونسورتيوم الشبكة العالمية للإنترنت إنهم يتعاملون مع القضايا المتعلقة بخصوصية المستخدم بجدية بالغة. فسوف تقيم المنظمة، التي تشرف على وضع المواصفات التي سوف يلتزم بها مطورو اللغة الجديدة، ورشة عمل من يومين حول الخصوصية وتقنيات الإنترنت.

ويقول إيان جيكوب، رئيس قسم الاتصالات بالكونستورتيوم، إن عملية البرمجة الجديدة للغة الإنترنت سوف تتضمن تقريرا عاما. فيقول «هناك مساءلة. فتلك ليست جمعية سرية لاحتكار تلك المعايير الأساسية».

وقد بدأ بالفعل استخدام تلك الإمكانات الجديدة التي وفرتها اللغة الجديدة من قبل مبرمج كاليفورنيا الذي ابتكر ما يبدو للوهلة الأولى تهديدا خطيرا للخصوصية الإلكترونية.

فقد ابتكر سامي كامكار، المبرمج من كاليفورنيا والمعروف في بعض الأوساط بابتكاره لفيروس أطلق عليه «دودة سامي»، والذي عطل «MySpace.com» في 2005، ملف كوكي لا يمكن إزالته بسهولة حتى من قبل الخبراء، وهو الملف الذي يطلق عليه «إيفر كوكي».

وأطلق بعض المراقبين على ذلك الملف اسم «سوبر كوكي» نظرا لأنه يخزن المعلومات في عشرة أماكن على الأقل على الكمبيوتر، وهو يجمع بين الأدوات التقليدية للتعقب وخصائص جديدة مصاحبة للغة الجديدة للويب.

وفيما يتعلق بابتكار ملف الكوكي، تلقى السيد كامار تعليقات من المدونين عبر شبكة الإنترنت تراوحت أوصافها بين «صارم للغاية» و«مروع».

ومع ذلك فإن السيد كامار قال إنه لم يبتكره لانتهاك خصوصية أي أحد. وقال إنه كان لديه فضول حول كيفية تعقب المعلنين له على شبكة الإنترنت. وبعدما اطلع على ما وجده على حاسوبه، ابتكر ملف «إيفر كوكي» لكي يظهر كيف أنه يمكن دائما التسلل إلى حواسيب المستخدمين من خلال التقنيات الجديدة لشبكة الإنترنت.

وقال السيد كامكار للمعلنين الذين وضعوا ملفات الكوكيز على حاسبه «أعتقد أنه لا بأس بأن يقول المعلنون إننا نريد تقديم خدمات أفضل، ولكن في الوقت نفسه أعتقد أنه من حقي أن أرفض المشاركة لأن ذلك حاسبي».

ويقول كامكار، الذي تغلب من خلال فيروس 2005 على وسائل حماية المتصفح وإضافة أكثر من مليون صديق جديد على صفحته على «MySpace» في أقل من عشرين ساعة، إنه ليس لديه خطط للتربح من ملف «إيفر كوكي» ولا ينوي بيعه للمعلنين، مضيفا أن ذلك «لن يكون صعبا». فهو بدلا من ذلك سوف يترك اللغة الجديدة متاحة لأي أحد يرغب في تجربتها قائلا إن ملف الكوكي الجديد يجب أن يستخدم «كتجربة لمنع التعقب».

جدير بالذكر إنه تم رفع عدد كبير من القضايا القانونية التي تتهم الشركات الإعلامية مثل شركة «فوكس للترفيه»، و«إن بي سي يونيفرسال» وشركات التقنية مثل شركة «كليرسبرينغ» للتقنية و«كوانتكاست» بانتهاك خصوصية المستخدمين من خلال تعقب أنشطتهم الإلكترونية حتى بعد اتخاذهم خطوات لمنعها.

ويتحكم معظم الناس في خصوصيتهم على شبكة الإنترنت من خلال تعديل الإعدادات الموجودة في معظم المتصفحات الحالية والتي تتضمن «إنترنت إكسبلورر» الذي «تقدمه مايكروسوفت»، و«فاير فوكس» الذي تقدمه موتزيلا، و«سفاري» الذي تقدمه «أبل» و«أوبرا»، والذي يستخدم حاليا في أوروبا وآسيا وعلى أجهزة المحمول.

ولكل متصفح إعدادات مختلفة لحماية الخصوصية، لكن لا تحتوي كل تلك المتصفحات على بيانات لإلغاء البيانات التي تكونها تلك اللغة الجديدة للويب. ويقر حتى أكثر المهندسين والمبرمجين براعة بأن حذف تلك الملفات هو أمر صعب ويتطلب العديد من الخطوات.

فيقول كوكس: «الآن أصبحت هناك الكثير من الأماكن لتخزين البيانات وبالتالي أصبح من الصعب على مبتكري المتصفح التعامل معها».

ويقول كامكار وخبراء الخصوصية إنه يجب على منتجي برامج تصفح الإنترنت الاتفاق على منح الفرد القدرة على منع تلك الإمكانات بأكملها. ويقول ديكسون «يجب أن تكون هناك وسائل جديدة سهلة للتعامل مع كل شيء». وأضاف أن هناك بعض برامج التصفح التي تجمع قدرا كبيرا من البيانات ما لم يطلب منها المستخدم ألا تفعل.

ويقر لاي بأن تلك الشركات «لديها قدر كبير من الطاقة». لكنه قال إنهم يخشون من أن إعدادات الخصوصية التي ابتكروها يمكن أن تكون متشددة للغاية. فعلى سبيل المثال، فإنه قال إن «أوبرا» حاولت أن تضع المزيد من وسائل التحكم على أنواع معينة من ملفات الكوكيز، لكن المستخدمين في روسيا اشتكوا من أن تلك الوسائل عرقلت أحد مواقع الشبكات الاجتماعية الشهيرة من العمل بكفاءة.

لكن مطوري البرامج وممثلي الشبكة العالمية للإنترنت يقولون إنه في ظل التطور التكنولوجي يجب على المستهلكين أن يوازنوا بين سرعتها والخصائص الجديدة التي سوف تقدمها وقدرتهم على السيطرة على الخصوصية.

فيقول جيكوب «يمكنك أن تفعل المزيد، لكنك يجب أن تكون واعيا بكيفية استخدام تلك المعلومات أو إساءة استخدامها. إنها قضايا إنسانية كبرى».

* خدمة «نيويورك تايمز»