أريحا «الواقعية» تحتفل بـ10 آلاف عام على أريحا «الأسطورية»

مدينة كنعانية ازدهرت في عهد الرومان.. تضم الكثير من المعالم الأثرية مثل قصر هشام بن عبد الملك

دير القرنطل أو جبل الأربعين الذي تأسس على يد الأرشمندريت أفراميوس سنة 1892، وهذا المكان قديم منذ زمن السيد المسيح، عليه السلام (إ.ب.أ)
TT

حين وصف الشاعر الكبير الراحل محمود درويش، أقدم مدينة على وجه الأرض، مدينة أريحا، بعدما مر منها وهو عائد من عمان إلى رام الله قال، «حفنة من أرض عشوائية التكوين خلفتها هزة هي غضبة إله. تلال رملية نبتت كالفطر على عجل وفوضى. يخيل لك أن الأبدية قامت بزيارة خاطفة لتفقد آثار الخوف على الراهن المحدق إلى هاوية فرت منها مدرجات لولبية. هل وصلت الحياة إلى هنا هاربة من البحر الميت؟ ها هي تطل بتويجاتها الصغيرة من الصخور الرمادية والسوداء، شقائق نعمان طالعة من وحشة المكان... قليل من رذاذ وضوء يكفي لتتغلب الحياة على العدم. وقليل من الأمل والزمن يكفي لتعبر شعاب الأسطورة سالما من مصائر أسلافك».

هذه هي أريحا «الواقعية» لا «الأسطورية»، أريحا التي تعتبر البوابة الشرقية لفلسطين، وترتبط بالضفة الشرقية بشبكة طرق معبدة وتتصل بطريق القدس - عمان، وتقع على مسافة 38 كيلومترا إلى الشمال من مدينة القدس، وتبعد عنها 38 كم.

وفي يوم الاثنين الماضي، احتفلت المدينة الواقعية بـ10 آلاف عام على وجودها. وأطلقت السلطة هذه الاحتفالية في تمام الساعة العاشرة صباحا، تحت شعار «استكشف أقدم مدينة في العالم»، بحضور وزيري خارجية فرنسا وإسبانيا ورئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض.

وحضرت اللجنة التوجيهية للمشروع، الفعاليات بافتتاح عدة مشاريع تنموية في المحافظة، وبعض الأنشطة والفعاليات الشعبية والفنية والفلكلورية. وانطلقت الاحتفالات باجتماع عقدته الحكومة الفلسطينية في أريحا، أعلنت خلاله انطلاق مشاريع تنموية طويلة الأمد. وتزامن ذلك مع فعاليات، تشمل إطلاق يوم البريد الفلسطيني المفتوح، الذي تم خلاله إطلاق الختم البريدي الخاص بالمشروع، وافتتاح مشاريع تنموية تم إنجازها حديثا والإعلان عن مشاريع أخرى في قطاعات مختلفة، وافتتاح جدارية قام بتنفيذها مجموعة من الفنانين والتشكيليين الفلسطينيين ضمن مجموعة أعمال فنية تحت عنوان «لقاء تحت سطح البحر»، وسيتم زيارة وإضاءة قصر هشام التاريخي، وانطلاق «ماراثون أريحا» من مدرسة تراسنطا في أريحا، وصولا إلى مقر الأكاديمية الفلسطينية للعلوم الأمنية في المدينة، التي ستشهد إحياء أمسية ثقافية، إلى جانب رزمة من العروض الثقافية والفنية والموسيقية في مركز مدينة أريحا.

وأريحا مدينة كنعانية قديمة، يعدها الخبراء الأثريون أقدم مدن فلسطين، إن لم تكن أقدم المدن على الإطلاق، ويرجع تاريخها إلى العصر الحجري ما قبل (10 – 11) ألف سنة، أي قبل الألف الثامن قبل الميلاد. وأريحا عند الكنعانيين تعني القمر، والكلمة مشتقة من فعل (يرحو) أو (اليرح) في لغة جنوب الجزيرة العربية وتعني الشهر أو القمر. وفي العبرانية (يريحو) أقدم مدينة معروفة في التوراة اليهودية، و(أريحا) في السريانية معناها الرائحة أو الأريج.

ازدهرت أريحا في عهد الرومان، ويظهر ذلك في آثار الأبنية التي شقوها فيها، التي تظهر على نهر القلط وفي هذا العهد صارت تصدر التمر.

وقالت خلود دعيبس، وزيرة السياحة والآثار الفلسطينية، بصفتها المقرر للجنة التوجيهية للمشروع «إن الحكومة تضع محافظة أريحا والأغوار، على رأس أولوياتها الوطنية، كجزء أساسي من خطة بناء الدولة الفلسطينية». موضحة في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، «أن اللجنة التوجيهية قررت، بالتشاور مع كل الشركاء، التركيز على جذب الاهتمام الإعلامي والعالمي، وجذب الشراكات والتمويل اللازم لتنفيذ المشاريع المستدامة في المنطقة، إلى جانب حشد القطاع الخاص والجهد الشعبي والوطني للمشروع».

وأضافت «أن هذه الانطلاقة بمثابة البدء في ورشة عمل تستمر لأعوام، بهدف تنمية محافظة أريحا والأغوار، من أجل إعادة تأهيل المنطقة التي تعاني من السيطرة الإسرائيلية والعزل والمستوطنات التي تستنزف الأرض والإنسان والخيرات والمياه في هذه المنطقة».

ويرى الفلسطينيون في احتفالية أريحا بـ10 آلاف عام، رسالة لكل العالم تقول إن «هذه المنطقة احتضنت أمة متحضرة منذ آلاف السنين، وشهدت على تطور البشرية، ومثل هذه الأمة تستحق دولة مستقلة ذات سيادة على أرضها».

وقالت دعيبس إن هذه الانطلاقة تمثل نداء مدينة أريحا لأبناء الوطن، للتفاعل مع المشروع والمساهمة، كل من موقعه، في إبراز أهمية أريحا والأغوار. داعية الأصدقاء في العالم إلى زيارة أريحا والأغوار لاستكشاف كنوزها وثرواتها التي تشهد على عشرة آلاف عام من التحضر والمدنية، كأقدم مدينة في العالم. وحتى الأمس، لم تشهد المدينة أي مظاهر احتفالية، لكن من المقرر أن تتحول اليوم إلى مدينة احتفالات.

ولم يخفِ مسؤولون فلسطينيون عدم رضاهم عن برنامج الاحتفال، وقال رئيس بلدية أريحا، المحامي حسن صالح: «ما هو منوي الاحتفال به أقل بكثير جدا مما توقعناه وما حضرنا أنفسنا له».

وأضاف للوكالة الفرنسية «ما تم تحضيره وما أعلم به هو أن موسيقى عسكرية سيتم عزفها وستطلق الألعاب النارية، وسيعقد مجلس الوزراء اجتماعا في المدينة سيعلن عقبه عن مجموعة من المشاريع، كرزمة واحدة يتم تنفيذها على مدار السنوات الثلاث المقبلة». وتابع «كان بالإمكان أن ندع المدينة تتحدث عن نفسها، فلدينا جبل التجربة (جبل قرنطل)، حيث صام المسيح، عليه السلام، ولدينا تل أريحا، أقدم موقع في العالم، ولدينا نهر الأردن، حيث عمد السيد المسيح، عليه السلام، وكان بالإمكان أن ندع الإضاءة والصوت يتحدثان عن هذه الأماكن، أمام جموع آلاف المشاركين في عيد ميلاد مدينة أريحا».

وكان صالح يخطط لاحتفالات مختلفة، لكن الحكومة الفلسطينية أوكلت المهمة للوزيرة دعيبس، وهو ما أثار خلافات، أثرت على بعض خطط الاحتفالات، ومثلا تم تأجيل افتتاح المتحف الروسي في المدينة لثلاثة أيام أخرى بدلا من أن يفتتح اليوم.

وتضم أريحا الكثير من المعالم الأثرية مثل، تل عين السلطان، وهي نبع ماء قديم جدا يبعد عن أريحا مسافة كيلومترين. وقصر هشام، وهو قصر عربي رائع، بناه هشام بن عبد الملك الذي حكم عام 105 - 125 هـ (724 – 743م)، على خربة المفجر. ودير القرنطل أو جبل الأربعين، وتأسس هذا الدير على يد الأرشمندريت أفراميوس سنة 1892، وهذا المكان قديم منذ زمن السيد المسيح، وقد جدد عدة مرات، وأول من فكر في المحافظة على قدسيته الملكة هيلانة، حيث أقامت عليه تشييدا قديما منذ عام 325 م.

أما أهم المساجد فهو مسجد أريحا القديم الذي بني عام 1331 هـ، وتبلغ مساحته 3 دونمات، وبه 11 صنبورا، وهو مفروش بالحصير، وله بابان، شمالي وغربي، و11 نافذة خشبية، ومنبر خشبي على الطراز القديم.