ليالي الأنس في فيينا مع أوركسترا قطر الفلهارمونية في يوبيل «أوبك» الذهبي

«تبيع الميه في حارة السقايين» في أفخم قاعاتها الفنية

المايسترو نادر عباسي طرق أبواب الموسيقى العالمية بنجاح قاده لقيادة الفرقة الموسيقية الوليدة «أوركسترا قطر الفلهارمونية» («الشرق الأوسط»)
TT

«يعني نقول إننا بعنا الميه في حارة السقايين؟» قالها المايسترو نادر عباسي بلهجة مصرية مخاطبا «الشرق الأوسط». إذ تمكن وفرقته من بيع أحلى مياه لأشطر سقايين في عقر دار النمساويين، وبالتحديد بقاعة «الكونسرت هاوس» بفيينا.

نادر عباسي هو موسيقار مصري شاب طرق أبواب الموسيقى العالمية بنجاح قاده لقيادة الفرقة الموسيقية الوليدة «اوركسترا قطر الفلهارمونية» التي قدمت أول من أمس ليلة من أروع الليالي الموسيقية الأجنبية بالعاصمة النمساوية فيينا وذلك بشهادة وتفاعل حضور الحفل الذي أقيم بقاعة «الكونسرت هاوس» أفخم القاعات الفنية الأوروبية على الإطلاق بدعوة من دولة قطر احتفاء بمرور 50 عاما على تأسيس منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك).

وكانت الدول أعضاء أوبك قد افتتحت كرنفال احتفالاتها بيوبيل أوبك الذهبي بمعرض ثقافي استمر لمدة 10 أيام كاملة بصالة الكور صالون بميدان المدينة أو الاشتات بارك القائم بقلب فيينا حيث قدمت كل دولة من دول الأوبك الـ13 معروضات من تراثها الشعبي ورقصاتها وهندامها وطعامها متيحة بذلك فرصة نادرة تعرفت فيها فيينا وأهلها وسياحها على وجه آخر من وجوه الأوبك، هذه المنظمة التي تفتخر العاصمة النمساوية أيما فخر بضيافتها وبضيافة صندوق أوبك للتنمية الدولية (أوفيد) جنبا إلى جنب عدد آخر من منظمات الأمم المتحدة التي تكسب فيينا صبغة عالمية ودولية تحرص عليها وتستمتع بها استمتاعها بأضواء وسائل الإعلام العالمية التي تحل بها كلما حل وزراء أوبك لعقد مؤتمر أو سمنار أو ورشة عمل بمقرهم.

ضمن سلسلة تلك الاحتفالات دعت دولة قطر لحفل موسيقي لا أستبعد مطلقا أن معظم من لبوا دعوته لم تكن لديهم ادني فكرة أن لقطر اوركسترا فلهارمونية بإمكانها أن تقدم حفلا في فيينا عاصمة الموسيقى والأوبرا والفنون وبقاعة الكونسرت هاوس التي عرفت بحفلات قدمها عباقرة الموسيقى الخالدين وفي مقدمتهم موتزارت وشوبرت وهايدن.

جاء الحفل في آخر يوم عمل طويل وشاق شهد اجتماعات المؤتمر الوزاري رقم 157 لمنظمة الأوبك. وكان معظم الحضور وفي مقدمتهم الوزراء وأعضاء الوفود والسفراء وأمين عام أوبك ومنسوبيها وعدد كبير من الدبلوماسيين عربا وأجانب قد انتقلوا من مبنى أوبك مباشرة إلى الكونسرت هاوس ورغم الإرهاق وطول اليوم فقد أبهجتهم قطر فيلهارمونيكا بأكثر من سيمفونية تفاعلوا معها أيما تفاعل معبرين عن كل مشاعر الإعجاب والاستمتاع والتقدير.

بدأ الحفل بمقطع بديع من أوبريت «شهرزاد» كما صاغه نيكولاي ريمسكي عام 1888 فاعتبر أشهر عماله وذلك لتمكنه من تطويع الآلات الموسيقية بصورة جعلتها تنساب فتضج وتموج لتعود هادئة وكأنها تحكي في جماعية أحيانا وانفرادية أحيانا أخرى حكايات شهرزاد التي ظلت تسردها لسلطانها ألف ليلة وليلة.

وما هي إلا فترة استراحة قصيرة حتى عاد الجمع ليقودهم نادر عباسي بذات البراعة التي يقود بها فرقته مقدما سيمفونية لبرنشتاين وأوبريت كانديد الذي استمد اسمه من رواية لفولتير ثم لحنا عربيا رائعا للقطري حامد النعمة وآخر لخوسيه غارسيا. وبالطبع لم يغب الفالتز عن عاصمة الفالس فجاء ممزوجا هذه المرة بتأثيرات روسية شعبية ذات نكهة أرمنية من السوفياتي ارام خشانوريان ليعقبه الحلم بالعودة مع اللبناني مارسيل خليفة الذي هب من مقعده ليحيي الفرقة في لفتة بادلها الحضور استحسانا وباقة ورد من حسناء.

ولمزيد من العالمية التي جاءت متناسقة تماما والدور الذي تسعى إليه دولة قطر، والتي نجحت في تحقيقها أوبك التي توفر للعالم أكثر من 40 في المائة من احتياجاته النفطية، وتنشدها الصين التي أصبحت أكبر مستهلك للنفط، كانت هناك مقطوعة للموسيقي الصيني لي هونزي، وبالطبع وكعادة معظم الحفلات الموسيقية الكبرى ذات الحضور الأجنبي في فيينا اختتم الحفل باللحن الأكثر شهرة «رادتزكي مارش» ليوهان اشتراوس الذي تزيد روعته وحماسته بصفقة الجمهور التي ينظمها ويوجهها قائد الفرقة الموسيقية.

عزف لقطر فيلهارمونيكا بفيينا 80 عازفا وعازفة من مجموع 101 يحملون 30 جنسية مختلفة يقيمون جميعهم بالدوحة ويعملون كنواة لأكاديمية موسيقية تسعى قطر لإنشائها ولا تقتصر مهامهم حاليا على مجرد العزف بل يعملون كذلك على غرس وبث حب الموسيقى في نفوس الأجيال القطرية الشابة بالإضافة لتدريب المواهب وصقلها حتى تتمكن بدورها من الانضمام لفرقة بهذه المقدرة وتلك الإمكانات.

وكما حكى لـ«الشرق الأوسط» قائد الفرقة المايسترو العباسي الذي تم اختياره لهذه المهمة الشاقة من ضمن 28 قائدا موسيقيا عالميا فإن أوركسترا قطر الفلهارمونية تقدم شهريا نحو 3 إلى 4 حفلات بينما تواصل دون انقطاع تدريباتها، مشيرا إلى أن الفرقة تسعى بجانب ما تقدمه من ألحان وسيمفونيات عالمية للتعريف والترويج لأعمال موسيقيين عرب منهم السوداني علي عثمان والقطري حامد النعمة واللبناني الأشهر مارسيل خليفة وبالطبع تقدم الفرقة العديد من أعمال قائدها ومديرها المصري نادر.