الشاعر اللبناني خليل مطران يعانق شاعر البوسنة ماك دزدار في سراييفو

مئات الأدباء العرب والبلقان يمزجون الشعر بحوار الحضارات في دورة «البابطين»

الفائزون بجائزة «البابطين» بعد تكريمهم في سراييفو، أمس
TT

احتشد جمهرة من الشعراء والأدباء العرب في العاصمة البوسنية، سراييفو، يوم أمس، ليشهدوا لحظة نادرة من عناق الشرق والغرب، على ضفاف الكلمة، حيث عانق الشاعر اللبناني خليل مطران شاعر البوسنة وضميرها محمد علي ماك دزدار، ليتوجا الدورة الثانية عشرة لـ«جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري» التي انطلقت في سراييفو، أمس، وتستمر حتى الجمعة المقبل.

أكثر من 450 من الأدباء والمفكرين والشعراء العرب، التقوا بنظرائهم البوسنيين في عرس ثقافي استحضر الحوار بين الحضارات كبديل للصراعات والحروب التي نفضت العاصمة البوسنية غبارها للتو، وكانت شخصية شاعرها محمد علي ماك دزدار، التي ألهم الإنسان فيها قيم الحرية والتمسك بهم التعايش والإخاء الإنساني، تلامس شخصية الشاعر خليل مطران (1872 - 1949) اللبناني المسيحي الذي عاش في مصر وأبدع شعرا يتغنى بالحرية والسلام، والذي تناول في شعره الهم الإنساني وبخاصة الوطني منه بحذر وبصورة غير مباشرة خوفا من نزق المستعمرين.

في حفل الافتتاح الذي حضره عدد من الشخصيات العالمية، على رأسها الرئيس حارث سيلاجيتش، وعمرو موسى أمين عام الجامعة العربية، وممثل رئيس وزراء الكويت، وزير العدل والأوقاف والشؤون الإسلامية المستشار راشد الحماد، والشيخ يوسف القرضاوي، وعمار الحكيم رئيس المجلس الإسلامي العراقي، ومندوب عن البابا بنديكتوس السادس عشر، ومندوب عن شيخ الأزهر، وعدد من الوزراء والنواب والسفراء من الدول العربية، تم تكريم الأمير تشارلز ولي عهد بريطانيا، أمير ويلز، في أول تكريم لشخصية أسهمت في دعم حوار الحضارات وتعزيز ثقافة التعايش الإنساني. كما جرى تكريم الفائزين بجائزة الدورة الثانية عشرة للمؤسسة (دورة خليل مطران ومحمد علي ماك دزدار).

وخلال كلمته، أعلن عبد العزيز سعود البابطين، رئيس أمناء الجائزة، أن اختيار سراييفو لانعقاد هذه الدورة يأتي لكون هذه «المدينة لم تسقط في فخ التطهير أيا كان لونه، بل بقيت كالأم تحتضن جميع أبنائها ويتجاور فيها المسجد والكنيسة والكنيس، وتشترك معا في أنشودة دينية تمجد إلها واحدا وتؤكد أن الجنة الأخروية التي يسعى إليها كل مؤمن لن تمر عبر الجحيم الأرضي، وأن الألوان المتعددة عندما تتوافر الإرادة الخيرة تشكل لوحة فنية رائعة، ولا يمكن للون واحد أن يصنع هذه اللوحة».

وأضاف أن «مؤسسة البابطين» تحتفي «بشاعرين عظيمين، أحدهما الشاعر العربي الكبير خليل مطران، وتم اختياره، وهو شاعر عربي مسيحي، لأن مسيحيته لم تحجزه عن غالبية أمته من العرب المسلمين، بل اندمج معهم كأحدهم، وعبر عن كل تطلعاتهم ومآسيهم»، أما الشاعر الآخر فـ«هو الشاعر البوسني ماك دزدار الذي شهد مع مطران عذابات القرن الفائت، وقرأ الكثير عن محاكم التفتيش التي ألمت بهذا البلد في الزمن الغابر، ولكنه أدرك بحسه التاريخي العميق أن هؤلاء الحمقى زائلون وأن البقاء لمن يؤمن بإنسانية الإنسان».

كما أعلن البابطين أن مؤسسته التي اتخذت قرارا بتعزيز اهتمامها بحوار الحضارات واستحدثت فرعا لتكريم رواد المساعي في مجال الحوار الإنساني، قرر مجلس أمنائها أن تقام احتفالية بالمناسبة للشعر وحوار الحضارات، مرة لكل منهما سنويا، بحيث يحتفل بالشعر في دولة عربية، في عام، وبالحوار في عاصمة أوروبية أو آسيوية، في العام التالي.

خلال الحفل تحدث الرئيس البوسني، حارث سيلاجيتش، عن الحوار الثقافي في عصر العولمة، معتبرا أن التغييرات السريعة التي تشهدها الأمم ولا يجري استيعابها تؤدي إلى الرجوع خطوات للخلف وإعاقة التقدم. كما تحدث عن التعددية بوصفها علاجا للصراعات، وقال إن البوسنة بلد تعددي أصيل، وهذه التعددية البوسنية قتلها الاعتداء بين 1992 و1995، وقال إن هذا النموذج الرائد في التعددية يكاد اليوم يموت في أوروبا. وأضاف أن «التعددية تواجه في أوروبا أزمة كبيرة، وهذا ما يبرر أهمية عقد مثل هذا الملتقى الثقافي في سراييفو، وفي كثير من دول العالم».

وجرى في الحفل تكريم الفائزين بجائزة الدورة الثانية عشرة للمؤسسة، حيث فازت بالجائزة التكريمية في مجال الإبداع الشعري، وهي جائزة غير خاضعة للتحكيم، الشاعرة العراقية لميعة عباس عمارة، المولودة في بغداد 1929، وأحد أبرز القامات الشعرية في العالم العربي.

بينما فاز بجائزة الإبداع في مجال نقد الشعر الدكتور صلاح رزق، من مصر، عن كتابه «كلاسيكيات الشعر العربي - المعلقات العشر.. دراسة في التشكيل والتأويل».

وفاز الشاعر أحمد حسن محمد، من مصر، بجائزة أفضل ديوان عن ديوانه «مدينة شرق الوريد»، كما فاز الشاعر فارس حرام من العراق بجائزة أفضل قصيدة عن قصيدته «عنه وعن أهله».