هند رستم: تذوقت طعم النجاح والفشل.. ولم أندم على الاعتزال المبكر

قالت لـ «الشرق الأوسط»: حياتي الشخصية ملك لي ولا أسمح لأحد بالتدخل

هند رستم لا تمانع من العودة للتمثيل في عمل فني يجمعها بفنانات جيلها
TT

اعتزلت الفنانة هند رستم الفن وهي في قمة تألقها كي تظل نجمة في عيون جمهورها حتى بعد الاعتزال، مفضلة الابتعاد عن الإعلام 35 عاما. رفضت خلال تلك السنوات تقديم سيرتها الذاتية، معتبرة أن حياتها الخاصة ملكها وحدها ولا تسمح لأي شخص أن يعرفها أو يتدخل فيها، وقائلة إن أعمالها الفنية تتحدث عنها بشكل كاف جدا، وتضيف أنها تمنت الرحيل عن مصر بعد موت الرئيس أنور السادات في بداية ثمانينات القرن الماضي.

تقول هند رستم في حديث مع «الشرق الأوسط»: «أرفض أن يقوم أي أحد بعمل فني عن سيرتي دون موافقتي، ولو حدث هذا فسأتخذ الإجراءات القانونية اللازمة، وأوصيت أهلي بأن يرفضوا عمل السيرة الذاتية لي بعد موتي. وبالمناسبة، عرض الإعلامي محمود سعد أن أقوم بعمل سرد لبعض الحكايات الفنية، ولكننا لم نستقر على الشكل النهائي للعمل، وقد ترك لي أمر تحديده بناء على قناعتي الشخصية. وأنا لا أعتبرها سيرة ذاتية لأني سأتحدث عن حياتي الفنية بعيدا عن حياتي الشخصية، وسوف أعمل فيه على إيصال رسالة مفادها أن يعتزل النجم وهو في (عز نجوميته) ولا ينتظر حتى يُطلَب منه الاعتزال حتى يظل في عيون جمهوره نجم ببريقه، ويبتعد عن الحياة الفنية في قمة مجده، فعلى المستوى الشخصي التزمت أنا تلك الرسالة عندما اعتزلت وأنا في قمة تألقي».

لم تندم هند رستم على اعتزالها الفن، ففكرة الاعتزال كانت عن يقين واقتناع تام، لذا لم تندم عليه في ما بعد.. تقول: «عملت سنوات كثيرة في الفن وقمت بالكثير من الأدوار ونجحت في الكثير منها، كما ذقت طعم الفشل أيضا، ولو لم أفكر في الاعتزال وقتها كقناعة شخصية، لدفعني سوء حال الدراما والسينما إلى الاعتزال، فالدراما تمر بحالة إفلاس في تقديم الأعمال، وأنا أعجب من تقديم الدراما لأعمال قدمت في وقت سابق كمسلسل (الباطنية) تم إعادته مرة أخرى، و(العار) أيضا، فأين الكُتّاب؟! أعتقد أن هناك إفلاسا في الكتابة على الرغم من توافر الإمكانات المادية والتكنيك العملي، فلا يوجد جديد في الدراما. والآن، النجوم يقومون بتقليد فناني الزمن الجميل، فلا نجد أحدا في تألق عماد حمدي ولكننا نرى شبيها له يحاول تقليده، وغيره كثيرون».

على الرغم من ذلك، لا تمانع هند رستم في أن تعود للتمثيل مرة أخرى لكن في حالة واحدة؛ أن يكتب عمل فني بشكل أكثر من رائع، ويجمعها مع فنانات جيلها مثل فاتن حمامة ونادية لطفي وماجدة وشادية ممن حملن السينما على أكتفاهن، فهذا برأيها سوف يبهر المشاهد لأنه سيرى نجوم الزمن الجميل في عمل واحد ويرى كيف يؤدون من جديد في ظل الإمكانات الحديثة المتوافرة الآن.

وعلى الرغم من تلك الإمكانات، فمن وجهة نظرها، لم يستطع الجيل الجديد من الفنانين أن يترك بصمة أو علامة خاصة على ساحة السينما في مصر، موضحة: «مع احترامي لكل الموجودين، لا يوحد أحد استطاع ذلك، فعندما يذكر اسم أي منهم لا نتذكر له عملا واحدا قام به، والمسؤول الأول عن ذلك هو المخرج وضعف الموضوع، ولا يوجد موضوعات جديدة، فأنا أعتبر النجم مثل الكرة فاللاعب هو الذي يحركها، ويجعل لها قيمة، وعلى سبيل المثال لو ذكر أمامي اسم فاتن حمامة فسأتذكر فيلم (دعاء الكروان) وغيره، لكن لو ذكر اسم ليلى علوي، مثلا، فلا يحضر في ذهني أنا شخصيا أي عمل لها، واحتاج إلى وقت للتفكير حتى أصل إلى ذلك».

أما عن ربط البعض بينها وبين هيفاء وهبي، فتقول: «هيفاء صاحبة دم خفيف وهي لذيذة ودلوعة، وقلدتني في طريقة اللبس، ولكني أرفض أن تقوم بتجسيد شخصيتي في أي عمل فشخصيتي صعبة عليها، وكنت أرغب في مشاهدة فيلمها (دكان شحاتة)، ولكنني لم أستطع مشاهدته».

أما على مستوى الإخراج، فتبدي رستم إعجابها بالمخرج خالد يوسف كونه تلميذ المخرج يوسف شاهين، على الرغم من أنها شاهدت له عملا واحدا فقط هو فيلم «هي فوضى»، كما نال إعجابها الممثل خالد صالح الذي يبهرها بأدائه. وتضيف: «يعجبني أيضا الكوميديان الشيك عادل إمام، على الرغم من تطوره الذي بدأ يجاري الجيل الموجود، وأرفض الانتقاد الموجه له بأنه يكرر نفسه، فالمشاهد يرى خبرة سنوات كثيرة، والتكرار هنا أنه دائما ما يقدم الأعمال الكوميدية وهذا تخصصه، وأنا أعتب على الإعلام لأنه كثيرا ما يركز على عادل إمام وأخباره وحياته وينسى الإعلام نفسه الباقين، مثل: محمد صبحي وسمير غانم وغيرهم، كما أنني لا أحب أن يقتصر لقب الزعيم عليه وحده، فيوجد الكثيرون الذين يستحقونه، فلا يوجد زعيم واحد، ففي زماننا كان هناك زعماء. فعماد حمدي كان زعيما، وصلاح ذو الفقار زعيم، ورشدي أباظة زعيم، وكل منهم يأخذ الزعامة بشكل مختلف، والتركيز على نجم واحد هو ما جعلنا نفتقد وجود نجوم في الوقت الحالي مثل زكي رستم وحسين رياض وغيرهم».

من الأمور التي تغضب هند رستم أيضا وتجعلها لا تتابع بعض الأعمال الحالية، طريقة بعض الفنانين في ارتداء الملابس، وتعلل ذلك بقولها: «الملابس استكمال للعمل، فلو قررت تأدية دور (بنت بلد) فسأرتدي ملابس بنت بلد من دون البهرجة الزائدة كما نراها الآن، فالكثير من المشاهدين يقومون بتقليد الفنانين في ملابسهم لأن طريقة الفنان مرآة للمشاهد، لذا يجب التركيز على ما يرتديه الفنان. ففي إحدى المرات، تحدث معي ترزي حريمي أن هناك زبونة طلبت منه أن يصمم لها ملابس ارتديتها في أحد أعمالي وأخذ منه ذلك نحو عام كامل، فأنا أسعى لأن يقلدني الناس ولا أقلد الناس. وكنا نحاول التركيز في الشكل الذي يناسبنا، فملابس النجم هي استكمال لنجومية الفنان في اختياره لها، وكنا بعيدين عن المنافسة بيننا في الملابس، فالشخصية هي التي تفرض الملابس، وكنا نركز في ملابس الشخصية بعيدا عن العري والابتذال».

تحمل الفنانة هند رستم ذكريات عن علاقتها بنجوم ونجمات جيلها، على الرغم من أنها تعترف بأنها غير اجتماعية، وعن ذلك تقول: «العمل له علاقات، والحياة الشخصية لها علاقات مختلفة تماما، وعن نفسي لم أكن أحب التجمعات أو الظهور في المناسبات المختلفة، على الرغم من علاقتي الجيدة مع زملائي التي بُنِيت على الحب والاحترام والأدب، ولكنها كانت تنتهي بمجرد انتهاء العمل.. كنا نحترم بعضنا في ذلك، ولم يغضب مني أحد، ففي ذلك الوقت كانت توجه لي دعوات لحضور بعض الحفلات، فكنت أقبلها أو أرفضها ولا أحد يعقب على قراري، ولم يشك مني زملائي لأنه كانت تربطنا علاقات طيبة جدا».

وتكمل: «الوسط الفني كان مليئا بالاحترام والأدب، فعندما كنت أجلس في البلاتوه ويدخل الفنان حسين رياض كنت أعتدل في جلستي فورا، وكانت هذه أقل الأشياء التي يمكن أن تحدث، على عكس ما يحدث الآن، فالموازين مقلوبة تماما! كما أذكر أن رشدي أباظة وفريد شوقي قالا لي إنهما عندما يذهبان للتعاقد على عمل جديد ويجدون اسمي تنتابهم سعادة بالغة للعمل معي».

على الرغم من وجود الكثير من النجمات اللائي عاصرتهن هند رستم، فإنها ترى أنهن لم ينافسنها، تقول: «لم ينافسني أحد، من الممكن أن يعتبروني مغرورة، ولكني كنت أركز في عملي فقط وهذا كان سر نجاحي، بخلاف ما يحدث الآن، فالجميع يركز على غيره ولا ينظر إلى أعماله».

وتواصل ذكرياتها مع الفنانين قائلة: «أنا من عشاق الفنان أحمد رمزي، ولي حفيد في شقاوته وحفيد آخر في اتزان عماد حمدي، وبالمناسبة عماد حمدي كان شقيا أيضا وأوقعني في مشكلة أثناء تصوير أحد الأفلام، فكان من المفترض أن نأخذ إجازة العيد ليوم واحد، فعماد قال: (لا ينفع أن نأخذ يوما واحدا.. نريد ثلاثة أيام.. ولكننا نحتاج إلى أحد ليقول للمنتج والمخرج)، وقال لا يوجد أحد غير هند رستم لأنهم لن يرفضوا لي طلبا، وذهبتُ بالفعل فرفض المنتج بشدة، وفوجئت بأن عماد حمدي يؤيد رأي المنتج وقال: (طبعا لا يجوز أن نأخذ ثلاثة أيام)».

على الرغم من أنهما من جيلين مختلفين ولم يتقابلا إلا في عمل واحد، إلا أن هند رستم ترى أن سعاد حسني كانت ممثلة جيدة تجيد الكوميديا والتراجيدي، وتعتقد أنها تستحق لقب السندريلا، فهي الأنسب لهذا اللقب ولا يوجد أحد يصلح له غيرها. وعلى العكس، ترفض أن تلقَّب فاتن حمامة بسيدة الشاشة العربية، فإطلاق هذا اللقب لا بد أن يتضمن قيامها بجميع الأدوار - الراقصة والشقية والدلوعة - ويجب أن تجيد كل الأدوار ولا تكتفي بقيامها بأدوار المغلوبة على أمرها والمظلومة دائما، فكان يجب أن تتلون بأدوار أخرى، فمثلا محمود المليجي أدى دور السارق وابن البلد والباشا وتألق في جميع الأدوار.

تعيش هند رستم الآن مع هذه الذكريات بعيدا عن أعين الإعلام، وتجد سعادتها مع ابنتها وأحفادها الذين تحتفل معهم في كل عام بعيد ميلادها وتكون سعيدة بالاحتفال معهم، ولا تنكر أنها في وقت من الأوقات تمنت الرحيل عن مصر وذلك بعد موت الرئيس محمد أنور السادات، الذي تقول عنه: «كنت أعشق هذا الرجل على الرغم من عدم مقابلتي له، ولكنه كان صريحا جدا ومتواضعا وابن بلد، وما زلت أحبه حتى الآن».