البصرة تعيش نهضة سياحية واستثمارية تنافس بها كردستان العراق

مطاعم عائمة وكازينوهات ومدن ألعاب في «مدينة الذهب الأسود»

من المأمول أن ينعكس الرواج السياحي الترفيهي في البصرة على الحركة الاقتصادية
TT

«مدينة الذهب الأسود» أو كما يسمونها «ثغر العراق الباسم»، بدأت أخيرا تنفض عن نفسها غبار الإهمال للتحول إلى بؤرة للنشاط السياحي والاستثماري.

فالمار بالقرب من كورنيش شط العرب يرى مطاعم عائمة، وعند توجهه إلى شارع الجزائر (أهم الشوارع التجارية وسط البصرة) يشاهد حركة إعمار كبيرة، فهناك شهريا يفتتح أكثر من ثلاثة مطاعم بتصاميم وطرازات معمارية مختلفة، وفي غرب المدينة بالقرب من ميناء المعقل هناك أكبر مدينة ألعاب في جنوب العراق (بصرة لاند) بالإضافة إلى أماكن كثيرة للسياحة الدينية؛ فبالقرب من الزبير هناك جامع الإمام علي ومرقد الصحابي الجليل طلحة بن عبيد الله وفي الزبير نفسها مرقد الصحابي الجليل الزبير بن العوام الذي سميت المدينة باسمه.

وانعكس الرواج السياحي في البصرة بشكل كبير على الحركة الاقتصادية. ويقول محافظها الدكتور شلتاغ عبود إن «النفط لو جف في العراق، فإن هناك مصادر بديلة ومنها السياحة»، مشيرا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «السياحة لها فرص أكبر في البصرة، فالسياحة الدينية والسياحة العامة بدأت تزدهر في المدينة».

من جانبها، قالت رئيسة لجنة السياحة والآثار في مجلس محافظة البصرة زهرة البجاري إن «المجلس ينظر بعين الاهتمام إلى تنشيط واقع السياحة من خلال دعم شركات السفر والسياحة». ودعت إلى تدارس المشكلات التي تواجه قطاع الفندقة والسياحة في البصرة بشكل جدي. وقالت إن أصحاب الفنادق الصغيرة في المحافظة تعهدوا بزيادة القدرة الاستيعابية لفنادقهم وتقديم خدمات أفضل للوافدين.

وكان مستثمرون محليون قد أنشأوا متنزهات وكازينوهات عائلية في البصرة، كمتنزه «بشائر» التجاري وحديقة «الجزائر» و«الزبير لاند» و«بصرة لاند»، بالإضافة إلى المشاريع التي أقيمت على كورنيش شط العرب حيث اعتاد البصريون رؤية زوارق قديمة راسية منذ زمن، وافتتحت مطاعم عائمة مؤخرا؛ منها سفينة «السلام» التي تضم مطاعم وقاعات للمؤتمرات والأعراس وتقوم بنزهات نهرية يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع. ويقول حيدر أحمد (30 سنة) وهو موظف حكومي إن «فكرة السفينة العائمة والتجوال في مطعم وأنت في الماء جديدة على المواطن البصري». ويضيف أن «سعر التذكرة للرحلة الواحدة هو 10 آلاف دينار للشخص الواحد، وهذا المبلغ ممتاز ولا يؤثر على دخلنا لأننا موظفون ورواتبنا جيدة»، وزاد: «هذه هي المرة الخامسة التي أذهب فيها مع زوجتي وأطفالي في رحلة على ظهر سفينة (السلام) خلال فترة أقل من شهرين، وأعتقد أن هذا المشروع السياحي يفي بالغرض ويجنبني دفع أموال أكثر إذا ما حاولت أن أفكر في السياحة خارج البصرة».

أما المواطن سلام العيداني (25 سنة)، وهو صاحب مطبعة وشركة للإعلانات في البصرة، فيقول إن «السياحة في البصرة ضعيفة لأن القادم إلى المدينة من بغداد أو شمال العراق أو حتى من خارج العراق لا يرى أماكن أفضل أو حتى تقارن مع ما هو موجود هناك». ويضيف: «لم ألتق بأحد قدم إلى البصرة لغرض السياحة وإنما الموجود في البصرة، خاصة الأماكن المخصصة للشباب، بديل عن لا شيء وليس متنفسا لهم»، وتابع: «كيف تزدهر السياحة في البصرة والشوارع ضيقة والخوف من الوضع الأمني الهش موجود؟ لا أعرف»، مبينا أنه «حتى الأماكن الموجودة، أسعارها تعتبر غالية خاصة مطاعم السمك التي كانت تشتهر بها المدينة سابقا. فعلى سبيل المثال، وجبة غداء من سمك الزبيدي لـ5 أفراد في مطعم عادي جدا تكلف حتى 175 ألف دينار عراقي أي أكثر من 150 دولارا أميركيا، ولو قارناها بالوجبة نفسها في مكان سياحي بسورية أو إيران لوجدنا أن الغلاء في البصرة فاحش».

من جانب آخر، أشار مدير العلاقات العامة والإعلام في مدينة البصرة الترفيهية «بصرة لاند» عبد العزيز الفرج إلى أن «المدينة استقبلت أكثر من 100 ألف شخص في كل يوم من أيام عيد الفطر الماضي»، مبينا أن «(البصرة لاند) لها دور كبير في تنشيط السياحة في المدينة، فهناك يوميا أناس يأتون من محافظات عراقية مختلفة والهدف من زيارتهم الاستمتاع بما هو موجود في المدينة».

وبلغ التطور السياحي في البصرة حد تخصيص الأماكن، فهناك أماكن خاصة بالطبقات الراقية من المجتمع، وهناك أماكن مخصصة للطبقات الأقل؛ فعند مدخل شارع الجزائر هناك كازينو ذو ألوان زاهية يحمل اسم «VIP»، اختصارا لعبارة إنجليزية تعني «الأشخاص المهمون جدا»، افتتح قبل أكثر من سنتين، فالاسم ظل يثير فضول أبناء المدينة الذين يحاولون دخوله لمعرفة أسراره. ويقول صاحب الكازينو، رجل الأعمال البصري محمد عزمي، إن «أغلب رواد الكازينو من كبار شخصيات المدينة، والفكرة جاءت لغرض إيجاد مكان يليق بسمعة أغنى مدن العراق»، وتابع أن «المكان أثار فضول كثيرين، لكن ما زال يحافظ على سمعة جيدة بين أوساط رجال الأعمال في المدينة، وذلك بسبب الخدمات المميزة التي يقدمها والهدوء الموجود في المكان، على الرغم من أنه موجود في بشارع يعد القلب الاقتصادي للمدينة، خاصة في الليل».

والقادم إلى المدينة، خاصة من غاب عنها فترة طويلة، يشاهد تغيرا واضحا في معالمها العمرانية وكثرة في عدد المطاعم والأماكن السياحية التي صار يقصدها مؤخرا عدد كبير من أبناء المحافظات العراقية القريبة من البصرة، التي، وبحسب مراقبين للحركة السياحية، من المتوقع أن تصبح مركزا سياحيا مهما، خاصة في فصل الشتاء لما تتمتع به من مناخ جيد ودافئ لتنافس بذلك إقليم كردستان.