قرار «ثوري» وتاريخي للمحكمة العليا في بريطانيا باعترافها بصحة اتفاقات ما قبل الزواج

الحكم في قضية رادماشر ــ غراناتينو يؤشر لانسجام قضائي مع باقي أوروبا

كاثرين رادماشر خارج المحكمة العليا في لندن (أ. ب)
TT

قلة من المراقبين استغربت اهتمام الصحافة البريطانية بالحكم الذي أصدرته المحكمة العليا في لندن هذا الأسبوع، في قضية الثرية الألمانية كاثرين رادماشر ومطلقها الفرنسي نيكولا غراناتينو، التي اعترفت خلاله المحكمة العليا بصحة اتفاق موقّع قبل الزواج بين الطرفين والقبول بمضمونه.

ففي بلد كبريطانيا، حيث تصبح السوابق القانونية جزءا من القانون العام، غدت الاتفاقات التي يوقعها الزوجان قبل الزواج، لأول مرة، نافذة المفعول. وبذا، تلحق بريطانيا بركب معظم دول أوروبا، وفي طليعتها ألمانيا وفرنسا، بلدا الزوجين السابقين المتقاضيين.

القضية بدأت عام 1997 عندما التقت رادماشر (41 سنة حاليا)، وهي ابنة رجل أعمال وصناعي ورق ألماني ثري، المصرفي الفرنسي غراناتينو (39 سنة)، وهو ابن عائلة ميسورة ولكن دون مستوى ثراء عائلة رادماشر، في أحد المرابع الليلية في العاصمة البريطانية. وخلال فترة قصيرة تولد فيها عند رادماشر – على الأقل – حب عاصف، ومن ثم تزوج الاثنان عام 1998. غير أن والد العروس أصر في حينه على ابنته أن توقع وعريسها اتفاقية مكتوبة تنص على ألا يسعى أي منهما إلى مطالبة الطرف الآخر بأموال في حال انفصلا. وبرر الأب ورجل الأعمال المحنك لابنته إصراره بأن توقيع الاتفاقية يؤكد أن الغاية من ذلك الزواج هو الحب لا الطمع في المال. وهذا بالضبط ما حصل.

غير أن العلاقة الزوجية بين الزوجة الألمانية والزوج الفرنسي، المقيمين ببريطانيا، والتي أثمرت عن إنجابهما طفلتين؛ هما: «كيارا» (11 سنة) و«كلوي» (8 سنوات)، أخذت تفتر. ومن ثم بدأت تتدهور. وكان من المفاصل المهمة في التدهور ترك نيكولا وظيفته كمصرفي استثمارات في مؤسسة جي بي مورغان المصرفية الأميركية العالمية، حيث كان يتقاضى مرتبا يبلغ 325 ألف جنيه سنويا ليسجل نفسه كطالب دكتوراه في تخصص التكنولوجيا الإحيائية (البيوتكنولوجي) في جامعة أوكسفورد. غير أنه على الرغم من تفرغه لم ينجز شيئا – حسب كاثرين – وبدا كأنه يريد أن يكون طالبا متفرغا طوال العمر، متمتعا بثروة زوجته.

وبالفعل، أدى التدهور في العلاقة الزوجية ووصولها إلى طريق مسدود إلى وقوع الطلاق عام 2006. وفورا ادعى نيكولا أنه يحق له تعويض مالي من مطلقته، وبالنتيجة حصل منها بحكم قضائي على مبلغ 5.85 ملايين جنيه بجانب منزل في ألمانيا. غير أن كاثرين استأنفت الحكم في محكمة الاستئناف على أساس صحة الاتفاقية الموقعة قبل الزواج، وكسبت القضية في الاستئناف التي اعتبرت ضمنيا أنه لا يجوز أن تبقى بريطانيا في موقع مخالف لباقي أوروبا في هذا الشأن، وخفضت قيمة التعويض المحكوم به لنيكولا إلى مليون جنيه كنفقة (جانب 2.5 مليون جنيه كقيمة للمنزل).

ومن هنا رفعت القضية إلى المحكمة العليا، التي أيدت حكم محكمة الاستئناف. وحسب مصدر قضائي في لندن، وقف تسعة من أصل القضاة العشرة في المحكمة العليا لصالح تأييد الحكم والاعتراف بصحة الاتفاقية الموقعة قبل الزواج، ومن ثم بإلزاميتها. واستند القضاء إلى واقع أن طرفي الاتفاقية، أي الزوجين المطلقين لاحقا، وقعاها بمحض إرادتيهما ورضاهما، وكانا يدركان تبعات ما اتفقا عليه. وهكذا، لن يحصل نيكولا غراناتينو إلا على مبلغ 35 ألف جنيه كنفقة عن كل من الطفلتين، ومنزل مدفوع الثمن في لندن وعقار آخر في فرنسا إلى حين بلوغ الطفلة الصغرى «كلوي» سن الـ22 بعد 14 سنة من الآن. كذلك دفعت كاثرين ديون نيكولا البالغة 700 ألف جنيه.

سايمون بروس، رئيس قسم قانون العائلة في شركة المحاماة «فارر آند كو»، التي توكلت عن كاثرين رادماشر في القضية، قال بالأمس في لندن، حيث مقر الشركة، إنها كانت سعيدة جدا بالحكم. في حين صرح أحد محامي شركة «شيلينغز» للمحاماة، وهي أيضا لندنية، بأن الحكم «ثوري»، وسيؤدي إلى تزايد كبير في ظاهرة اتفاقات ما قبل الزواج.

ولكن في المقابل، انتقدت المحامية برندا لونغ، الشريكة في شركة «بلاندي آند بلاندي» للمحاماة، الحكم معتبرة أن المحكمة العليا خرجت عن الحدود الواجب عليها الالتزام بها، «وبدلا من تفسيرها القانون، فإنها سنت قانونا جديدا». وفي هذا السياق، يرى المحامي إدوارد ريد، من شركة «ماكفارلين» للمحاماة أن اتفاقات ما قبل الزواج لن تصبح في المستقبل قانونا ملزما من دون وجود تشريع (برلماني) يجيزها.