استعراض فرقة ذوي الاحتياجات الخاصة الصينية في مسقط يؤكد أن الفن لا يقف عند حدود الإعاقة

مديرة الفرقة: نسمع الموسيقى على طريقتنا من خلال الإشارات وذبذبات الصوت

جانب من عرض فرقة ذوي الاحتياجات الخاصة الصينية في عمان («الشرق الأوسط»)
TT

ألغت فرقة ذوي الاحتياجات الخاصة الصينية للفن الأدائي كل الأفكار والتساؤلات التي تتسابق في الأذهان حول قدرة الأصم أو فاقد البصر على احتراف الرقص والغنــــــــــــاء والعزف، ليقدم في المقابل أفرادها ألف سؤال وسؤالا حول كيفية إتقانهم عملهم باحتراف مدهش.

قدمت هذه الفرقة، الأكثر شهرة في العالم؛ كونها تتألف فقط من ذوي الاحتياجات الخاصة، عرضها الاستعراضي «حلمي» في العاصمة العمانية مسقط بدعوة من دار الأوبرا السلطانية. وهي تتألف من 110 فنانين قدموا لوحات فنية مبهرة غنية بالحركات الأدائية الدقيقة وبالألوان والموسيقى الهادئة.

وعلى الرغم من مرور عقد من الزمن على إطــــــــــلاق هذا العمل الفني الذي جـــــال أكثر من 60 دولة حول العـــــــــــــــــالم فإنه ما زال يلقى القبول والإعـــــــــــجاب.

وتبدو «تاي لي هوا» مديرة الفرقة، التي كانت تشرف على التدريبات والبروفات تحضيرا للحفل في مسقط، في غاية الهدوء والثقة، فهي الحاصلة على دبلوم في الفنون الجميلة وهي المنسقة الفنية للفرقة والتي تقوم بتصميم وتنسيق الرقصات ومتابعة التدريبات. وتقول في لقاء مع «الشرق الأوسط»: إن جميع أعضاء الفرقة يخضعون لتدريب يومي لنحو خمس ساعات يحافظون خلاله على لياقتهم البدنية ويتعلمون كجماعة على مختلف الحركات الراقصة.

ويعتمد القائمون على هذه الفرقة أساليب مختلفة في التدريب تساعد في إعطاء فاقدي السمع الحس بالموسيقى قدر الإمكان وهم يعتمدون في ذلك على قرع الطبول على أرضية خشبية بحيث يشعر الراقصون بذبذبات الصوت كما يقف على جانبي المسرح معلمان يقومان من خلال لغة الإشارات بإرشاد الراقصين إلى توقيت خطواتهم تبعا للموسيقى. كما أن مراحل التدريب تقوم أيضا على تلقين الراقصين تعابير الوجه لإكمال عملية التفاعل مع الموسيقى والتي تعتبر أمرا أساسيا في الفنون الأدائية.

وتقول «لي هوا»: إن نجاح استعراض «حلمي» يؤكد أن فاقد السمع قادر على الإحساس بالموسيقى والتمايل على أنغامها وإتقان الرقص تماما كأي شخص آخر، كما يؤكد أن أصحاب الإعاقات الأخرى، مثل الشاب الذي فقد يديــــــــــــــــــه، قادرون أيضا على أداء فن جميل ومتقن. «فنحن نسمع الموسيقى على طريقتنا من خلال الإشارات والذبابات التي يحدثها قرع الطبول على الأرض، وهذا كان أول طريقي بالتعرف على الموسيقى عندما كنت في الســـــــــــــابعة من عمري».

وتوضح أن الفرقة تستقبل ذوي الاحتياجات الخاصة ابتداء من عمر اثنتي عشرة سنة وعلى الرغم من وجود إقبال كبير على التسجيل في صفوف هذه الفرقة فإنها تؤكد أن الانضمام إلى هذه الفرقة يتطلب الكثير من العمل والجهد والحب للفنون والموهبة أولا. فجميع أعضاء الفرقة يتابعون تحصيلهم العلمي أو سبق أن نالوا شهادات في الفنون الجميلة أو الفنون الأخرى.

ويبلغ متوسط أعمار أعضاء الفرقة 27 عاما، وهناك نحو 60 فردا من أصل 110 من فاقدي السمع. وهي تقدم مختلف الفنون الراقصة من الرقص التقليدي الصيني إلى الباليه والرقص اللاتيني والرقص المعاصر، أما العازفون والمغنون فيقدمون أيضا مقطوعات موسيقية كلاسيكية وأخرى لأغان معاصرة وأغــــــــــــــان صينية. وفي حفلهم في مسقط قدموا أيضا عزفا موسيقيا لواحدة من أغاني الفنان عبد الحليم حافظ، كما قــــــــــــــــــــــام أحد الفنانين فاقدي البصر بتأدية أغنية محمد منير «علي صوتك».

كانت هذه الفرقة التي أعطتها منظمة «اليونيسكو» لقب «فنان اليونيسكو من أجل السلام»، قد انطلقت عام 1987؛ حيث سمح لنحو 30 فردا من ذوي الاحتياجات الخاصة من المحبين للفنون بالمشاركة في مهرجان الصين الأول للفنون وتأســـيس فرقة خـــــــــــــاصة بهم. وخلال سنوات البداية كان هدف فنانيها الأساسي هو الترويج لفكرة المساواة والمشاركة وقدرتهم على التجاوب مع محيطهم. وفي عام 2004 خطت الفرقة أكثر نحو الاحتراف وتخلت عن الإعانات الحكومية لتعتمد على تمويل ذاتي من مردود حفلاتها وبدأت بالتوجه أكثر نحو تقديم عروضها في بلدان عالمية مختلفة. وقامت بعدها بإنشاء صندوق خيري لمساعدة الآخرين بما تحققه من أرباح من عروضها وتجاوزت تبرعاتها ملايين الدولارات داخل الصين وخارجها.

وتقول «لي هوا»: «أدرك أن العديد من الجمهور يأتي ليكتشف ما يستطيـــــع أن يقدمه ذوو الاحتياجات الخاصة، لكنهم بعد ذلك يخرجون أكثر إدراكا بقدرة هذه الفئة من الناس، وهذه هي الرسالة التي نود تقديمها إلى العالم أجمع؛ فاختلافنا لا يعني أننا أشخاص غير قادرين أو غير محظوظين وإنما أفراد تعوزهم بعض الحاجيات فقط. فرسالتنا كانت وستبقى نشر السلام والمحبة في العالم».