«مهرجان الدوحة السينمائي».. افتتاح حاشد بفيلم عن «الثورة الجزائرية»

51 فيلما من 35 بلدا على مدار 5 أيام

TT

الدوحة تضرب عصفورين بحجر واحد، فقد افتتحت يوم أول من أمس، مهرجانها السينمائي للسنة الثانية على التوالي بحفل كبير، مستقطبة كبار النجوم العرب والغربيين، مستقبلة إياهم في «الحي الثقافي» الذي يدشن للمرة الأولى بحدث على هذا المستوى الرفيع. إنجازان إذن، أرادت العاصمة القطرية تسجيلهما، بوجود حشد إعلامي كبير ينقل الخبر مباشرة إلى كل أنحاء العالم. «مهرجان الدوحة ترايبكا السينمائي» الذي بات، بحسب المنظمين، على الرغم من تجربته القصيرة ينافس مهرجانات المنطقة، لا بل ويسعى لتجاوزها. و«الحي الثقافي» الذي أقيم به الافتتاح بات واقعا نابضا، وسيتحول مع الوقت إلى مركز يلفت الأنظار، بقدرته على استقطاب مبدعي العالم في مختلف أنواع الفنون.

على السجادة الحمراء عبر كبار النجوم، مساء الثلاثاء، كما يليق بمهرجان كبير يستقطب المشاهير من الممثلين وصناع الأفلام. عادل إمام يتأبط ذراع نبيلة عبيد، ويمازح جمهوره الذي جاء ينتظره بالكاميرات والهتافات، يسرا لا تكف عن المزاح ولا تخيب من جاءوا للقائها، وهناك أيضا الشهيرة سلمى حايك، واللبنانية كارمن لبس، إضافة إلى لبلبة، ورجاء الجداوي، وآخرين كثر.

2800 متفرج جاءوا لمتابعة الحدث، وتوزعوا على ثلاث صالات: صالة «دار الأوبرا» التي خصصت للنجوم، وأخرى مجاورة لها، نقلت إليها مراسم الحفل كما المسرح المفتوح الذي يتسع لألفي شخص، ودعي إليه مجانا كل من يرغب في متابعة الافتتاح. وتحدثت في الحفل المديرة التنفيذية للمهرجان أماندا بالمر، معربة عن سعادتها مشاركة المجتمع في هذا الحدث. وطالب الشيخ جبر بن يوسف آل ثاني، عضو مجلس إدارة «مؤسسة الدوحة للأفلام»، في كلمته، المخرجين والممثلين والمنتجين بدعم المواهب القطرية في مجال السينما والاستفادة مما يوفره الحي الثقافي من إمكانات، معتبرا أن مهرجان الدوحة يتميز عن غيره من المهرجانات، بأنه يبقى على مدار العام فاعلا، سواء بالتأهيل أو التمويل السينمائي أو التعليم. وجدير بالذكر أن «مؤسسة قطر للأفلام» بولادتها أصبحت نافذة لصناع الأفلام العرب الذين يبحثون عن تمويل لإنتاج أفلامهم، كما أنها تدرب وتعلم من يرغب في امتهان السينما أو صنع أفلامه. ويأتي المهرجان لتكتمل الحلقة، حيث إن عددا من الأفلام القطرية، التي تم إنتاجها هذه السنة، سيتم عرضها.

اختير فيلم رشيد بوشارب الشهير «خارج عن القانون» للافتتاح. اختيار يحمل في حد ذاته دلالاته، فالفيلم أغضب الفرنسيين عند بدء عرضه في مارس (آذار) الماضي، بسبب تصويره اضطهادهم للجزائريين وارتكابهم المجازر في حقهم أثناء ثورة التحرير.

وتحركت موجة عداء ضده من اليمين واليمين المتطرف في فرنسا، في محاولة لمنع عرضه، باءت بالفشل. واكتشف جمهور مهرجان الدوحة السينمائي، أول من أمس، كم العنف الذي صوره بوشارب وتركيزه على المجازر وعمليات القتل الجماعي التي ارتكبها الفرنسيون والاستهتار بحياة الجزائريين ومعاملتهم من دون رحمة. الفيلم يصور بشكل أساسي نضال الجزائريين على الأراضي الفرنسية وفي باريس، وهو ما يعتبره المخرج أول محاولة لتصوير المناضلين الجزائريين في قلب فرنسا. اختيار موفق لفيلم قوي تقنيا وتصويريا، يحمل قضية، ولا يتخلى عن الجانب الإنساني العميق.

وكانت الدوحة قد امتلأت بالإعلانات التي تشجيع المواطنين على المشاركة في المهرجان، وتصدرت صور الممثلين والمخرجين من الضيوف، بأحجام عملاقة وبشكل فني - واجهات المباني، وجوانب الطرقات والمراكز التجارية. وهي صور التقطتها ببراعة الفرنسية بريجيت لاكوب ضمن مشروعها الهادف إلى التوثيق بالصورة لوجوه صناع الفيلم ونجومه في العالم العربي. كما علقت يافطات كبيرة تحمل شعار المهرجان «أنا الفيلم»، أو تتصدرها عبارة «مدينتك معرض لإبداعك»، في محاولة لحث القطريين على اعتبار أنفسهم جزءا أساسيا من المهرجان، ومن مشروع صناعة السينما في قطر التي يبدو أن الدولة ماضية في تمويلها بسخاء، بحثا عن مواهب جديدة يمكنها أن تلمع في فضاء الفن السابع.

وحثا للمواطنين على الاهتمام بالسينما خصص يوم الجمعة المقبل للعائلات، حيث ستقام ورشات عمل، ونشاطات مختلفة تطلع الحاضرين كبارا وصغارا على كيفية صناعة السينما، وتقربهم من التمثيل والتصوير والمؤثرات التي يعرفونها على الشاشة، ونادرا ما أتيحت لهم فرص اختبارها.

صحيح أن هذا المهرجان يعرض الكثير من الأفلام الكوميدية والمضحكة، إلا أن ثمة أفلاما كثيرة تركز على هموم الإنسان العادي، أو تلقي النظر على قضايا كبيرة. بمعنى أن الأفلام جاءت مختلفة ولكل الأذواق. وسيتمكن متابعو المهرجان من رؤية 51 فيلما تمثل نحو 35 دولة، على مدار خمسة أيام. وتنظم للمرة الأولى مسابقة للأفلام العربية، حيث تتنافس عشرة أفلام. وهناك 33 فيلما تعرض تحت عنوان «البانوراما العالمية»، و9 أفلام تعرض ضمن مسابقة الأفلام العربية القصيرة، و6 أفلام ضمن العروض الخاصة، بينها أفلام كبيرة ومنتظرة سبقتها شهرتها مثل «نسخة طبق الأصل» للمخرج الإيراني عباس كيارستمي. كما سيتم عرض فيلمين لعادل إمام مساء الجمعة المقبل، وهو النجم العربي الأبرز في المهرجان تكريما له. ويكرم عادل إمام، الذي يشارك في مختلف الفعاليات، من قبل المنظمين في الدوحة بمناسبة مرور 40 عاما على مسيرته الفنية الحافلة.

مهرجان الدوحة هو الثالث خليجيا بعد مهرجان دبي، ومن ثم مهرجان أبوظبي الذي بدأ أعماله سنة 2007، وها هو مهرجان الدوحة ترايبكا في سنته الثانية ممتلئا طموحا. فبعد ثلاثين فيلما عرضت في الدورة السابقة، ها هو المهرجان يعرض أكثر منها بعشرين، بينما وجهت الدعوات لأكثر من 300 شخص وصلوا إلى الدوحة بهذه المناسبة مع فريق عمل يتجاوز المائتي شخص، عدد غفير منهم آتٍ من خارج قطر للمشاركة في العمل والتنظيم. والمهرجان هو شراكة بين «مؤسسة قطر للأفلام» و«مهرجان ترايبكا السينمائي» في نيويورك الذي كان أحد مؤسسيه الشهير روبير دي نيرو، بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول). وروبير دي نيرو ليس بعيدا عما يحدث في الدوحة، إذ لإنه سيصل - حسب ما يتردد - قبل نهاية المهرجان، ومن بين نشاطاته في العاصمة القطرية تدريب سينمائيين شبان وتأهيلهم.