مهمشون في مدن القناة المصرية يواصلون «أزمنة الغجر»

يعيشون على أطراف المدن.. والقمر مصدر الضوء الوحيد لخيامهم

رغم الصعاب.. المرح والبساطة سمة حياة المهمشين على أطراف مدن القناة بمصر («الشرق الأوسط»)
TT

للوهلة الأولى يذكرونك بحياة «الغجر» على أطراف المدن والبلدان، فحياتهم سفر دائم، بين بلدة وأخرى، في كل بلدة يحطون رحالهم بها، لا يمكثون سوى شهرين، بعدها سرعان ما يشدون الرحال إلى منطقة أخرى. لا يملكون شيئا غير ما يعينهم على شظف الحياة ويجعلهم قادرين على الاستمرار فيها، دون أن يطلبوا يد العون من أحد. حتى إنه إذا مر عليهم أحد اعتقد أنهم من البدو أو الأعراب، فهم يشبهونهم في الكثير من حيث الخيمة التي تجمعهم تحتها، والأغنام والطيور التي حولهم، وربما فيما يرتدونه من ثياب، لكنك إذا جلست معهم واقتربت منهم أكثر اكتشفت أنهم ليسوا سوى مجموعة من الإخوة ورثوا مهنة أبيهم وأجدادهم في رعي الأغنام والمواشي، المهنة التي تتطلب الترحال والسفر بحثا عن العشب والزرع الذي يجدون فيه ضالتهم.

فهكذا، بين البحث عن الكلأ والاستقرار المؤقت العابر يقضي هؤلاء الرحالة حياتهم ذهابا وإيابا بين مدن قناة السويس. غير عابئين بتغيرات سياسية، ولا تطورات اقتصادية، كل ما يعنيهم أن يظل خيط الحياة موصولا تحت أقدامهم المتربة العجفاء.

«فطومة».. سيدة قاربت الخمسين من عمرها لا تخيفها خيمتها البسيطة المصنعة من بقايا الأقمشة والعبوات البلاستيكية، ولا تخجل من أعين الناس حين يمرون بها لبعض الوقت. كبقية السيدات تعتمد في إضاءتها على ضوء القمر، تقول فطومة: «ضوء القمر يكفينا عشرين يوما في الشهر وباقي الشهر نكمل معيشتنا من الضوء الصادر من الطريق ومن بيوت الناس القريبة منا».

وتقول أم محمد: «نحن ثلاث زوجات لثلاثة إخوة يكسبون رزقهم من رعى الأغنام، نأكل ونشرب ونبيع ونشتري من عائد ألبان الأغنام التي نرعاها.. وربنا رزقه واسع، وبيحفظ الغلابة».

تأمل أم محمد في أن تجد وظيفة لزوجها وإخوته حتى يستقروا في مكان يحميهم من مخاطر الأماكن التي يحطون رحالهم بها، فهي ترى العقارب والحشرات في كل مكان، والخيمة لا تسترهم من أعين الناس، ولا تقيهم من الأمطار والعواصف.

يقوم هؤلاء المهمشون برعي الأغنام وتربية الطيور، ودائما يتحركون في مجموعات من الإخوة وأبناء العمومة، ورثوا مهنة أبائهم وأجدادهم في رعي الأغنام بما يجعلهم رحالة دائما بين القرى والمدن بحثا عن العشب والزرع الذي يجدون فيه ضالتهم.

على جانب الخيمة الأخرى وقفت عيشة سلمان تمسك بيدها عودا من الثقاب تحاول أن تشعل به موقدا صغيرا من الكيروسين حتى تتمكن من طهي الطعام لصغارها ولزوجها العائد من الرعي، بعد يوم طويل قضاه يرعى أغنامه في الطرقات بين منازل القرية المجاورة، لمكان خيمتهم.

تقول عيشة: «كنت أتمنى أن يدخل ابني محمد ذو الستة أعوام المدرسة هذا العام، لكن أمام رفض زوجي اضطررت للتخلي عن حلم تعليمه فزوجي يعلل عدم دخوله المدرسة بكثرة الترحال من مكان لآخر وعدم الاستقرار في أي مكان لأكثر من شهرين في أماكن غالبا ما تكون بعيدة عن الحضر وعن المدارس». وتضيف: «زوجي يعتقد أنه لا جدوى من التعليم لأن ابننا الأصغر متعلم ومع ذلك يعمل في رعي الغنم لدخلها المرتفع الذي تدره بالمقارنة بأي وظيفة أخرى».

وعلى بعد خطوتين تقف «حنان» فتاة يافعة لم تتعد الثانية عشرة من عمرها، ارتدت ثيابا مزينة بالألوان، وأمسكت في يدها جهاز جوال تحاول أن تقلب فيه لتتمكن من فك طلاسمه واستخدامه بكافة إمكاناته لكنها دائما ما تفشل فكل ما يمكنها أن تدركه أن الزر الأخضر للرد على المكالمات الصادرة والأحمر لغلق المكالمات. تقول حنان: لم أدخل المدرسة ولا أعرف القراءة ولا الكتابة فأبي كان رافضا تعليمي لكثرة ترحالنا من مكان لآخر.

وتضيف: كنت أشاهد الفتيات في مثل سني أثناء التنقل من مكان لآخر وهن يرتدين ملابس المدرسة ويحملن كتبهن وكنت أتمنى أن أكون معهن، لكن حياتنا دائما تمنعنا من ممارسة ما يمارسه الآخرون.

وتقول الدكتورة ميرفت محمد، أستاذة علم اجتماع بجامعة قناة السويس، إن قبائل البدو تعتمد عادة على الرعي فهم يمتلكون ثروة حيوانية ويسيرون بحثا عن المراعي، ويأخذون ما يكفيهم من الطعام أثناء سيرها، فقد يسيرون ثلاث أو أربع ليال متواصلة في الصحراء لذلك يستعينون بالأكل المجفف سواء كان لحما أو غيره ويحفظونه في السمن حتى لا يتلف من طول المدة.

وتضيف أن انتشار القبائل في الصحراء الغربية لا يقارن بشرق مصر وسيناء من حيث أعدادهم وانتشارهم، خاصة قرب الإسكندرية ومدينة مطروح التي كانت موطنا لقبائل البدو ثم تحولت شيئا فشيئا إلى مدينة حضارية، ساعد ذلك بدوره في تطوير سلوك بعضهم ورقيه بدرجة قد تقترب من أهل الحضر العاديين.

من أشهر القبائل البدوية قبيلة «أولاد علي» التي توجد في الصحراء الغربية وحتى حدود ليبيا، حسبما تقول الدكتورة ميرفت.

وتضيف أيضا أن انتماء الفرد لقبيلته يكون أكثر من انتمائه لوطنه، فهو يخضع لعادات وتقاليد القبيلة ويعتبرها قانونا له، حتى ولو كانت تخالف القانون الوضعي السائد في بلده، والغريب أن عادات قبائل سيناء وشرق مصر لا تختلف كثيرا عن عادات قبائل الصحراء الغربية، ومن هذه العادات «احترامهم لكبار القبيلة وللأعراض».

وتضيف أنهم في الغالب ليسوا متعلمين ويمتهنون مهنا خاصة بهم أهمها الرعي ويقيمون على أراض معظمها بوضع اليد.