المحطات التلفزيونية تدخل طرفا في الصراع السياسي في أميركا

مسيرة في واشنطن تخلط الفن والسياسة والكوميديا

التجمع الحاشد من أجل استعادة العقل و/ أو الخوف» الذي نظمه جون ستيوارت وستيفن كولبير جذب مئات الآلاف من الأميركيين (أ.ف.ب)
TT

كانت الحشود التي تدفقت على حديقة «ناشيونال مول» للمشاركة في «التجمع الحاشد من أجل استعادة العقل و/ أو الخوف» الذي نظمه جون ستيوارت وستيفن كولبير يوم السبت، أشبه بجمهور السيرك أو العروض المسرحية أو المسيرات الحاشدة في أيام العطلات وجعلت منه حدثا سياسيا لا مثيل له.

لقد كان تجمعا ديمقراطيا من دون أن يشارك فيه أي سياسي ديمقراطي، وكان بطلاه اثنين من النجوم الكوميديين، هما: ستيوارت وكولبير، اللذان استخدما مسرح حديقة «ناشيونال مول» للسخرية من الصحافيين الوطنيين والسياسيين المثيرين للخوف.

وعلى الرغم من أن أيا من الرجلين لم يشر إلى أي مرشح سياسي خلال العرض، فإن تيارا سياسيا قويا شق طريقه بين الحشود الهائلة التي امتدت لمسافات طويلة ليقترب من مبنى الكابيتول، وهي استجابة كبيرة لدعوة ستيوارت في برنامجه الكوميدي على شبكة «كوميدي سنترال نت وورك». وقد أدت هذه المشاركة الكبيرة إلى حدوث اختناقات مرورية وكانت محطات مترو الأنفاق والحافلات مكتظة بالمتجهين للتجمع.

ولم تقدم حديقة «ناشيونال بارك» تقديرا لعدد الذين شاركوا في هذا التجمع، لكن أحد مسؤولي شبكة «كوميدي سنترال نت وورك» قال ممازحا في رسالة إلكترونية: إن عدد المشاركين تراوح بين «30 و40 مليون نسمة». وقبل بدء الحدث، كان كولبير قد أعطى تخمينا بنفسه عن عدد الحضور في رسالة نشرها على حسابه على موقع «تويتر»: «التقديرات الأولية تشير إلى أن عدد المشاركين سوف يصل إلى 6 مليارات».

ويرى الكثير ممن شاركوا في هذا التجمع، الذي نُظم تحت رعاية شبكة «كوميدي سنترال نت وورك»، أنه كان ردا على «تجمع استعادة الشرف» الذي نظمه مذيع شبكة «فوكس نيوز» جلين بيك قرب نصب لنكولن التذكاري قبل شهرين. وقد قام بعض المشاركين الذين كانوا يرفعون لافتات تهاجم شبكة «فوكس» والمذيع «بيك» بتنظيم تظاهره بالقرب من شاحنة البث الفضائي الخاصة بشبكة «فوكس نيوز».

كان التجمع، بالنسبة للكثير من المشاركين، فرصة لقيادة المشهد السياسي، حتى لو لفترة بسيطة بعد ظهيرة يوم السبت المشمس. وارتدى المشاركون، الذين كانت أغلبيتهم الساحقة من الليبراليين، شارات سياسية وكانوا يلوحون بالأعلام واللافتات التي كانت تحمل في كثير من الأحيان رسائل مضحكة.

ورفعت مجموعة من النساء، في عقدهن الخامس، لافتات بيضاء صغيرة كتب عليها «أطباء نفسيون لعقولنا». ورفع رجل يرتدي سترة من الصوف لافتة كتب عليها «أستطيع أن أرى أميركا الحقيقية من منزلي».

ورفع آخرون لافتات كُتبت عليها رسائل عبثية. وقال دانييل شورت (29 عاما) وهو فنان متخصص في التأثيرات البصرية من سكان مدينة نيويورك إن رسالة لافتته التي كانت مثبته على عصا من الورق المقوى - «الجوارب ليست السراويل» - كانت هذه «مجرد واحدة من قضايا الأغلبية الصامتة».

وقد أتت الاحتجاجات السياسية في صورة حفلات تنكرية، وارتدى أحد الرجال المشاركين حفاظة وقبعة سومبريرو وحمل مرساة خشبية كبيرة – وهو وصف «لأطفال المرساة» الذي يطلقه مقدمو البرامج الحوارية للمحافظين على الأطفال الذين ولدوا في الولايات المتحدة لأبوين مهاجرين. وقال الرجل، بعد وقت قصير من انتهاء التجمع: «أشعر قليلا أنني مكشوف».

ولكن بعيدا عن العبث، فقد بدا أن التجمع يحمل رسالة عميقة، تتمثل في الرغبة القوية لدى المشاركين في أن يجدوا من يستمع إليهم وأن يعربوا عن إحباطهم من عدم وجود قيادة، وهو انتقاد ليس موجها للرئيس أوباما بقدر ما هو موجه للحزب الديمقراطي الذي وصفه العديد من المشاركين بأنه خجول وخائف وعاجز عن الدفاع عما يعتبرونه إنجازات الرئيس.

وقال رون هاريس، وهو محام من لاغونا بيتش، بولاية كاليفورنيا، والذي جاء للاحتفال بعيد ميلاده الـ64: «أنا فخور بالرئيس أوباما، ولكن الديمقراطيين في الكونغرس يبحثون فقط عن مكان آمن. إنهم غير قادرين على إقناع الناخبين بإنجازات الرئيس حتى إن ساندهم الرئيس أوباما نفسه».

وأعرب بعض من كان في هذا الحشد عن أسفه؛ لأن الكوميديين، وليس السياسيين، هم الأقدر على التعبير عن حالة الإحباط التي يشعرون بها.

وقالت ميشيل سابول، 41 عاما، وهي مصممة مجوهرات من بيتسبرغ: «ليس لدينا أي مكان لنلجأ إليه». وأضافت أن ستيوارت قد أعطى صوتا لمشاعر الإحباط والعزلة التي كان يشعر بها.

وقال أربعة أصدقاء، كانوا يرتدون زيا على شكل أكياس شاي ضخمة في محاكاة ساخرة لحركة «تي بارتي» (ترجمتها الحرفية حفلة شاي): إن ستيوارت وكولبير هما الوحيدان اللذان أعربا عن وجهة نظرهما.

وقال واحد من الذين كانوا يرتدون زي أكياس الشاي، وهو رجل عمره 40 عاما ومن منطقة إنكوردج واسمه إس جي كلاين: «بالنسبة لكل ما حدث في العامين الماضيين، فإن (ذا ديلي شو) كان هو الوحيد الذي يوضح لنا كيف يمكننا التكيف».

وقال أليكس فوكسورسي، وهو طالب عمره 26 عاما من مدينة ريتشموند بولاية فيرجينيا: «إن الصراع على العقل الأميركي أضحى الآن بين مقدمي البرامج الحوارية والفنانين الكوميديين، وأنا اخترت الفنانين الكوميديين».

ويلعب كولبير دور محافظ متشدد في برنامجه، وخلال التجمع لعب دور أحد ضحايا الخوف الذي كان يظهر تدريجيا الضوء لستيوارت.

وقال كولبير في غضب ساخر: «إن عقلانيتك تسمم خوفي».

وقد قامت محطات الكابلات الإخبارية بتقديم تغطية متقطعة للتجمع، في حين بثت شبكة «كوميدي سنترال نت وورك» و«سي سبان» التجمع كاملا على الهواء مباشرة.

وقد جاء مارك سانت جون، 57 عاما، من إنديانابوليس، على حافلة استأجرها مع أكثر من 50 من أصدقائه. وقال إنه يريد أن يعرب عن غضبه من الكلام المزدوج والتحريف اللذين يقولهما النقاد المحافظون عن مبادرات الرئيس أوباما.

وقال جون، الذي كان جالسا في مقهى بالقرب من التجمع: «لقد مللت هذه السخافات. وصف الرعاية الصحية باعتبارها عملية استحواذ من جانب الحكومة، وهذا غير ما كان عليه الحال».

وعلى الرغم من أن القليل من الذين أجريت معهم مقابلات في التجمع لا يجدون أرضية مشتركة مع هؤلاء الذين يقفون على الجانب الآخر من المشهد السياسي، وغالبا ما يشيرون إلى هؤلاء الذين لديهم وجهات نظر سياسية مختلفة بلفظ «هم»، فإن جون كان اجتماعيا مع كثير من الذين لا يتفق معهم سياسيا.

وقال: «إنهم عقلاء وليسوا متعصبين. لكن عندما تشعر أنك مهدد اقتصاديا، تقوم باتخاذ بعض القرارات».

وكان البعض يحاول بنشاط جذب أصوات الناخبين. وبالقرب من المتحف الوطني للفنون، كانت كارول نيومير (55 عاما) تقوم بتوزيع ملصقات كتب عليها «أعطوا فرصة للتغيير». وكانت تخطط للذهاب إلى مركز اتصالات تابع للحزب الديمقراطي في وقت لاحق بعد ظهر اليوم للمساعدة في جهود تجميع الأصوات للحزب.

وقالت: «أريد أن أرى قلب وروح الديمقراطيين الذين انتخبوا أوباما أن يخرجوا ويصوتوا مرة أخرى».

من جانبه، قام ستيوارت بلفتة مهمة وجدية في خاتمة كلمته في التجمع؛ حيث وجه نداء من أجل التعاون بين الحزبين.

وقال: «نحن نعرف بصورة غريزية أننا كشعب إذا أردنا أن ننتقل من الظلام إلى النور علينا أن نعمل معا. وفي بعض الأحيان لا يكون الضوء الموجود في نهاية النفق سوى سراب، لكننا سنعمل على أي حال جنبا إلى جنب».

* خدمة «نيويورك تايمز»