معرض التقاليد البوسنية تجسيد حي لحياة الناس في البوسنة

السفير السعودي لـ «الشرق الأوسط» : الأدوات المعروضة شبيهة بالتي كانت مستخدمة في المملكة

المعرض يستضيفه مركز الأميرة الجوهرة الثقافي، في بوغوينو، ورافقه الكثير من الفعاليات المسرحية، والأناشيد، والأغاني الشعبية («الشرق الأوسط»)
TT

بدت صالة المعارض التابعة لمركز وجامع الأميرة الجوهرة في بوغوينو، شمال غربي البوسنة، كما لو أنها تجسيد حي لحياة الناس في البوسنة، ومنطقة غرب البلقان، على مر العصور الماضية، ولا سيما القرون الخمسة الأخيرة.

لقد دأب مركز الأميرة الجوهرة الثقافي، في بوغوينو، على استقبال معرض التراث والصناعات التقليدية، في صالة المعارض كل موسم. وذلك إسهاما منه في تعريف الأجيال بماضيها، والأدوات التي استخدمت في الماضي، لتلمس مستوى التطور الذي عرفته المنطقة، والبشرية وفقا للحقب التي مرت بها.

المعرض الذي زارته «الشرق الأوسط» يحمل الكثير من التنوع، كما أنه يؤرخ لمختلف العهود، لا سيما أن البوسنة كدولة لها أكثر من ألف عام منذ قيامها، منها عدة قرون ظلت فيها تابعة لدول أخرى، سواء تعلق الأمر بالحروب الدينية التي خاضها الأرثوذوكس والكاثوليك ضد السكان المحليين لحملهم على اعتناق مذاهبهم، وصدهم عما كان يوصف في أدبيات الكنيستين بالهرطقة. فالبوسنيون كانوا من أتباع كنيسة البوغوميل، وتعني عباد الله، وهي أقرب ما تكون لعقيدة الأريوسيين (نسبة إلى أريوس الذي اتهمته الكنيسة بالهرطقة وقضت على أتباعه بالتصفية الجسدية). فلم تكن تقدس الصليب، وكانت تطلق على نواقيس الكنائس، نواقيس الشيطان. وهو ما ألب عليها أتباع الكنيستين اللتين تمكنتا من إحداث خروقات في بنية المجتمع البوسني بحد السيف. وعندما وصل الأتراك إلى المنطقة، توقف إجبار الناس على الدخول في دين آخر عن طريق التهديد بالقتل. وذلك من خلال الإعلان الشهير للسلطان محمد الفاتح، عام 1463 الذي يعرف بعهد نامة، وهو أيضا من التراث الذي كان حاضرا باستمرار في مخيلة الناس قبل جدران المعارض. بينما كان المسلمون واليهود يتعرضون للتعذيب والقتل في محاكم التفتيش الإسبانية، على يد الكنيسة الكاثوليكية. ومن المفارقات أن تحتفظ الكنيسة الكاثوليكية في البوسنة بأصل العهد (عهد نامة)، وهو مبعث فخر للمسلمين في البوسنة وغرب البلقان وأوروبا، في القرن 21، الذي يشعرون فيه بالاضطهاد في القارة العجوز.

ومن بين الأدوات والأشياء التي لاحظتها «الشرق الأوسط» في المعرض، عملات قديمة، من العهود العثمانية، والنمساوية، واليوغسلافية، وقبلها المملكة الصربية الكرواتية السلوفينية، التي لم تضف إليها البوسنة، في اسمها المشار إليه آنفا، كما لو لم تكن موجودة.

كما هناك ساعات تعود إلى ما قبل 200 سنة، وأسلحة قديمة من بينها السيوف، وجراب من الصوف، والجلد وموازين، ومخالٍ (جمع مخلاة)، وكتب تعود للقرن السادس والسابع والثامن عشر، فضلا عن الملابس التي كان يرتديها الناس في حقب مختلفة من تاريخ البوسنة. كما أن الأدوات النحاسية كالأواني حاضرة بقوة في المعرض. وكان أكثر ما لفت انتباه الزوار، أجهزة الراديو القديمة، والتسجيلات التي كانت تستخدم الأسطوانات القديمة، بأبواقها النحاسية الكبيرة، التي أثارت فضول الكثيرين، لا سيما وهم يستمعون لبعض الأسطوانات القديمة من الآلات نفسها التي صنعت لها.

وقال السفير السعودي، عيد بن محمد الثقفي، الذي افتتح المعرض وأشرف على فعالياته «لـ«الشرق الأوسط»»: «هذه المعارض لها دور كبير في تثقيف الأجيال بما سبقها من معارف، وهي فكرة طيبة تؤكد أهمية التواصل، فالتاريخ سلسلة من الأحداث والأفعال والإنجازات المتراكمة، ولا ينبغي أن يقف جيل عند إنجازات من سبقوه، وهذا ما يعلمنا إياه التاريخ، وتذكرنا به هذه المعارض». وتابع: «لاحظت وجود تشابه بين الكثير من المعروضات القديمة، كالجيراب المصنوعة من الوبر أو الصوف أو الجلد، مع تلك التي كانت سائدة في المملكة قديما». وأشاد باهتمام الكثير من سكان المنطقة، بالأشياء والأدوات التراثية، «فهذه الأدوات والملابس والأجهزة ملك لهواة وهذه خاصية رائعة، ومن فضل الله أنها موجودة في الكثير من البلدان».

ومن جهته، أوضح مدير مكتب رابطة العالم الإسلامي، وجامع ومركز الأميرة الجوهرة، الشيخ رحمة الله قاري، لـ«الشرق الأوسط»، جانبا من نشاطات المركز قائلا: «نقيم فعاليات معرض التراث والصناعات التقليدية، كل عام ويستمر لمدة أسبوع، يزورنا خلاله طلاب المدارس في البوسنة في رحلات منتظمة، كما يزورنا كبار المسؤولين، والمهتمين بالتراث، وغيرهم». وتابع: «تتخلل المعرض عروض فلكلورية ومسرحية وعروض تسلية مختلفة، وهو معرض يتزامن ومنح خريجي المركز من التخصصات المهنية واللغوية كافة شهادات التخرج». وأردف: «لدينا أنشطة ثقافية، ودورات تدريبية وأعمال إنسانية ولقاءات ومهرجانات». وأكد أن جميع الخدمات التي يقدمها المركز مجانية.

وقال صاحب الجزء الأكبر من المعروضات، دراغن ميتيتش، «هذه الأدوات ملك خاص لي، وأنا أحتفظ بها في بيتي وقد خصصت لها مكانا دائما، وهي كما ترون أواني طعام قديمة، حيث كان يطغى النحاس والفخار على أدوات القدامى، الخاصة بالأكل، والألبسة العتيقة، إضافة إلى أدوات العمل كقص العشب وحصاد محاصيل القمح والشعير وغيرها». وأضاف: «كما ترون هناك مصابيح متنوعة من حقب تاريخية مختلفة وخوذات تعود للحرب العالمية الأولى».

لم يكن المعرض صورة تراثية جامدة، بل رافقته الكثير من الفعاليات المسرحية، والأناشيد، والأغاني الشعبية، قدمها عدد من طلبة المدارس، عن الحج، والزواج، والظروف المعيشية، وذلك في قالب فكاهي، ضجت خلالها القاعة بعبارات الإعجاب والاستظراف والضحك. كما قام عدد من كبار الزوار، من بينهم السفير السعودي عيد بن محمد الثقفي، ومحافظ وسط البوسنة، بزراعة أشجار في حديقة مركز الأميرة الجوهرة الثقافي، تعبيرا عن الفعل الحضاري بخلفية ثقافية، أكدها الحديث النبوي «إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها».