«بوك أند بينز» بؤرة «للاستثمار الثقافي» وتجذب المبدعين إلى خارج القاهرة

تضم ورشا للسينما والرسم والموسيقى ومكتبة ضخمة

التجربة يعتبرها بعض المثقفين الشباب أنها كسرت احتكار العاصمة القاهرة لكعكة الثقافة
TT

انتشرت المراكز الثقافية والمكتبات الخاصة في القاهرة خلال السنوات القليلة الماضية، واستطاعت أن تجذب الكثير من المثقفين، خاصة الشباب، لتقديمها الكثير من الفعاليات الثقافية، لكن مكتبة بوكس أند بينز (Books&Beans) كسرت احتكار العاصمة لتلك المراكز، حيث قادت الأنشطة الثقافية إلى خارجها وتحديدا إلى نيل مدينة المنصورة عاصمة محافظة الدقهلية شمال القاهرة وتبعد عنها 120 كلم.

صاحب المكتبة هو الطبيب أشرف وجدي، الذي قضى عمرا طويلا في دراسة الأمراض النفسية وعلاج مرضاها بطرق غير تقليدية أو معتادة، حيث آمن أن الفنون كفيلة برفع الأداء النفسي وتحقق نتائج ربما أجدى من العلاج الدوائي، فبجانب مستشفاه بالمنصورة أنشأ ورشة فنية هدفها الرفع من أداء المرضى عبر ممارستهم الرسم وتنفيذ المشغولات اليدوية بداخلها، مما حقق نجاحا لافتا له كطبيب.

لكنه ما لبث أن انحاز للفن والثقافة وابتعد عن مهنته تاركا إدارة مستشفاه لزوجته، حيث قرر العمل «مستثمرا ثقافيا» يقدم خدمة وتنويرا ويكسب مالا، من خلال تأسيس مكتبة «بوكس أند بينز»، لتكون مركزا ثقافيا يضم في دوره الأعلى مكتبة لبيع الكتب ومكانا للقراءة الحرة، وفي دوره الأسفل بؤرا ثقافية متعددة، فهناك فرع لبيت العود العربي يتلقى طلابه مناهج بيت العود على يد أستاذ يتبع البيت الرئيسي بالقاهرة ومديره الفنان العراقي نصير شمة، وإلى جانب بيت العود هناك استوديو لتسجيل وتعليم الموسيقى الغربية، وورش لتعليم الرسم، وأخرى لكتابة سيناريو الأفلام التي تتسع لتنفيذ مشروع للتخرج على هيئة فيلم وثائقي يتم تحكيمه من قبل متخصصين، إضافة إلى قاعة لعرض الأفلام الوثائقية وأفلام الديجيتال، وبالتوازي مع تغيير المسار تحولت ورشة العلاج الفني إلى ورشة لتعليم صناعة المشغولات اليدوية والقطع الخشبية الفنية.

وتقدم المكتبة أيضا الكتب الإلكترونية المسموعة، وكتب الأطفال، والهدايا، كما تستضيف حفلات توقيع الكتب والمعارض الفنية، كما تضم كافيه يقدم بعض المشروبات للزائرين.

يشرح الدكتور أشرف صاحب «بوكس أند بينز» مبرراته لترك الطب والاستثمار في الثقافة، فيقول: «لست قديسا زائفا ترك عمله الأساسي من أجل رسالة، الأمر لا يخلو من ربح، وممارسة عمل أحبه وأشعر براحة نفسية وأنا أمارسه، أؤمن أن الحياة مراحل، والوصول إلى الرضا النفسي يتطلب تنفيذ ما تحبه وتؤمن بجدواه، ومن هذا المنطلق أدير مشروعا للاستثمار الثقافي وتركت الطب».

انتهز الدكتور أشرف عرضا سخيا لبيع المستشفى، وافق بلا تردد للتركيز في طريقه الجديد، وما لبثت زوجته الدكتورة إيمان الجوهري حتى تبعته هي الأخرى في مشروعه الثقافي، لتكون مديرة المكتبة، تقول: «بدأنا بمكتبة لبيع الكتب والأسطوانات، ثم تطور الأمر ليضم ورشا فنية مختلفة، هنا نستضيف الكثير من الكتّاب الكبار والشباب، جاءنا الدكتور علاء الأسواني والشاعر أحمد فؤاد نجم والشاعر علي سلامة، والدكتور القاص محمد المخزنجي، والروائي الدكتور يوسف زيدان، والصحافي الشاب هيثم دبور، والكاتب الساخر أشرف توفيق، إضافة إلى شخصيات فنية مرموقة كالمخرج الموهوب داود عبد السيد».

تضيف «أستطيع أن أقول إن مشروعنا الثقافي نجح وكبر مقارنة بالبدايات، لكننا لا نزال ننتظر مزيدا من النجاح، حيث نحلم بتحويله لمؤسسة ثقافية تشبه ساقية الصاوي الثقافية بالقاهرة التي تعلّم جميع الفنون ويلتقي فيها كل المبدعين والمثقفين، وأعتقد أننا سوف ننفذ حلمنا، إن شاء الله».

بينما يقول أيمن الجوهري، مسؤول الورش الفنية بالمكتبة: «خلال فترة بسيطة استضفنا نحو 80 حدثا، تنوعت ما بين ندوات وورش، ولقاءات ثقافية ومسابقات، وحفلات، وأقمنا بعض المهرجانات الفريدة، منها مهرجان للطائرات الورقية، كما نخطط لإقامة (سمبوزيوم) المنصورة للرسم، وآخر للنحت، أما مهمتي فهي الإشراف على الدورات وتنسيق مواعيد المدربين، وتسويق الفعاليات إلكترونيا».

وتقول مرمر كامل وهي مسؤولة الكتب بـ«بوكس أند بينز»: «كنت مديرة لمكتبة المحافظة، التي كانت مبنى ضخما يعتمد على الاستعارة، وبالطبع المكان هنا مختلف نسبيا، لكن الوجود بجوار الكتب له نفس الحنين، كانت ابنتي من رواد المكان، تدرس في إحدى الورش الفنية فجذبتني إليه، ثم أصبحت أحد مسؤوليه، ومستمتعة بالعمل إلى حد كبير».

أما الشاب أحمد الإمام، فهو خريج حديث للهندسة جاء إلى المكتبة لتعلم الغيتار، فجذبه المكان ليصبح أحد منسقيه، يقول: «جئت لتعلم العزف على الغيتار وانتهيت من تعلمه، لكن جذبني العمل الفني وصنع أشكال فنية من الجلود، كل يوم أتعلم هنا شيئا جديدا وأنمي مهاراتي، أعتبر هذا المكان أهم مكان ثقافي في المنصورة، كما أنه يكسر احتكار العاصمة القاهرة لكعكة الثقافة».

ويلفت إمام إلى الروح الإنسانية للمكان بقوله «هذا المكان يشع بدفء خاص، قلّما تجده في منتدى ثقافي آخر، ويرجع هذا إلى أصحابه، فهم يشعرونك دائما بأنك صاحب المكان، وهي دعوة جميلة توطد روح الانتماء وحب الثقافة».