مدرسة أميركية صغيرة تسعى لجذب الطلاب الصينيين

مع انخفاض أعداد طلاب المدارس الحكومية.. و27 ألف دولار رسوم الدراسة والإقامة

مع ظهور الصين كقوة اقتصادية تحاول الكليات والجامعات والمدارس الثانوية الخاصة استقدام طلاب من الصين («نيويورك تايمز»)
TT

بعد انخفاض أعداد الطلاب المتقدمين للالتحاق بها، وهبوط إيراداتها، توصلت مدرسة ثانوية في بلدة نائية في ولاية مين الأميركية إلى مصدر بعيد للنجاة: المراهقين الصينيين.

بغض النظر عن أن ميلينوكيت تبعد عن أقرب مركز تجاري أو دار سينما بمسافة تقطعها السيارة في ساعة، أو أنه يتساقط عليها أكثر من 93 بوصة سنويا، فإن كينيث سميث، مدير المدرسة، واثق من أن عشرات من الطلاب الصينيين سيأتون، ويسددون 27 ألف دولار سنويا رسوم الدراسة وتكلفة الإقامة والوجبات، لدرجة أنه يستكشف الأماكن الخالية ليحولها إلى سكن للطلاب.

أوضح الدكتور سميث، الأسبوع الماضي، في مكتبه بمدرسة ستيرنز الثانوية، حيث تظهر الكلمات الصينية المرادفة لـ«مرحبا» و«أهلا» على لوح الكتابة، ويوجد دليل السفر إلى الصين على منضدة الاجتماعات، قائلا: «علينا التحرك بكل طاقتنا. عليك أن تتحرك إذا كان لديك ما تعتقد أنه الصواب».

يوم الجمعة الماضي، غادر الدكتور سميث ميلينوكيت متجها إلى الصين، حيث يمضي أسبوعا للترويج لمدرسة ستيرنز الثانوية لدى المسؤولين وأولياء الأمور والطلاب في بكين وشنغهاي ومدينتين أخريين، وقد استعان بمستشارة لتساعده على إجراء اتصالات بالصين، وحشد مسؤولي ميلينوكيت المنتخبين وأصحاب المشاريع من أجل تبني الخطة، بل وأصدر توجيهات لعمال الكافيتريا في المدرسة بإضافة أطعمة صينية إلى قائمة المأكولات التي يقدمونها.

وقالت كاثي سيفيلو، مديرة التغذية في المدرسة، وهي واحدة من بين كثير من العاملين في المدرسة المتحمسين والسعداء بالفكرة مثل المدير: «نحصل على بعض المعكرونة ونستخدمها جيدا في إعداد أطباق لو مين».

مع ظهور الصين كقوة اقتصادية، تحاول الكليات والجامعات والمدارس الثانوية الخاصة استقدام طلاب من الصين، بل وافتتحت فروعا لها هناك. ولكن ربما تكون فكرة ميلينوكيت غير مسبوقة بين المدارس الحكومية، حتى مع بحثها عن مصادر جديدة للدخل.

صرحت أليكسيز رايس، المتحدثة باسم الجمعية الوطنية لمجالس المدارس: «هذه أول مرة نسمع عن أمر كهذا».

ولكن توجد عقبة واحدة، فوفقا لقوانين وزارة الخارجية، يستطيع الطلاب الأجانب الالتحاق بمدارس ثانوية حكومية في الولايات المتحدة لمدة عام واحد فقط، وهو النظام الذي يصفه الدكتور سميث بغير المنصف، نظرا لأنه في إمكانهم الالتحاق بمدارس ثانوية خاصة لمدة أربعة أعوام. وهو يضغط حاليا على أعضاء الكونغرس المحلي في ولاية مين من أجل السعي إلى تغيير ذلك، ولكن في الوقت ذاته، ينوي استقدام عدد من الطلاب الصينيين للالتحاق بستيرنز في العام المقبل.

وقال سميث إنهم قد يأتون إلى ميلينوكيت لمدة عام، وبعد ذلك يمكنهم التحويل إلى مدرسة خاصة أو الالتحاق بمعهد أو جامعة أميركية.

واعترف الدكتور سميث، المولود في مين، الذي نادرا ما يغادر شمال شرقي الولايات المتحدة، بأنه لم يكن يعرف الكثير عن الصين. ولكن من خلال ما سمعه وقرأه في الشهور الأخيرة، على حد قوله، اتضح له أمران: «هناك طبقة وسطى كبيرة في الصين لديها فائض أموال، وأن طلابها يريدون الدراسة هنا».

وأضاف قائلا: «إنهم يريدون تعلم اللغة الإنجليزية، ويريدون الحصول على تعليم جامعي. وإذا استطعنا إلحاقهم بكليات هنا، فسيكونون قد حققوا أكبر أهدافهم».

ويثق الدكتور سميث جيدا في النجاح، لدرجة أنه يشعر بأنه من الخطأ أن نسأل: لماذا سينفق أولياء أمور صينيون 27 ألف دولار لإرسال أبنائهم إلى «ستيرنز الثانوية»، التي تقع في مبنى يعود إلى الستينات من القرن الماضي، ولديها مقرر دراسي واحد متقدم، وخرائط قديمة في الفصول ما زال اسم الاتحاد السوفياتي يظهر فيها، وحيث يعاني أكثر من نصف طلابها البالغ عددهم 200 من الفقر الذي يجعلهم يستحقون وجبة غذاء مجانية؟

يقول الدكتور سميث: «برنامج الفنون المسرحية لدينا من أفضل البرامج على الإطلاق»، ولدينا قسم موسيقى رائع، وفصول صغيرة بها مساحات كافية. في الصين هناك ازدحام كبير».

هذا معقول. ولكن لماذا ميلينوكيت، تلك البلدة التي يسكنها 5 آلاف نسمة، وتبعد نحو 200 ميل عن شمال بورتلاند بولاية مين، التي مرت بفترات عصيبة، بعد أن أشهر مصنع الورق الذي كان بها إفلاسه في عام 2003؟ كما تظهر واجهات المحلات الفارغة في شارعها الرئيسي بينوبسكوتن، وأشهر مكان لنزهات المراهقين هو مكان انتظار السيارات أمام السوبر ماركت.

يقول الدكتور سميث: «نحن مجتمع يملك أصولا»، مشيرا إلى جبل كاتادن، أعلى مكان في الولاية، الذي يقع خلف البلدة مباشرة، ووفرة الصيد البري وصيد السمك وفرص ممارسة رياضات الجليد التي يحبها السكان، ويعلق «يوجد الجمال في المقام الأول، ثم الهواء النقي، كما أن الطرق جيدة».

كانت تيري غيفن، المدرسة الإنجليزية التي ولدت هنا، أكثر صراحة؛ حيث أوضحت أنه «لا أريد أن أبدو فظة، ولكن لم لا؟ لن نعرف حتى تتوفر لدينا فرصة التعرف عليهم ونمنحهم فرصة التعرف علينا. وهناك شيء يجب قوله بالنسبة لذهابنا إلى هناك لمعرفة ما إذا كنا جائزة مستحقة». وفي الوقت الذي تجبر فيه الميزانيات المتضائلة بعض المدارس الحكومية على أن تطلب من الطلاب توفير احتياجات أساسية، مثل المناشف الورقية والصابون، يعد التطلع إلى الخارج للحصول على مساعدة مالية نوع من المحافظة على الذات. وقد انخفضت أعداد الملتحقين بمدرسة ستيرنز الثانوية من نحو 700 طالب في السبعينات من القرن الماضي، عندما كان مصنع الورق يوفر مئات من فرص العمل. وعلى أي حال، انخفض عدد الطلاب في جميع مدارس ميلينوكيت بنسبة 43 في المائة منذ عام 2000، إلى نحو 550، بعد أن كان 959.

وفي جميع أنحاء البلاد، يسمح قانون للمدارس الحكومية أن تطلب من الطلاب الذين لا يعيشون في المنطقة التي يدرسون بها رسوم التعليم. ويضع الدكتور سميث مبلغ 27 ألف دولار، بناء على متوسط إنفاق الإدارة على الطالب الواحد، وهو نحو 13 ألف دولار سنويا.

ويقول إن مبلغ 14 ألف دولار يبدو معقولا للغرفة والطعام، بناء على ما تطلبه المدارس الخاصة في الولاية مقابلهما.

وبالطبع، تجتذب المدارس الخاصة طلابا من الخارج منذ عقود، ويوجد عدد من المدارس الخاصة في منطقة نيو إنغلاند استقدمت بالفعل أعدادا كبيرة من الطلاب من آسيا في الأعوام الأخيرة. وعقبت سوزان فوكس، المستشارة التي تعمل مع الدكتور سميث قائلة: «فجأة أصبح لديهم 60 طالبا صينيا في هذه القرى الصغيرة في فيرمونت». وقالت فوكس، التي تساعد شركتها (فوكس لخدمات الاستشارات بين الثقافات) المشاريع التجارية والمدارس على إقامة علاقات مع الصين، إنها أقنعت الدكتور سميث بأن يبدأ ببطء.

وأضافت قائلة: «كان علي أن أسيطر عليه بعض الشيء»، حيث أصبح هدفه الجديد هو استقدام نحو خمسة طلاب في الخريف المقبل، بدلا من عشرة.

وفي الشهور المقبلة، ستقوم فوكس برحلات متكررة إلى ميلينوكيت لتقديم معلومات للطلاب والمدرسين والقادة المجتمعيين عن الثقافة الصينية. وتتميز هذه البلدة بأن جميع سكانها تقريبا من أصحاب البشرة البيضاء، على الرغم من أنها تستضيف برامج تبادل طلابية تقليدية لمدة عام من دون أن يسددوا رسوما.

وقالت غيفن: «نحن عاديون تماما، نظرا لأننا نفتقر إلى التنوع، وهؤلاء الأجانب على المجتمع من السهل تمييزهم للغاية».

ويسعى الدكتور سميث أيضا إلى استشارة طالبة صينية جاءت في برامج تبادل الطلاب، وقال إنها أمضت عامها مع «أسرة متعهد دفن الموتى»، في ميلينوكيت الشرقية المجاورة.

وقال: «سألتها عن أكثر شيء رغبت في فعله عندما كانت هنا. فقالت لي إنها كانت تريد الذهاب إلى فلوريدا ومشاهدة (ديزني وورلد)، والذهاب إلى بوسطن والتسوق، وتسلق الجبل». (لا بد أن المقصود هو جبل كاتادن).

تملك المدرسة كوخا عند قاعدة الجبل، ويأمل الدكتور سميث في استخدامه في عطلات نهاية الأسبوع، حيث يمكن أن يتعرف طلاب ميلينوكيت على زملائهم الصينيين، ويبدو الطلاب هنا متحمسين بشأن الخطة، على الرغم من أن بعضهم سمع أن المراهقين الصينيين لديهم حماس أكاديمي، مما أثار خوفهم من تراجع تصنيفاتهم الدراسية.

وقال آخرون إن المدرسة هي المركز الاجتماعي للبلدة، حيث تقام فيها مباريات كرة القدم وحفلات الموسيقى، التي تجذب أبناء البلدة.. وقال ماثيو بريبل (17 عاما) إنه سيرحب بالطلاب الصينيين، ولكنه تساءل عما إذا كانت ميلينوكيت ستبدو كما كانت.

وأضاف قائلا: «اعتدنا أن مدرسة ستيرنز الثانوية من نوع مدارس البلدات الصغيرة. وحقيقة أن علينا فجأة استقبال ما يصل إلى مئات الأطفال من الصين ربما تغير من ذلك، بصورة جيدة، ولكن من المخيف إلى حد ما أن نفقد بلدتنا».

* خدمة «نيويورك تايمز»