«صالون الربيع» اللبناني للفن التشكيلي يعود بعد غياب 30 عاما

بمشاركة فنانين محترفين وشباب جمعوا بين مدارس فنية متنوعة

جانب من الأعمال المشاركة في المعرض
TT

بعد نحو ثلاثين عاما عاد «صالون الربيع» اللبناني لينطلق من جديد بتنظيم من جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت كي يكون السقف الجامع بين جيلين تجمع بينهما الموهبة التي لا تزال لدى البعض تخطو خطواتها الأولى نحو الاحتراف، فيما وصل البعض الآخر إلى درجة احترافية متقدمة وكان له بصمة في النسخة القديمة من «صالون الربيع» الذي نظم للمرة الأخيرة عام 1979.

130 قطعة فنية بين الرسم والنحت والتصوير أنتجتها أيادي 100 فنان لبناني، تتوزع في قاعات قصر اليونيسكو في بيروت لتعكس كل منها نبضا ورؤية فنية خاصة جعلت لكل منهم هويته التي اختصرها عمله المشارك في هذا الحدث. فجسدت أعمال هؤلاء الفنانين المشاركين الذين ينتمي عدد كبير منهم إلى جمعية الفنانين اللبنانيين اتجاهات فنية مختلفة، فيما كان آخرون ضيوف شرف على هذا المعرض الذي سينتقل فيما بعد إلى طرابلس وزحلة وصيدا بنسخته الجديدة، كمبادرة من المسؤولين عليه لتشجيع المواهب اللبنانية الشابة، لا سيما الخريجين الجدد الذين يتميزون بلمسة فنية احترافية.

يعتبر عدنان حقاني عضو الجمعية وأحد الفنانين المشاركين أن الاختلاف بين «صالون الربيع» في الأمس واليوم هو ذاك التطور الفني الذي انساب إلى أعمال الشباب إضافة إلى المدارس الفنية المعاصرة التي دخلت على الفن التشكيلي من دون أن يعني ذلك الاستغناء عن المدارس القديمة، وهذا ما يعكسه هذا الدمج بين الاثنين معا في عدد من اللوحات المشاركة. وكان على سبيل المثال فن «التجميع» أو الـ«كولاج» حاضرا في المعرض من خلال أعمال عدة برع أصحابها في إضافة مواد مثل الخشب والحديد والزخرفات... إلى لوحة الأكريليك مثلا أو الأكواريل أو الزيتية التي لا تزال المادة الأساسية لدى عدد من الفنانين. وفي حين دخلت الأتربة الطبيعية اللبنانية أيضا على خط إحدى اللوحات كان لـ«الفن الحاسوبي» حضوره أيضا في زمن التكنولوجيا، فيما ارتأى أحد المشاركين الشباب «أبجدية مبتكرة» في لوحة خاصة تحمل اسمه، من دون أن ننسى الخط العربي الذي كان حاضرا في عدد من اللوحات أيضا.

وفي النحت، برزت أعمال تميزت بلمسة خاصة أسقط عليها «صانعوها» أسماء تعكس تفاصيلها، فأتت مثلا «الحياة» لبطرس فرحات و«الولادة» لنبيل بصبوص و«الأمومة» لغولين ديرباغوسين و«في الاتحاد قوة» لصلاح نبعة، لتظهر ما يشبه الهاجس الوجودي أو النظرة المتماهية للواقع الاجتماعي والإنساني الواحد لفنانين ينتمون إلى وطن واحد.

عدد كبير من اللوحات عكس ميلا لدى فنانيها إلى مدارس متنوعة، ولكل منها حضورها من خلال أعمال عدة انفرد صاحبها بإعطاء هوية فنية معينة للوحته أو من ناحية المدرسة الفنية التي اعتمد عليها، فكان لكل منها حصتها من الكلاسيكية إلى الواقعية والتعبيرية والتجريدية... أو من ناحية المواضيع التي تنوعت بين الاجتماعية والسياسية والرومانسية والأدبية... فاختار مثلا الفنان الشاب محمد سعد طاولة الحوار اللبنانية لتكون محور جداريته التي جمعت أقطاب الحوار اللبنانيين حملت عنوان «الحوار الأخير» بنظرة تشاؤمية، مطلقا العنان لمخيلته الفنية في تحديد مواقع السياسيين وردود أفعالهم، ومضيفا إليهم قائد الجيش اللبناني جان قهوجي على اعتبار أنه يفترض أن يكون حاضرا في مناقشة الاستراتيجية الدفاعية كما قال سعد لـ«الشرق الأوسط»، ويضيف «لكن هذا الأمر لقي انتقادا من قيادة الجيش فعمدت إلى تلبية طلب المسؤولين فيها ومحوه من اللوحة، انطلاقا من أن قهوجي ليس طرفا في النزاع اللبناني».

من جهته، سلك الشاب حسن خضرة طريقا فنيا مغايرا لزملائه، فوظف الفن في خدمة اللغة مبتكرا أبجدية جديدة حملت اسمه وجسدها في لوحة كاملة، ويقول عنها «بعد محاولات وتجارب عدة توصلت إلى تأليف أبجدية وأرقام خاصة بي لا تشبه أي رموز أو أرقام عربية أو أجنبية».

من جهته، اختار الفنان يوسف نعمة أن يوظف التكنولوجيا في خدمة الفن التشكيلي، الموضوع الذي كان موضوع بحث أعده، وذلك في لوحة تمثل ما سماه «عالم الانتظار». فيما كانت تربة لبنان هي المادة الأساسية التي شكلت لوحة «المخاض» لعدنان حقاني الذي جمع تربة لبنان من كل المحافظات ليجمعها في لوحة فنية آملا أن يجتمع اللبنانيون على الوحدة وأن يأتي المخلص لينقذ هذا البلد من كل ما يتخبط به.

ولم يغب رواد الفن التشكيلي الراحلون عن المعرض، فكان مناسبة لتكريم أربعة منهم من خلال لوحاتهم وهم: أيلي كنعان، وعدنان المصري، وعزت مزهر، وفريد منصور. وفي ختام المعرض، ستقوم لجنة مؤلفة من فنانين لبنانيين باختيار أفضل 5 أعمال ليقدم إلى أصحابها جوائز وزارة الثقافة اللبنانية وجمعية الفنانين والجامعة اللبنانية ومنتدى الطائف للتنمية والديمقراطية وجائزة الفنان شوقي شمعون الخاصة بالشباب.