يوميات الحجاج في مكة بين غاري ثور وحراء والحطيم وزمزم

قالوا إن تلك الزيارات تمثل استشعارا للموروثات النبوية

حجاج يقومون بتسلق جبل النور (رويترز)
TT

عد حجاج ومعتمرون برنامجهم اليومي لزيارة المقدسات الإسلامية في مكة المكرمة، بأنها يوميات إيمانية تستشعر قيمة الزمان والمكان، وأن وقوفهم على غاري ثور وحراء، هو استجابة للثراء التاريخي الذي تحتضنه العاصمة المقدسة للمسلمين، مثل الملتزم وهي المنطقة بين الحجر الأسود وباب الكعبة المشرفة، التي تعد من الأماكن التي يستجاب فيها الدعاء. وهناك أيضا الحطيم ويطلق عليه حِجر إسماعيل، عليه السلام، ومقام إبراهيم، عليه السلام، وزمزم والحجر الأسود.

خير الزمان محمد علي، أحد السائحين الماليزيين حرص على زيارة غار ثور، وقال إن لبرامج الزيارات أبعادا دينية وسياحية كبيرة، فهي تقوي علاقة الحجاج والمعتمرين بالأماكن المقدسة، وأيضا تساعد مناطق السعودية الأخرى التي لا تكتسب سمة التاريخية أو المقدسة بأن تحظى بزيارة الحجاج إليها وهو ما يمثل دعما سياحيا لها.

خديجة الكشميري، مسنة باكستانية تتحدث الإنجليزية، قالت إن هذا البرنامج سيساعد على ضخ الكثير من المرشدين السياحيين إلى الأراضي المقدسة. وأضافت أن ذلك «يساعدنا على التعرف أكثر على غاري ثور وحراء وجميع مآثر النبوة وتحركات المصطفى، صلى الله عليه وسلم، والصحابة أجمعين»، وزادت بالقول «كم تمنيت أن أحظى بمرشدين يجيدون اللغة الإنجليزية كي أسبر أغوار التاريخ النبوي».

من جانبه قال الدكتور عبد الله المغلوث، الخبير الاقتصادي ورجل الأعمال لـ«الشرق الأوسط»، «هذا النظام يساعد أولا على معرفة المعتمرين بالأماكن الأثرية التي تحتضنها البلاد، وهذا عامل أساسي لا ننظر له بنظرة مادية بقدر ما ننظر له بنظرة تاريخية، فالسعودية لها باع تاريخي عبر العصور التاريخية وقبل الإسلام». وأضاف المغلوث «البرنامج أيضا ينقل للمعتمر فكرة أن المملكة ليست فقط دولة مصدرة للبترول إنما منتجة لبعض السلع ولديها إرث تاريخي قوي وعامر».

وتابع المغلوث حديثه «لا شك أنه عندما يقر هذا البرنامج، سوف تسعى جميع الكليات السياحية وهيئة السياحة والاستثمار في ضخ المزيد من الاستثمارات، إلى سوق العمل من مرشدين سياحيين لديهم فكر وثقافة سياحية، تجعل هذا المرشد أكثر قدرة على نقل معلومة واضحة وصريحة ومتسقة مع الواقع الآيديولوجي والتاريخي إلى المعتمر، وأيضا تنقل رسالة إلى الجامعات والكليات ووزارة التعليم العالي بالذات بأن تضع في أجندتها أهمية تخريج مرشدين سياحيين».

من جانبه أشار سعد الجودي الشريف، إلى أن المردود الاقتصادي سينعكس إيجابيا عندما يأتي لمكة المعتمرون من كافة أنحاء العالم إلى البلاد وستكون هناك ميزانيات للتسويق والشراء، وبالتالي يكون هناك تدفق مالي لدى المنتجين والفئة الاستهلاكية، والاستفادة من الفنادق والشقق، والنقل العام، بالإضافة إلى الترويج السياحي الذي ننعم به في بلادنا.

وزاد الجودي بالقول «يسمح هذا النظام للمعتمرين بالتنقل إلى كافة أنحاء السعودية بموجب ضوابط يتم التقيد بها، ومن ضمنها عدم إبقائهم لفترة معينة، ومتابعتهم حتى يتم ترحيلهم من البلاد، وبالتالي سيكون المردود الاقتصادي ليس مقتصرا على المناطق التاريخية بل سيشمل كافة مناطق السعودية الأخرى، مثل الرياض والمنطقة الشرقية، والمنطقة الغربية»، مضيفا «هناك مناطق لا تعد مناطق تاريخية أو دينية مثل مكة المكرمة والمدينة المنورة، بيد أنها تسويقية، وبالتالي فإن زيارة المعتمر أو الحاج لها سيكون له مردود اقتصادي كبير».

من جهته أكد الدكتور عبد الرحمن مارية، أحد العاملين في قطاع الحج والعمرة، أن مثل هذه البرامج من شأنها أن تخدم الكثير من المناطق التاريخية والإسلامية على وجه الخصوص، حيث كان الحديث في السابق عن عدم استغلال مثل تلك الأماكن الأثرية، «قد كانت لي مشاركة في لجنة تختص في مدى إمكانية السماح للمعتمرين أو الحجاج الذهاب إلى المناطق السياحية والأثرية، وكنت مشاركا في عام 1413هـ في بحث مدى إمكانية مدى مرور الحجاج أو دخولهم إلى مدينة الطائف، بمعنى أن هذه الفكرة كانت مطروحة من قبل، ونشوء مثل هذا البرنامج من شأنه أن يدعم القطاع الاقتصادي في السعودية».

وأضاف مارية «هذا البرنامج سوف يساعد الكثير من المعتمرين القادمين إلى السعودية في التعرف على القيم التاريخية، والإسلامية، والأحداث التي مرت على مثل تلك المناطق الإسلامية»، مستطردا «أن هذا من شأنه أن يساعد على دعم الاقتصاد في مناطق أخرى لم تكتسب طابع الأثرية أو التاريخية الإسلامية، ولكن مكتسباتها ترفيهية أو تسويقية، وبالتالي فإن قدوم أفواج كثيرة منهم يساعد على الانتعاش الاقتصادي في تلك المناطق المنتشرة في البلاد».

وفي هذا الصدد أكد أيمن البشاوري، الخبير الاقتصادي في العاصمة المقدسة، في مكالمته لـ«الشرق الأوسط» أن برنامج «عمرة بلاس» أتى في وقته، حيث من أهم مميزاته أنه يحد من نسبة التخلف التي تعمل الجهات المعنية في السعودية على القضاء عليها، فهي محفزة للقادمين للعمرة على تلبية متطلباتهم في التجول والتزاور في المناطق التاريخية والإسلامية وفق برامج محددة وضعت لهم، وبميزانيات مالية معينة.

وأضاف البشاوري «البرنامج سيساعد في التوسع السياحي للبلاد، الذي كان مقتصرا على المناطق الباردة، بحكم انحسار المعتمرين في منطقتي مكة والمدينة المنورة، والمصطافين في الطائف وأبها والباحة، بالإضافة إلى ما يضيفه من تنشيط سياحي كانت المملكة في حاجة له، وتسيير البرامج السياحية إلى المناطق الأثرية والتاريخية بمجمل عام».

وفي تصريح رسمي لوسائل الإعلام، أكد نائب رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار للتسويق والإعلام، عبد الله بن سلمان الجهني، أن الهيئة في المرحلة الماضية عملت مع وزارتي الداخلية والحج على تطوير آلية للتنسيق بين العمرة والسياحة؛ لإتاحة الفرصة لبعض القادمين للسعودية بغرض العمرة، لتمديد مدة زيارتهم للسعودية، والانتقال إلى مناطق محددة، لقضاء بعض الوقت للاطلاع على المواقع السياحية والأثرية في البلاد. وتشمل هذه الآلية القادمين من دول مختارة، وحسب ضوابط محددة متفق عليها بين الهيئة ووزارة الداخلية.

وأوضح الجهني أن برنامج «عمرة بلاس»، يختص بالآلية التي سبق أن نوقشت بين الجهات المعنية، وتم الاتفاق عليها تحت مسمى «آلية التنسيق بين العمرة والسياحة»، وهي مقصورة على القادمين في موسم العمرة، ولا تشمل القادمين لفريضة الحج، مشيرا إلى أن الهيئة ووزارة الحج تعملان حاليا على تطوير النظام الإلكتروني الذي سيتيح تطبيق هذه الآلية بالتعاون والارتباط الكامل بمركز المعلومات الوطني بوزارة الداخلية.

وأبان أن تطبيق هذه الآلية سيكون له مردود على سد فجوة الطلب التي تحصل في بعض شهور السنة في المواقع السياحية، كما ستقلل الضغط على مرافق مكة المكرمة بتقليل الفترة التي يبقى فيها المعتمر في مكة المكرمة، وإتاحة الفرصة له للاطلاع على النهضة الشاملة التي تنعم بها المملكة، ولله الحمد.

وأشار نائب رئيس الهيئة للتسويق والإعلام إلى أن الآلية المقترحة سيتم تطبيقها من خلال انضمام المعتمر إذا رغب إلى أحد البرامج السياحية التي تنظمها شركات تنظيم الرحلات السياحية المعتمدة من الهيئة مع استمرار التأشيرة للمعتمر، واستمرار مسؤولية شركات العمرة؛ لضمان مغادرة المعتمر بعد استكمال برنامجه في السعودية، وهو ما سيساعد على تلافي الكثير من السلبيات المتعلقة بتخلف المعتمرين.

وأكد الجهني أن سياسة الدولة تقوم على الفصل التام بين نشاطي السياحة من جهة والحج والعمرة من جهة أخرى؛ فالحج والعمرة شعيرتان دينيتان لا تسعى الدولة للاستفادة منهما اقتصاديا، وهما غير مصنفتين ضمن النشاطات السياحية التي تعمل الهيئة على تنميتها وتسويقها، والآلية المقترحة تأتي منسجمة مع تلك السياسة، حيث يتم توفير برامج سياحية للمعتمرين خلال وجودهم لأداء العمرة، تتيح لهم زيارة مناطق أخرى من المملكة، وممارسة أنشطة سياحية متعددة، بما في ذلك التسويق، والعلاج، وزيارة المواقع التاريخية، وزيارة الأهل والأصدقاء والترويح، وغير ذلك إذا رغب المعتمر في ذلك، ويستمر التعامل معه خلال هذه الفترة على أنه معتمر من ناحية التأشيرة ومسؤولية شركة العمرة عنه.