باحثون يحددون خطوات بسيطة وفعالة لمكافحة البدانة

يحذرون في دراسة من مخاطرها في الدول التي تشهد نموا في مستوى المعيشة

يقول بعض الخبراء إن فرض ضرائب على الوجبات السريعة وخفض إعلانات الأطعمة وجعل بيانات المكونات على المنتجات أكثر وضوحا ربما يكون أفصل السبل للحد من معدلات البدانة
TT

علق أحد المراقبين الاجتماعيين في بريطانيا قائلا إن أبناء الفئات الاجتماعية الفقيرة يعانون على مرحلتين في حياتهم، عندما يكونون فقراء وحين تتحسن أوضاعهم، ففي الدول الصناعية كانت تعاني هذه الفئات في القرن التاسع عشر من سوء التغذية، وذلك بسبب نقص المواد الغذائية، مضيفا أن الغريب في الأمر أن هذه الفئات نفسها رغم تحسن أوضاعها ما زالت تعاني من سوء التغذية، ولكن الغريب في الأمر أن سوء التغذية هذه المرة جاء معكوسا، حيث سببه كثرة الأطعمة، وليس شحتها، الرخيصة وغير الصحية والموجودة بكثرة في المتاجر الضخمة (السوبر ماركت).

وهذه الحالة هي ما حذرت منها دراسة جديدة تناولت الأوضاع الصحية في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي بدأ أبناؤها يحذون حذو أمثالهم في الدول الصناعية الذين يعانون من مستويات عالية من السمنة كما هو الحال في بريطانيا.

عند زيارة أي من المتاجر يكتشف الشخص الكم الهائل من المأكولات الجاهزة، خصوصا الكعك بأنواعه الذي يحتوي على كميات كبيرة من الدهون والسكر، والذي يمكن شراؤه بأقل الأثمان. وفي الحال يخطر على بال الشخص العبارة الشهيرة التي أطلقتها ماري انطوانيت زوجة لويس السادس عشر في القرن الثامن عشر عندما قالت للفقراء الذين كانوا يطالبون بالخبز، بأن يأكلوا البسكويت.

ومن هذا المنطلق فقد شقت السمنة طريقها داخل الفئات الفقيرة في المجتمعات الغربية (خصوصا بريطانيا) والولايات المتحدة، بسبب وجود الأطعمة غير الصحية الرخيصة في متناول أيديهم. وهذا ما حذر منه الخبراء بخصوص مجتمعات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مثل الهند والبرازيل والمكسيك والصين وجنوب أفريقيا وروسيا، التي بدأت تتحسن مستويات معيشتها، إضافة إلى إنجلترا، التي تعاني من مشكلة البدانة أكثر من غيرها من الدول الأوروبية الأخرى.

ويجيب بعض الخبراء بأن فرض ضرائب على الوجبات السريعة وخفض إعلانات الأطعمة وجعل بيانات المكونات على المنتجات أكثر وضوحا ربما يكون أفصل السبل للحد من معدلات البدانة المتنامية في بلدان مثل الهند والصين التي بات ازدهارها المتزايد سببا في خلق جيل جديد من المستهلكين أصحاب الوزن الثقيل. إذن ما هي أفضل الطرق لمكافحة البدانة التي بدأت تعصف بالكثير من البلدان الصناعية؟

قال خبراء عالميون في دراسة نشرت أمس إن الاقتصادات الصاعدة لا بد أن تتخذ إجراء لخفض معدلات البدانة بين سكانها قبل أن تصل المشكلة إلى المستويات الموجودة في الدول الصناعية المتقدمة.

وقام باحثون من منظمة الصحة العالمية ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بدراسة عدة استراتيجيات لمحاربة البدانة في ستة من الاقتصادات الصاعدة وكذلك في إنجلترا.

وتوصل الباحثون إلى أن مزج خطوات الوقاية مع استراتيجية منسقة سيكون له أثر صحي كبير.

وقالت ميشيل سيتشيني، محللة السياسة الصحية بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وإحدى المشاركات في الدراسة: «انتهاج استراتيجية متعددة الأبعاد سيؤدي إلى مكاسب صحية أكبر بكثير من اتباع برامج منفردة مع تكلفة اقتصادية أقل».

وكشفت الدراسة التي نشرت في دورية «لانسيت» العلمية عن أن اتباع حميات غذائية غير صحية وعدم ممارسة نشاط بدني يدفعان معدلات السمنة في تلك البلدان السبعة سريعا نحو المتوسط الموجود في جميع دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حيث يعاني نصف تعداد سكانها بالفعل من زيادة في الوزن ويعاني واحد من بين كل ستة أشخاص من السمنة المفرطة.

وقال الباحثون في الدراسة التي قادها فرانكو ساسي إن الاستراتيجية المنسقة ستشمل حملات توعية صحية في وسائل الإعلام وفرض ضرائب وتقديم دعم لتشجيع الناس على تناول أطعمة أكثر فائدة وإلزام المنتجين بطباعة بيانات المكونات على منتجاتهم والحد من إعلانات أطعمة الأطفال. وقد تقل تكلفة مواجهة السمنة بهذه الطرق عن دولار واحد لكل فرد.

ويعزو الخبراء الحالة البريطانية إلى الثقافة السائدة في تناول المأكولات غير الصحية التجارية الموجودة بكثرة في السوق، وهذا يعود إلى التطور التاريخي للنظام الاجتماعي الاقتصادي بسبب الثورة الصناعية التي سبقت غيرها في بريطانيا. ومن هنا جاءت الحملة التي أطلقها الشيف البريطاني الشهير، والتي بدأت تعطي ثمارها. وقام أوليفار بحملة استمالت لعاب السياسيين في الأحزاب البريطانية الرئيسية، إذ طالب الإدارات الحكومية المختلفة وكذلك الأهالي بنظام تعليمي غذائي لتغيير الثقافة الاستهلاكية السائدة في تناول الطعام. وقام بنفسه بالطبخ في المدارس وتقديم وجبات غداء مطبوخة، لكنها تحتوي على مكونات صحية متوازنة ومتكاملة، من خضار وفواكه وأسماك وغيرها، بدلا من ترك الأطفال يتناولون البطاطا المقلية والشوكولاته والمشروبات الغازية. وقام أوليفار بحملة مماثلة في الولايات المتحدة، لكن حملته لم تلق الترحيب نفسه بين العائلات الأميركية.

وأصبح شيئا مسلما به أن السمنة تزيد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والسكري وبعض أنواع السرطان والتهاب المفاصل، وجميعها أمراض مزمنة تتطلب علاجا مكثفا وطويلا.