مؤتمر المخطوطات بمكتبة الإسكندرية يعيد النظر في الأصول الشرقية للتراث العربي

تواصلا مع مؤتمراته السابقة وبمشاركة باحثين من شتى بقاع العالم

TT

أعلن مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية عن أن مؤتمره الدولي الثامن المزمع عقده في شهر مايو (أيار) من العام المقبل الذي سيشارك فيه باحثون من شتى بقاع العالم، ستركز محاوره العلمية حول «الأصول الشرقية للتراث العربي الإسلامي»، وذلك تواصلا مع حلقة البحث التي ناقشها المركز في مؤتمره السابق، وانتهت إلى ضرورة معاودة النظر في الأبعاد المتعددة للتواصل التراثي، لا سيما ما يتعلق فيها بالتراث العربي والإسلامي، سعيا لاستقصاء الأمر تفصيلا، وتأسيسا لفهم أعمق لتراثنا، وموقعه المهم في مسيرة التطور الإنساني الخلاق.

حول المؤتمر، أوضح الدكتور يوسف زيدان مدير مركز المخطوطات أنه من المهم لاستجلاء هذه الأصول الشرقية، أن نحدد الإطار الجغرافي أولا لمفهوم (الشرق)؛ فللوهلة الأولي، يبدو أن ثمة معنى «جغرافيا» للشرق وآخر «مجازيا». فمن حيث الجغرافيا، فإن آسيا هي الشرق، وأوروبا هي الغرب. ومن حيث المجاز المستفاد من الرؤى التاريخية المتمحورة حول الذات، فإن أوروبا هي (مركز الكون) الذي يقال للأقرب منه «الشرق الأدنى، وللأبعد «الشرق الأقصى»، ثم يطفر في الخطاب السياسي المعاصر، مؤخرا، مصطلح «الشرق الأوسط» كمتوسط بين الأدنى والأقصى. لكن في حقيقة الحال، كلا المعنيين مجازي، ليس للجغرافيا فيه نصيب إلا من حيث كونها منطلقا للوهم والمجاز. لأن كروية الأرض تجعل الغرب شرقا للشرق، والشرق غربا للغرب! يتابع زيدان: «على ذلك، فإن قولنا في عنوان المؤتمر (الأصول الشرقية) إنما يراد منه، فحسب، الإشارة إلى ما يقع بحسب الخرائط المرسومة، إلى جهة الشرق من قلب العالم الإسلامي (مصر، والجزيرة، والهلال الخصيب/ الشام والعراق)، وبهذا الاعتبار تصير بلاد فارس شرقية، والهند شرقية، وما وراءها شرقيا. وإن كان بعض هذه المواضع، هو بالنسبة لبعضها الآخر، غربا! وقد تجلى هذا لدى عدد كبير من مشايخنا المتقدمين، وعلمائنا السابقين، حيث استعملوا كلمة (شرقي) استعمالا خاصا يمتزج فيه المكاني بالمجازي، بل يغلب فيه المجازي على المكاني، بحيث يصير للمشرق في كلامهم معنى مخصوصا، خاصة عند ابن سينا والبيروني والسهروردي.. وغيرهم».

ويذكر زيدان أن في التراث العربي مؤشرات دالة، وإشارات كثيرة، قوية، إلى ما هو شرقي ومشرقي. فمن المؤشرات الدالة، ابتداء الترجمة العلمية في العصر الأموي، بكتب الطب الهندي من أمثال «كتاب شاناق في السموم والترياق» وكتب الأطباء الهنود، من أمثال «كنكه، منكه» المذكورَيْن في القوائم التي أوردها ابن أبى أصيبعة، في القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) لأطباء المشرق والمغرب.. مع أننا لا نعرف الكثير عن هؤلاء الأطباء، الهنود، ولكن بأيدينا نصوص علمية، بالعربية، تنسب إليهم.

ويلفت زيدان إلى علاقة التأثير والتأثر المتبادلة بين التراث العربي والتراثات الأخرى بقوله: «إن من المؤشرات الدالة، التي تستوجب النظر المتعمق، أن هناك أصولا شرقية للتراث الغربي. حتى في أشهر الأفكار والنظريات، مثل (نظرية المثل) عند أفلاطون؛ إذ نلحظ أن قدماء الفرس كانوا يعتقدون بوجود أصل سماوي (أول) للأشياء؛ فالماء الأرضي له صورة علوية (مثالية) هي مُرداد، وللنار أصل هو خرداد».

وعن محاور المؤتمر المقبل، يشير زيدان إلى أنه يستهدف البحث في عدة محاور تستشرف الأصول الشرقية للتراث العربي الإسلامي؛ ويتساءل محور منها عن سبب خفوت هذا الأثر، أو إخفائه، في مقابل العناية الوفيرة ببحث العلة بين التراثين العربي/ الإسلامي، واليوناني القديم. كذلك من محاور المؤتمر، النظر في الأصول المترجمة عن اللغات الفارسية والهندية، وأثرها في صياغة الإسهامات العربية في تاريخ الإنسانية، سواء في مجال العلوم والمعارف، أو مجال الأدب، والفن، والإدارة، والسياسة (حسب ما يظهر لنا من ترجمات ابن المقفع). وتعد جهود البيروني وأعماله، أحد المحاور الأساسية للمؤتمر، حيث يجب علينا النظر في ما أخذه تراثنا العربي عن الهند وفارس، من خلال هذه الجهود التي لا يزال معظمها مطمورا في وعينا التراثي العام.

كما يطرح المؤتمر محورا حول إعادة بناء التراث السابق (الهندي، الفارسي) في ثوب عربي يكتسب دلالات جديدة لم تكن متضمَّنة في النصوص الأصلية، وهو ما فعله ابن المقفع، والفردوسي، وجلال الدين الرومي. بالإضافة إلى أسئلة من نوع: ما الأثر المشرقي في علم الحديث النبوي، روايةً ودرايةً، عبر جهود مشرقيين من أمثال: أبى حنيفة، ابن المبارك، البخاري، أبى داود السجستاني، الترمذي، النسائي، ابن ماجه، إسحاق بن راهويه، وابن قتيبة، وغيرهم من أعلام هذا العلم.