رحلة الحج.. من فوق ظهور الجمال الى ركوب القطار

قطار المشاعر والحافلات الفارهة تثير ذكريات معاناة تنقل ضيوف الرحمن

الكعبة المشرفة تكتسي ثوبها الجديد أمس (واس)
TT

لم يكن يتخيل من قام بأداء فريضة الحج في الماضي مرتحلا على ناقته أو بعيره، أن يأتي اليوم الذي يستقل فيه حجاج بيت الله الحرام أحدث وسائل النقل، وأكثرها تطورا.

وأثار مشروع قطار المشاعر المقدسة، وحافلات النقل الفارهة، ذكريات معاناة تنقل ضيوف الرحمن في مواسم الحج، التي بدأت من فوق ظهور الجمال، وانتهت أخيرا بركوب القطار.

ولم تقتصر عملية التحديث في المشاعر المقدسة على وسائل النقل فقط، بل تعدت ذلك لتشمل كامل منظومة الحج، من أماكن إيواء، ومواقع أداء المناسك، وغيرهما.

يتذكر مليا، العم عبد الصمد محمد عبد الصمد، عمدة حي البلد في جدة، خلال حديثه إلينا، كيف كان الحج في الماضي، وكيف أصبح هذه الأيام، متوقفا عند أهم النقاط، من وجهة نظره، وهي أن الحاج هذه الأيام ينعم بالأمن، وذلك خلافا لما كان عليه الحال سابقا، حيث كان يودع الحاج فيه أهله ولا يدري ما إذا كان سيلقاهم مرة أخرى، أم لا.

رحلة الحج، مع بساطتها في هذا الوقت، فإن مشقتها ستبقى قائمة. لكن الحكومة السعودية، ومنذ توليها هذا الملف، تعمل سنويا من أجل الوصول بمشقة الحجاج إلى حدها الأدنى.

في حديثه لـ«الشرق الأوسط» يقول العم عبد الصمد: «لقد كان الحاج في الماضي يعاني من الكثير من المشكلات. فانعدام الأمن، وقلة الماء، وصولا إلى ندرة أماكن الإيواء، كل تلك العناصر مجتمعة شكلت عوائق كانت تقف حجر عثرة في وجه ضيوف الرحمن».

لكن الوضع اليوم، طبقا لعمدة حي البلد في مدينة جدة، اختلف عن السابق بكثير، إذ يقول: «بفضل الله، ثم بفضل الحكومة الرشيدة، أصبح الحج ميسرا عما كان عليه في السابق بمراحل متقدمة».

وقبل عشرات السنين، كان الراغبون في أداء مناسك الحج، يشدون رحالهم عن ديارهم، قبل أكثر من شهر من الموسم، كي يتمكنوا من الوصول في الموعد المحدد. وكانت بعثات الحج ببساطتها تبدأ العمل خلال فترة الـ11 شهرا التي تسبق شهر ذي الحجة.

غير أن الحال اليوم مختلف تماما. فالذي يريد الحج لن تفصله سوى ساعات قليلة للوصول إلى مدينة جدة الساحلية، قبل الانتقال إلى الأماكن المقدسة عن طريق البر.

وفي هذه النقطة تحديدا، يشير عمدة حي البلد في جدة، عبد الصمد محمد عبد الصمد، الذي استجاب للحديث لـ«الشرق الأوسط» رغم مرضه، بقوله إن مسألة الانتقال إلى المشاعر المقدسة، كان في الماضي، يواجه صعوبة كبيرة، لناحية وسيلة النقل المستخدمة في ذلك.

وكان الحجاج قديما يستعينون بالدواب كوسيلة نقل للوصول إلى المشاعر المقدسة. يقول العمدة عبد الصمد: «كنا في السابق نستقل الهودج في حال رغبنا الذهاب إلى الحج، ولم تكن الطرق معبدة في ذلك الوقت، ولا يكاد الحاج يصل إلى مبتغاه إلا وقد خارت قواه من الرحلة للمشاعر المقدسة».

ومع تطور وسائل النقل، أصبح الحجاج يستخدمون ما يسمى بـ«اللوري أبو هندل»، وهي مركبة بدائية تسير وفق آلية تعبئة معينة. وحتى في ظل وجود هذه الوسيلة، يؤكد العمدة عبد الصمد، أنها كانت متعبة للحجاج، حيث كانت تسير لفترة قليلة من الزمن، ثم ما تلبث أن تتوقف، حتى يتم تهيئتها مرة أخرى لاستئناف الرحلة.

ولم يكشف عمدة حي البلد في جدة، عن عدد المرات التي قام فيها بالحج، غير أنه أشار إلى أنه حج في الماضي والحاضر، ويؤكد أن هناك بونا شاسعا بين أول مرة قام فيها بأداء الفريضة، وبين آخر مرة، حيث يقول وهو على السرير الأبيض: «في آخر مرة أديت فيها فريضة الحج لا تتصور مدى الراحة التي كانت تتملكنا. كل شيئا أصبح ميسرا خلافا للحج في الزمن الماضي الذي كان أشبه بالجهاد الفعلي».

ويفسر الحاج عبد الصمد، كثرة أعداد الحجاج، وتزايدهم عاما بعد عام، بسبب تيسر أمور أداء فريضة الحج أمامهم. ويقول: «في السابق كانت أعداد الحجاج بسيطة جدا، فلقد كان شظف العيش هو المسيطر، ولم يكن من السهل على المسلم أن يتقدم لأداء فريضة الحج».

بيد أن الوضع هذه الأيام، طبقا لعبد الصمد، اختلف كثيرا، فالحجاج الذين يصل عددهم لـ3 ملايين حاج، لو لم يكن أداء الحج ميسرا لهم على أتم وجه، لما كانت أعدادهم وصلت إلى هذه الأرقام القياسية.

ومن المعلوم، أن كل مشعر من المشاعر المقدسة، ناله نصيب من جهود التطوير والتحديث. وإن الذي كان بالأمس يشكل هاجسا لحكومة الرياض، أصبح اليوم مفخرة تباهي به دول العالم، والأمر المشار إليه هنا هو جسر الجمرات، الذي كان يقلق السعوديين كثيرا، كون غالبية الوفيات في الحج تتم من فوق جسر الجمرات، بسبب الزحام والتدافع الذي يشهده، وخصوصا في اليوم الـ12 من شهر ذي الحجة.

واليوم، الوضع في الجمرات مختلف تماما. فالجسر تحول إلى منشأة ضمن مشروع تطويري ضخم، أطلق عليه «منشأة جسر الجمرات»، ومكون من عدة طوابق. وأصبح من التاريخ أن تشهد الجمرات تزاحما وتدافعا. وأصبح اليوم من السهولة بمكان أن يرمي الحاج الجمرات بكل يسر وسهولة، وأن يلتقط الصور التذكارية.

ولعل أهم ما شغل بال السلطات السعودية، هو كيفية تطوير حركة النقل داخل المشاعر المقدسة، سواء كانت تلك التي تتصل بالمركبات أو الحجيج.

ومع تزايد أعداد الحجاج، عاما بعد آخر، كانت سلطات الرياض تفكر في الحلول الملائمة التي تطور فيها من حركة النقل داخل المشاعر، واتخذت الكثير من الخطوات التي تكفل تيسير حركة المرور داخل المشاعر.

ومنذ عهد الملك المؤسس، عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، كان هاجس التنقل بين المشاعر المقدسة، حاضرا وبقوة. ويقول أحد المهتمين بهذا الملف لـ«الشرق الأوسط» إن الملك المؤسس حينما قرر أن يصدر أول نظام للمرور في البلاد، وضع نصا يعطي أولوية المرور فيه بالمشاعر المقدسة للذين يعتمدون على الإبل في تنقلاتهم.

وبعد أن عرفت البلاد السيارة، فكان يسمح في الماضي، طبقا لأحد المهتمين، بدخول الحجاج بالسيارات والوصول بها إلى جانب أبواب الحرم المكي، وهو ما لا يتاح حاليا، حيث تمنع السيارات كليا من دخول مكة المكرمة خلال فترة الحج.

ومع تزايد أعداد السيارات التي تحمل حجاج بيت الله الحرام، أدخلت الحكومة السعودية الكثير من التعديلات على خطط النقل داخل المشاعر، فمنعت في بداية الأمر، المركبات الأقل من 9 ركاب من دخول المشاعر المقدسة، وحين كثر اقتناء مثل هذا النوع من المركبات أصدرت الحكومة قرارا بحظرها، والسماح فقط للمركبات التي تحمل 25 راكبا وأكثر من دخول المشاعر.

ومع كل هذه الخطوات، اعتمدت الجهات المعنية بملف الحج، نظام النقل الترددي، الذي يطبق هذا العام في مرحلته الثالثة. وسيتم الاستغناء عن نظام النقل الترددي، في حال تم تشغيل قطار المشاعر المقدسة، وفقا لطاقته الاستيعابية القصوى، حيث يتوقع أن يحل مشكلة النقل داخل المشاعر المقدسة بشكل كامل.