حلمي التوني يستعيد روح الحكايات الشعبية في معرضه الجديد بالقاهرة

يعارض لوحات شهيرة لجويا ودافنشي ومحمود سعيد

TT

بروح الحكايات الشعبية ينسج الفنان حلمي التوني لوحاته، ويمنحها بأسلوبه الخاص حيوية فنية لافتة، تنعكس في المساحات الصريحة للألوان والخطوط، وفي التعامل مع الفراغ ككتلة حية من الضوء، تحتضن التكوين وتنوع مداراته في فضاء اللوحات.

تبرز هذه الروح في معرض التوني الجديد «على الشاطئ» الذي افتتح مؤخرا في «قاعة بيكاسو» بالقاهرة، ففي اللوحات تطالعك وجوه طفولية نجلاوات العيون موشومة بالموتيفات الشعبية المصرية، تتقاطع وتتجاور مع رموز وموتيفات أخرى خاصة بالفنان نفسه، مثل المصباح، والسمكة أو هيكلها، بل أحيانا ما تكون السمكة طائرة، كذلك البيضة التي استخدمها التوني كثيرا، أيضا المربعات المتباينة الألوان وظفها الفنان في أغلب لوحاته بصيغ فنية مختلفة، فهي تأتي أحيانا في شكل قلادة تزين عنق فتاة، أو في نسيج مقعد خشبي، أو رداء يرتديه أحدهم، أو حائط يومض في الخلفية. في إحدى اللوحات تجلس فتاة تتكئ علي نافذة صغيرة.. الحائط وجزء من الأريكة كله ملون على شكل مربعات، وفي الخلفية يتراءى البحر كجزء من التكوين، الفتاة حالمة وشاردة وهناك بيضة على الأرض بجوار قدميها ويتدلى من السقف مصباح كأنه شقيق البيضة التي في الأسفل، فهي أيضا مضيئة مثله، فالبيضة المضيئة توحي هنا بالأنوثة أو الخصوبة، يكملها، أو يبدو كصدى لها نور المصباح في الأعلى أو نور المعرفة. وفي قدمي الفتاة الخلخال الشعبي الذي ترتديه حتى الآن بعض النساء، خاصة في الأقاليم، وبجوار البيضة أيضا زهور مرسومة بأسلوب التوني الخاص، خضراء اللون مثل فستان الفتاة، وإناء الزهور نفسه أزرق يرد على زرقة البحر القريب البعيد، ليصنع توازنات لوحاته بأسلوبه الخاص الصريح الحاد الطفولي، سواء في حركة الخط أو اللون.

لكن لماذا يرتدي البعض في لوحاته الطربوش؟ ولماذا تأتي بعض الأسماك ريانة ممتلئة وأخرى مجرد هيكل عظمي؟ ما يقصده الفنان بالهيكل العظمي هو الحرمان من أمر ما أو الكبت، والسمكة الريانة المقصود بها العكس، فمثلا في إحدى اللوحات نجد فارسا ملكي المظهر يمتطي حصانا، لكن لا تصل قدماه إلى المكان الذي يضعهما فيه ليقود الحصان، أي أنه لا يقدر على القيادة السليمة، تحت الحصان نجد الهيكل العظمي للسمكة ملقى على الأرض.

هناك لوحة للفنان بها فتاة صغيرة (طفلة)، تجلس على أريكة، وتجلس بجوارها دميتها أو «عروستها»، ومن أعلى يتدلى بينهما مصباح يضيء وجهيهما، وفي الخلفية خط رفيع جدا مشرب بزرقة بنفسجية كأنه شاطئ بحر، بينما يقبع فنار بحري على بعد خطوات، وفي خط اللوحة الأعلى تتراءى الأهرامات الثلاثة.. إن الأريكة تتحول إلى أرجوحة للزمن، بينما ترمز الطفلة إلى طفولة الحضارة، بينما تجسد الأهرامات العمق الحيوي لها، ويومض الفنار والبحر والمصباح كرموز للحيوية والانطلاق ومجابهة المجهول في فضاء واضح وصريح. يتضافر مع كل هذا استخدام الفنان للون الأحمر الساخن بتدرجاته المتقاربة المفعمة بالطاقة والتحفز، وهو عامل مشترك في كل لوحات المعرض تقريبا، حيث استخدم الفنان اللون الأحمر بنسب متفاوتة لكنه موجود دائما.

في سياق هذا الإيقاع نلمح لوحة أخرى بطلتها طفلة أيضا ترتدي قبقاب تزحلق ويتدلى من أعلى مصباح كهربائي لكنه مطفأ، وتمسك هي من الجهة الأخرى بشمعة مشتعلة، والضوء يأتي من هذه الناحية فقط، والورد بجوارها يتوازى ظله مع ظل القبقاب الذي ترتديه. وتحت عباءة هذه الروح الشعبية يقدم التوني معارضات فنية لافتة لبعض اللوحات الشهيرة لفنانين كبار، أمثال: جويا وبيكاسو ودافنشي ومحمود سعيد. ويسجل على اللوحات نفسها إهداء خاصا لهم، ففي لوحة تستوحي لوحة «بنات بحري» لمحمود سعيد أهدى اللوحة له قائلا: «إلى المعلم محمود سعيد». لم يستنسخ التوني اللوحات، بل أعاد تشكيلها بأسلوبه ورؤيته الفنية، منطلقا من شغفه وحبه الواضح لهؤلاء الفنانين. في لوحة ليوناردو دافنشي الشهيرة «الموناليزا» رسم حلمي التوني «الموناليزا» امرأة صعيدية شعبية على وجهها وشم أو «دقة» شعبية، وكأنه يريد أن يقول: «موناليزا صعيد مصر»، أو من الريف المصري القديم نسبيا.