مساعدات حكومية صينية لتطوير طريق الحرير

تدمير التراث المعماري الإسلامي لمدينة كاشغر.. لحمايتها من الزلازل!

تحاول سياسات بكين الجديدة إخفاء مشكلة تطلع الإيغور المتزايد للحكم الذاتي
TT

كانت النشرة الإعلانية تعد برؤية «قطعة من الجنة»، ولكن «شانغريلا»، مجمع الشقق السكنية الذي لم يكتمل، والواقع على الضواحي المتربة في هذه المدينة، لم يكن يشبه هذا الوصف. وكان الجفاف يلف المشهد، وكانت أكثر ما يمكن ملاحظته قطيع الماعز التي تتجول عبر أكوام من القمامة.

وتحت مظلة بلاستيكية مكتوب عليها «مركز مبيعات»، كانت تجلس موظفة مبيعات صينية شابة تلبس تنورة قصيرة غير ملائمة، وتطمئن المشترين المرتقبين بقولها: «لا تقلقوا، سوف يتم إنشاء بحيرة صناعية، وكل هذه المباني سوف تُهدم»، مشيرة بذلك إلى المنازل المبنية من الطوب اللبن التي يشغلها الإيغور، وهم أفراد مجموعة عرقية تتحدث اللغة التركية وتهيمن على هذا الركن الواقع في أقصى غرب الصين، والمعروف باسم سينكيانغ.

وإذا كانت موظفة المبيعات قد بدت غير مهتمة، فيرجع ذلك إلى عدم وجود الكثير من الأشياء التي يمكن أن تبيعها. وكانت شقق المرحلة الأولى من مجمع «شانغريلا» السكني، التي تضم 900 شقة سكنية، قد بيعت بسرعة كبيرة بعد بداية أعمال البناء خلال فصل الصيف الحالي. وتحدث مشترون محتملون بشأن 600 شقة إضافية مخطط تشييدها.

ويتكرر ذلك الوضع في هذا الموقف على طريق الحرير، حيث أصبح الأفق الذي كان يهيمن عليه مآذن المساجد وتمثال ضخم للزعيم الصيني ماو تسي تونغ في يوم من الأيام مليئا بالرافعات والمباني الشاهقة.

وكان الانتعاش العقاري، المدعوم بشكل كبير من قبل مضاربين مقبلين من أجزاء أخرى من الصين، قد نشط خلال فصل الربيع الحالي بفعل توجيهات من الحكومة المركزية التي جادت على كاشغر بمساعدات اقتصادية، وأنشأت منطقة تنمية خاصة.

وقال هان كونليانغ، موظف المبيعات في مجمع «يوربيان فيو غاردنز»، المجمع الفاخر للشقق السكنية، حيث تضاعفت الأسعار تقريبا في الشهور الأخيرة: «لا يمكننا أن نبني الشقق بسرعة تكفي لتلبية الطلب. تعال إلى هنا خلال خمس سنوات، ولن تتعرف على المكان».

التعيير المفاجئ في حظوظ المدينة مدهش بالنظر إلى حقائق كاشغر، وهي مدينة فقيرة منعزلة تحيط بها الصحراء وتبدو أقرب إلى بغداد منها إلى بكين. ويقل الدخل المحلي لكل فرد في المناطق المدنية بإقليم سينكيانغ بنحو نسبة 30 في المائة عن الدخل المحلي لكل فرد في المدن الصينية إجمالا. وتبدو الوظائف نادرة وإمدادات المياه محدودة.

يضاف إلى ذلك الزواج غير السعيد بين عرقية هان الحاكمة وعرقية الإيغور المحكومة، وهم مسلمون سنيون يمتلكون عادات مشتركة بشكل أكبر مع الأشخاص الذين يعيشون على الحدود في طاجيكستان وقرغيزستان وكازاخستان. وقد استمر هذا التوتر منذ عام 1949، عندما سحقت القوات الصينية دولة مستقلة اسميا للإيغور، كانت تعرف باسم جمهورية تركستان الشرقية.

وقد سعت الحكومة المركزية، التي شعرت بالانزعاج إزاء هذه الاضطرابات، إلى تهدئة المنطقة عبر الجمع بين توفير مساعدات اقتصادية سخية للمنطقة والسيطرة بقبضة حديدية عليها. وتم إعدام تسعة أفراد اتهموا بالمشاركات في أعمال الشغب التي اجتاحت مدينة أوروميتشي.

ولكن السلطات استبدلت أيضا بالزعيم المتشدد للمنطقة زعيما آخر أكثر ليونة وهو زهانغ تشونجيان، رئيس حزب سابق بمقاطعة هونان. وفور تعيينه خلال فصل الربيع الماضي، وصف تشونجيان نفسه بأنه ابن سينكيانغ، وأعلن عن التزامه بتحقيق «الرخاء والرفاهية لشعب سينكيانغ».

وتزامن الخطاب الأكثر اعتدالا بالحصول على وعد بتقديم عشرات المليارات من الدولارات، كمساعدة للتعليم، ولبناء خمسة مطارات جديدة، وطرق سريعة، وخط سكك حديدية، يجعلها محطة مركزية بين جنوب ووسط آسيا.

وسوف يجبر العنصر الأكثر غرابة في خطة الدعم المالي لإقليم سينكيانغ 19 مدينة وإقليما شرقيا على تسليم أكثر من 1.5 مليار دولار أميركي إلى الإقليم على مدار السنوات الخمس المقبلة، وسوف تتلقى كاشغر نصف هذا المبلغ تقريبا، وسوف يأتي قدر كبير من هذا المبلغ من مدينتها الشقيقة شينزين في جنوب الصين.

وقد أثار الربط بين مدينتي كاشغر وشينزين سكان كاشغر (والمضاربين العقاريين)، على أمل أن بكين تخطط لجعل المدينة تبدو مثل شينزين.

ففي عام 1980، كانت شينزين قرية للصيد، ميزتها الكبرى هي قربها من هونغ كونغ، عندما أعلن دينغ جياوبينغ عن تحويلها إلى منطقة اقتصادية خاصة. والآن أصبحت شينزين مدينة صناعية عملاقة يسكنها تسعة ملايين فرد.

وقال عليم تركاش، سائق تاكسي، بابتسامة عريضة: «إنهم يقولون إننا سوف نصبح مركزا تجاريا في منطقة وسط آسيا».

ولكن النشاط المفرط يعتمد نوعا ما على المعلومات المضللة، وسوف يتم تخصيص جزء صغير من مدينة كاشغر لكي تصبح «منطقة تنمية اقتصادية»، وليست «منطقة اقتصادية خاصة»، تلك الوضعية السحرية التي حولت شينزين إلى ما هي عليه الآن. وفي الحقيقة، سوف تصبح المنطقة أكثر قليلا من مجرد توسعة لواد صناعي نائم يتعرض حتى الآن لمعوقات بفعل قلة الكهرباء والمياه.

وهناك معوقات أخرى تشمل بعد مدينة كاشغر عن المنطقة الشرقية في الصين التي تتميز بنشاطها وحيويتها، وحقيقة أن جيرانها الغربيين، ومن بينهم أفغانستان وباكستان وأوزبكستان، ليسوا قوى اقتصادية ضخمة بكل تأكيد.

وبعد ذلك، هناك العقبة المتمثلة في تدمير الحي القديم بمدينة كاشغر، الذي كان يحتوي على متاهة عمرها ألفا عام من المنازل المبنية من الطوب اللبن، التي كانت في يوم من الأيام مصدر جذب أساسي للسياح. وتقول الحكومة إن تدمير الحي يعد جزءا من خطة لحماية المدينة من الزلازل، ولكن الكثير من السكان المحليين يشتكون من عمليات الترحيل الإجبارية وخسارة تراثهم المعماري. وتساءل نادل في مقهى يلبي احتياجات السياح الأجانب: «عندما تختفي المدينة القديمة، من سيرغب في المجيء إلى مكان يشبه كل مدينة صينية أخرى؟».

ومع ذلك، يقول أنصار خطة الحكومة الاقتصادية إن الأموال الإضافية سوف تقطع طريقا طويلا من أجل تحويل منطقة أعمدتها الاقتصادية الأساسية هي القطن والشمام والسكاكين المزخرفة.

وقال تشين ياو، الأستاذ المتخصص في دراسة اقتصاديات غرب الصين بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، إن مشاريع البنية الأساسية، والمساعدات التي تقدر قيمتها بمبلغ 30 مليار دولار، التي وعدت بها الحكومة المركزية، من المؤكد أن يكون لها تأثير عميق على المنطقة. وذكر أن أفضل أمل للمنطقة هو تحويل كاشغر إلى محور انتقال للسلع الصينية المتجهة إلى آسيا الوسطى ومنطقة صناعية تستخدم السلع الخام المقبلة من الطريق الآخر.

وقال: «إذا تمكنا من تحسين حياة الأشخاص العاديين، فإنني أعتقد أن القضايا العرقية لن تمثل قدرا كبيرا من المشكلات».

ولكن حتى إذا اكتسبت مثل هذه البرامج التنموية قوة جذب، يخشى بعض الأشخاص الذين يدرسون المنطقة من أن خطط تنمية إقليم سينكيانغ ربما تفضل التجار وملاك المصانع من عرقية هان الحاكمة، وهو ما قد يضيف إلى مشاعر الامتعاض السائدة بين عرقية الإيغور، وخصوصا إذا كان الاقتصاد الأكثر رواجا سيزيد من حركة المهاجرين المقبلين من بقية الصين.

وقال غاردنر بوفينغدون، أستاذ الدراسات الأوروبية والآسيوية في جامعة إنديانا إن سياسات بكين الجديدة حاولت إخفاء مشكلة قائمة، وهي تطلع الإيغور المتزايد للحكم الذاتي. وذكر أيضا أنه يعتقد أن الحكومة المركزية الصينية ربطت بشكل خاطئ المشاعر المناهضة لعرقية هان بقلة الوظائف والثروة المادية.

وقال: «الحقيقة هي أنه عندما يلبي الناس احتياجاتهم الأساسية، تتزايد احتمالات تفكيرهم في تطلعاتهم السياسية. وعكف الإيغور على المطالبة بالحصول على حكم ذاتي أكبر لوقت طويل، ولكن بكين تتظاهر بأنها لا تسمع ما يقوله الإيغور».

ولكن ما هو واضح ومؤكد أن كرم بكين لن ينساب على أغلبية سكان كاشغر البالغ عددهم أربعة ملايين شخص، 91 منهم من الإيغور، الذين تعوزهم المهارة إلى حد كبير، ولم يتلقوا التعليم في المدارس بلغة الماندرين، اللغة الرئيسية في الصين.

وقد يقدم العدد المتزايد من الشقق السكنية الجديدة، إشارة إلى المستقبل، ذلك أن معظم البنائين والسباكين والكهربائيين من عرقية هان مع استثناءات قليلة، حسبما يقول نحو 90 في المائة من المشترين وسماسرة العقارات.

وعندما سئل عن سبب عدم احتواء المواد الترويجية على نص لغة الإيغور، كان هان، موظف المبيعات في مجمع يوروبيان فيو غاردنز، صريحا، وتساءل: «ما هي الفكرة التي ترغب في قولها؟»، وأضاف أثناء وقوفه بجوار مجسم معماري كبير للمجمع، الذي يقوم على حقول وبساتين كان يمتلكها الإيغور في يوم من الأيام: «إنهم لن يقدروا على دفع ثمن شقة في هذا المكان».

* خدمة «نيويورك تايمز»