مصر: سياحة الصحراء تستهوي نجوم السينما والموسيقى والأزياء العالميين

دي نيرو وبولغاري وتينغا يركبون الجمال ويقيمون في غرف طينية

صورة نادرة للفنان روبرت دي نيرو مع أسرته في الصحراء المصرية
TT

تستهوي صحراء مصر الغربية بشكل متزايد نجوم السينما والموسيقى والأزياء العالميين القادمين من أميركا وفرنسا وإيطاليا وغيرها. نجوم أرهقتهم الأضواء ويريدون الابتعاد عن كاميرات التصوير وأعين المتطفلين وأسئلة الفضوليين. بمجرد وصولهم إلى شمال أفريقيا ينتقلون مباشرة إلى عمق الصحراء على بعد يصل إلى نحو 900 كيلومتر جنوب غربي العاصمة المصرية، حيث تستقبلهم غرف طينية تجمع بين الفخامة والبساطة، ومن بين هؤلاء نجوم هوليوود مثل روبرت دي نيرو، والموسيقار الفرنسي المعروف جان لوك تينغا، ورجل المجوهرات الإيطالي الشهير نيكولا بولغاري، ومصمم المجوهرات جيامباتيستا فالي، وغيرهم.

للتخلص من ضجيج العالم يستقل هؤلاء النجوم الطائرة لتحلق بهم لمدة نحو 60 دقيقة قبل أن تحط في آخر بقعة من العمران بجنوب غربي مصر، وهي عبارة عن واحة الخارجة، ملحق بها مطار صغير.. ومن هناك تبدأ الرحلة بالسيارات، حيث تتكشف الصحراء الواسعة بألوانها المتعددة بعد اجتياز مدينة الخارجة التي تعتبر عاصمة محافظة الوادي الجديد. وعلى مدى الأشهر الأخيرة، راقبت «الشرق الأوسط» زيارات عدد من نجوم العالم، وكانت في صحبة بعضهم أيضا حتى مطلع هذا الأسبوع.

ويكره نجوم العالم اثنين في عزلتهم بالصحراء هما كاميرات المصورين والصحافيين.. بل إن الفنان روبرت دي نيرو نفسه ترك ضجيج القاهرة وزحام المعجبين وتطفل الإعلام، وانتقل على عجل بالطائرة إلى الفضاء الممتد عبر الواحات المبعثرة في جنوب غربي مصر، وأبدى رغبته، بأدب جم، في عدم التصوير أو الإدلاء بأي أحاديث، فيما عدا مزح تبادلها مع سكان محليين قرب مدينة القصر التاريخية الخاوية على عروشها، والتي تعد من أقدم المدن الطينية هناك.

وفي مصر أصبحت بعض المشروعات القليلة، التي أقيمت في السنوات الأخيرة بالصحراء، قرب الواحات، تتيح خيارات متعددة لكي يتعامل نجوم العالم مع دروب المنطقة التي يعتقد أن الإنسان هجرها بسبب تعرضها للجفاف قبل نحو 10 آلاف سنة.. ومن هذه الخيارات توفير سيارات الدفع الرباعي والخيول والجمال للقيام برحلات داخل الأماكن الوعرة، حيث تبدو الصحراء التي قد تظن أنها خاوية، مزدحمة بالتشكيلات الصخرية العجيبة التي تشبه الأجساد والرءوس والأذرع الضخمة لمخلوقات أسطورية معلقة في الصمت، ومزدحمة أيضا بألوانها التي تتعدد ما بين الأحمر والأصفر والأسود والبني والأبيض.

ولا يزيد عدد المشروعات لاستقبال الزوار هناك عن أصابع اليدين، وهي ذات مستويات مختلفة، تبدأ من الفنادق إلى المنتجعات الصغيرة المبنية من الطين وجذوع النخيل وأخشاب السنط. وفي منتجع من الطين على أطراف مدينة موط، عاصمة الواحات الداخلة أقام روبرت دي نيرو وعدد من المقربين له، وتجولوا جميعا في الصحراء وركبوا الخيول والجمال، وسهروا تحت النجوم في سكينة.

«يفضل عدم الاقتراب منه.. يفضل عدم مقاطعته».. هكذا يذكر مرافق للنجم دي نيرو الذي اشتهر بندرة أحاديثه لوسائل الإعلام، ويضيف حين كان مرافقا له في زيارته الأخيرة لمصر أن النجم العالمي يحب الخروج للأماكن الهادئة حين يكون مقبلا على عمل جديد، حيث كان «يستجم هذه المرة ويهيئ نفسه أيضا لدور في جزء جديد من سلسلة أفلام Manuale d›amore، مع الممثلة الإيطالية مونيكا بيلوتشي». وكان برفقة دي نيرو، الذي سيُمنح مطلع العام المقبل جائزة عن مجمل أعماله في حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب»، صديقه النجم الهوليوودي، هارفي كيتل، الذي يعد أحد أهم عبقريات التمثيل في العالم.

ويمضي زوار الصحراء يومهم بين تلال من الرمال الساحرة ذات التكوينات الأقرب للخيال ويفضل بعضهم ركوب الخيول والجمال وسيارات الدفع الرباعي.. وبعد مشاهدة الغروب عبر الهضاب والوديان، يعودون إلى محال إقامة تقع بين غابات من النخيل. ومر على الصحارى المترامية حول واحة الداخلة في الفترة الأخيرة أيضا مصمم الأزياء العالمي جيامباتيستا فالي، والجواهرجي الإيطالي العالمي نيكولا بولغاري، الذي كان في صحبة عدد من أصدقائه، وجرب متعة البقاء بين الكثبان الرملية الصفراء التي تحدها عبر الأفق تلال من الصخور الجيرية البيضاء. وأدهشته الألوان المتعددة التي تشكلها التربة الصحراوية كأن كل رقعة منها تم نسجها على حدة بخامات مختلفة وفي أوقات مغايرة.

ومن المشاهير أيضا كان هناك فنانون فرنسيون من بينهم المايسترو جان لوك تينغا، عازف البيانو الفرنسي الشهير، الذي كان يتجول مستلهما روح البراري الجرداء نهارا، بينما كان يعكف ليلا على مزج موسيقى الصحراء بالموسيقى الغربية.. ويقول تينغا في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إنه جاء إلى واحة الداخلة هنا لأمرين، الأول الاستجمام، والثاني محاولة استكشاف الموسيقى المصرية ودمجها مع الموسيقى العالمية.. «واحة الداخلة والصحراء المحيطة بها رائعة.. الناس الذين نلتقي بهم هادئون وطيبون. عادات بسيطة تجعلنا نفكر في العودة للصحراء المصرية مرة أخرى».

ولم يبخل جان لوك تينغا على زوار الصحراء من علية القوم في عزف نوع مميز من الألحان على آلة البيانو الضخمة الموجودة في مسرح من الطين وأسقف من جذوع النخيل في مقر الإقامة بمنطقة الطرفة القريبة من مدينة موط. كان عدد الجالسين في قاعة المسرح الصحراوي 9 من الشخصيات المميزة في العالم. وكانت الألحان تنساب فوق الرؤوس فيما لمعان النجوم في السماء يتناغم مع الأضواء الخافتة المنبعثة من الشموع بالقرب من نوتة تينغا، التي تحمل لحنا جديدا من ألحانه التي أبدعها هنا.

يقول تينغا: «كنت أستكشف واحة الداخلة، وحين وجدت نفسي في الصحراء أمام البيانو، تملكتني رغبة في عزف أكبر قدر من الألحان التي تحمل روح الصحراء من تلك التي ألفها كبار الموسيقيين في العالم على مر التاريخ.. من فرنسا وأميركا وإيطاليا.. هنا مكان ملهم. عدد الناس الذين يمكن أن تلتقي بهم قليل جدا، ويمكن أن تتوحد مع نفسك، وتعيد ترتيب الأشياء داخل ذاتك».

وانضمت للسهرات الليلية أيضا المغنية الفرنسية (الأوبرالية) كورين فيرون، لتشدو بصوتها بعد أن فوجئ رواد الصحراء الجدد بوجودها.. الكل يتحدث في همس.. ويرحب بالآخرين في همس ويطلب ما يريد في همس، حتى الهواتف الجوالة كانت معظم الوقت معدة على الوضع الصامت.

وأقيمت خلال السنوات الثلاث الأخيرة الكثير من الفنادق والمنتجعات الطينية التي تتكون في معظمها من الخامات البيئية من أجل تشجيع زيارات أصحاب الذوق الرفيع من الفنانين والمبدعين والمصممين للصحراء. ويأمل أصحاب المشروعات المصرية في نمو الزوار الغربيين للمنطقة بعد أن أصبحت مناطق مشابهة في المغرب العربي عرضة لتهديدات تنظيم القاعدة. ومن بين المنشآت التي تعمل الحكومة المصرية على تشجيعها والتوسع فيها «ديزرت لودج» و«سوليمار موط»، و«الطرفة لودج»، وهذه الأخيرة أقام فيها دي نيرو وكيتل وبولغاري لعدة أيام، حيث يعلق وائل عابد المسؤول عن «الطرفة لودج» بقوله إن «العزلة في الصحراء المصرية أصبحت تستهوي نجوم السينما والموسيقى ومصممي الأزياء والمجوهرات العالميين».

ويضيف عابد الذي يفخر باستقباله للمشاهير الذين ينشدون الابتعاد عن العالم، موضحا لـ«الشرق الأوسط» أن «هؤلاء النجوم يريدون التصرف على طبيعتهم كأنهم في بيوتهم الخاصة.. نحن نعرف هذا، ونحرص على توفيره لهم نحاول أن نجعل من الصحراء المصرية مقصدا للناس الذين ينشدون السكينة والأمن والهدوء والاختفاء.. والإبداع أيضا».