قنوات «الوصلات».. إعلام شعبي جديد في أحياء مصر وقراها

الفيلم التسجيلي «تلفزيون الحارة» كشف عن أبعادها الاجتماعية

«قنوات الوصلة» ظهرت إلى النور من رحم «الوصلات» غير الشرعية للقنوات الفضائية («الشرق الأوسط»)
TT

«شاشة دريم»، «سفن إلفن 711»، اسمان من أسماء لقنوات تلفزيونية مصرية، ليست فضائية ولا محلية، وليست متاحة إلا لعدد محدود من الجماهير، فهي قنوات يطلق عليها «قنوات الوصلة» ظهرت إلى النور من رحم «الوصلات» غير الشرعية للقنوات الفضائية، التي انتشرت في مصر في السنوات الأخيرة بشكل كبير، سواء في القرى أو الأحياء الشعبية أو الأماكن الفقيرة؛ حيث يقوم أحد الأشخاص بتوصيل 15 «صحن لاقط» في مكان سري وضبط كل منها على قناة ما، وتوصيلها للمشتركين لديه في باقة تشكل 15 قناة، وبالتالي تكون بديلة عن أطباق الاستقبال «الدش»، ومع هذه الباقة يقوم بإضافة قناة خاصة يتحكم هو في محتواها الذي يكون في الغالب دعائيا.

هذه القنوات الآخذة في النمو في المجتمع المصري يرصدها الفيلم الوثائقي الجديد «تلفزيون الحارة»؛ حيث يتطرق الفيلم إلى تجربة أصحاب تلك القنوات، خاصة من الشباب، لرصد حالة من حالات الإعلام شديد المحلية، من خلال استعراض تجارب 6 من الشباب أطلقوا قنوات محلية في 3 قرى مصرية مختلفة: في الفيوم، جنوب دلتا النيل، والمحلة الكبرى، ومنية سمنود شمالا، يعرضون من خلالها كل ما يتعلق بالمنطقة وسكانها من أفراح ومآتم وصلاة الجمعة، وإعلانات لبائعي الخضراوات والفاكهة عن أسعارها، كما يجري الإعلان عن المحال الجديدة التي يتم افتتاحها، أيضا لو فُقد طفل صغير، تقطع القناة إرسالها لبث نداء للأهالي للبحث عنه، كما يقوم أصحاب هذه القنوات أحيانا بتحميل أحدث الأفلام العربية والأجنبية عبر الإنترنت ويبثونها قبل بثها على الفضائيات المختلفة.

يقول علي عبد المنعم، معد الفيلم، لـ«الشرق الأوسط»: «يتناول الفيلم كيفية توصيل قنوات تلفزيونية شديدة المحلية للمشتركين عبر وصلات سلكية، تمتد من بيت لبيت ومعروفة باسم (قناة الوصلة)؛ حيث لا يشاهدها إلا سكان المنطقة المشتركون في تلك الوصلة، من خلال رصد حالة من حالات الإبداع الفني والإعلامي والتسويقي غير القائم على الدراسات أو النظريات، بل قائم على فهم طبيعة احتياجات الجمهور، كما لم نقصد أن نبين قانونية تلك القنوات أو عدم قانونيتها، نحن فقط نرصد طبيعة ذلك المحتوى المقدم في تلك القنوات، وكيف يمكن لقناة تبث من دون أي تكلفة من كومبيوتر وعبر منظومة أسلاك وشبكات تمر بين البنايات أن تجد هذه الجماهيرية كلها، وكيف نجح شباب لم يكمل حتى تعليمه وليس متخصصا في الإعلام في أن يخاطب الجماهير بما تريده من دون أي إسفاف، فحتى عندما يقومون ببث أي مادة، فهم يخضعونها للرقابة الذاتية ويحذفون أي لقطات أو كلام يسيء للمجتمع أو لعاداته أو تقاليده، بل أحيانا يقومون بحملات توعية للمجتمع تستوفي كل الشروط العلمية التي تتم دراستها في كليات الإعلام».

ويبين عبد المنعم أنه كان مقصودا في الفيلم الابتعاد عن العاصمة، حتى يتم رصد كيف يصنع هؤلاء الشباب محتوى إعلاميا محليا مختلفا شديد النجاح، يعلنون فيه تمردهم على القنوات الكبرى التي لا يرون فيها أنفسهم؛ لأنها تهتم بسكان القاهرة فقط، فالقنوات التي يبثونها لا تعرف إلا سكان الحارة.

وعن نجاح هذه القنوات يقول: «أعداد المشتركين في هذه القنوات يعكس مدى تأثيرها عليهم ونجاحها، فقناة (سفن إلفن 711) مثلا يشاهدها نصف سكان مدينة المحلة، أي ما يقرب من 100 ألف نسمة كمتوسط، أما قناة (شاشة دريم) فيشترك بها نحو 25 ألف شخص من أبناء قرية سمنود، مما يعني 125 ألف متفرج، لو حسبنا أفراد كل أسرة». أما مخرج الفيلم البراء أشرف، فيقول: «لأننا قصدنا إخراج فيلم إبداعي أكثر من كونه تحليليا، كنا نتنقل في أكثر من مكان في الوقت نفسه وفي كل قرية كنا نستخدم 3 كاميرات، حتى نخرج بأكبر عدد من اللقطات، كما لجأنا إلى أسلوب الإخراج الحر، وليس المقيد بالأسلوب الأكاديمي التقليدي في المونتاج النهائي للعمل، بل أردنا أن نقوم بالقطع المتوازي بين الحالات الثلاث التي رصدناها في الفيلم، وهو أسلوب صعب للغاية؛ لأنه يلزمنا بأن نقارن دوما بين الحالات، ويستوجب أيضا أن نوضح التوازن في المعالجة بين تلك الحالات». ويوضح أشرف أن الفيلم لا يحلل الظاهرة إعلاميا، وبالتالي لم يعتمد على خبراء في مجال الإعلام، مضيفا: «كنا نريد فقط أن نسمع من أصحاب تلك القنوات، ومن الجمهور، رغبة في رصد المحتوى المقدم لجمهور شديد الخصوصية، ورصد ردود الفعل حوله، إلى جانب الاستماع لأمنيات أصحاب تلك التجربة وأحلامهم، ومعظمهم من الشباب، فعلى سبيل المثال يصف صاحب قناة (شاشة دريم) نفسه داخل الفيلم بأنه (وزير إعلام سمنود)».

ويبين مخرج العمل أن الفيلم نجح في اختراق هذا العالم الغامض؛ حيث إن قنوات الوصلة غالبا ما تبث من غرف سرية تتغير أماكنها باستمرار، حتى لا يطارد أصحابها من جانب رجال شرطة المصنفات الفنية، وهو أمر كان صعبا على فريق عمل الفيلم؛ حيث استغرق إقناع أصحاب تلك القنوات بالظهور في الفيلم والتصوير معهم والحديث عن تجاربهم 6 أشهر كاملة، لعدم تقبل أصحاب هذه القنوات فكرة تصوير فيلم وثائقي عنهم؛ لأنهم، حسب قوله، كانوا خائفين ووافقوا في النهاية على الظهور، لكن بشروط كثيرة وصعبة.

الفيلم مدته 52 دقيقة، وقامت بإنتاجه شركة «آي فيلمز ميديا» بالقاهرة بالتعاون مع قناة الجزيرة.