ماكسيمليان لوس يتألق في متحف أورسي الباريسي

أحد المعلمين الأوائل لفن التنقيط

من أعمال ماكسيمليان لوس («الشرق الأوسط»)
TT

يعد ماكسيمليان لوس أحد أكثر الرسامين الفرنسيين الذين لم ينالوا حظهم من الشهرة، لا على مستوى العالم ولا على مستوى فرنسا، سوى بين هواة الفن وطلابه. ورغم أنه كان أحد كبار الانطباعيين في زمانه، فإنه بقي هو ولوحاته في الظل والعتمة. كما أن عمره الطويل (ثلاثة وثمانون عاما) لم يجعله يقفز إلى واجهة الشهرة، ولم يشفع له قط. وذلك لأسباب غير معروفة، حيث لا يوجد أي سبب جوهري يبرر غيابه هذا عن المشهد التشكيلي الفرنسي. كما حصل، تماما، مع معاصريه جورج سورا وبول سيناك كاميل بيسارو الذين شارك معهم في أول معرض مشترك له في باريس. وفي عام 1889 دعي ليفتتح أول معرض له في بروكسل، كما دعي في نفس العام إلى لندن لمعرض مشترك يجمعه بكاميل بيسارو وأيضا معرض في سانت تروبيه عند بول سيناك.

في خطوة مهمة لنبش الرواد، وهي جزء من موضة رائجة حاليا في فرنسا، خصوصا مع معلمين الانطباعية والنيو - انطباعية. عمل متحف أورسي الباريسي على تذكر ماكسيمليان لوس بافتتاح معرض كبير لهذا الفنان، الذي ترك آثارا مدهشة حقا وحرفية، تتآخى مع أعمال كبار معاصريه. المعرض الذي يعد الأكبر لهذا الفنان حتى أثناء وجوده على قيد الحياة، يقدم خمسين لوحة من مختلف مراحل حياته، ومنها لوحات أنجزها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. ومعظمها من المقتنيات الخاصة، تم جمعها خصيصا لهذا المعرض الاستعادي.

لكن هل ثمة ما يقف خلف هذه المعارض الاستعادية الكبيرة التي تحصل في باريس؟ ربما، لا أحد ولا فكرة معينة. لكن ربما هي عودة إلى المعلمين، خصوصا أن هناك معرضا مقاما حاليا في القصر الكبير لكلود مونيه. وكذلك يتزامن المعرض مع مهرجان النورماندي للفن الانطباعي بالإضافة إلى عدة معرض مستقلة في باريس، تتناول نفس الفترة الزمنية التي عاش فيها لوس، وغيره من المعلمين. العودة إلى هذه الأسماء تقصد، على الأغلب، تأكيد الريادة الفرنسية في الفن التشكيلي على مختلف أنواعه، وتأكيد على دور باريس، المدينة التي صنعت مجدها الثقافي وهي اليوم تعاني من مشكلات كثيرة، ليس أقلها مشكلة الهوية مع الأجيال الجديدة من الفرنسيين، خصوصا الذين لا تزال تجري في عروقهم دماء آبائهم المهاجرين. يمكن قول هذا، وما يمكن قوله أكثر من ذلك هو أن هذه العودة مفيدة بغض النظر عن المقاصد من ورائها. وممتعة لهواة الفنون للتعرف على أعمال عاشت وستعيش مديدا في ذاكرة الإنسانية.

ولد ماكسيمليان لوس في باريس عام 1858، قبل أن يصبح رساما ويتفرغ للفن كليا عمل نحاتا وانتمى إلى الحركة الفلسفية السياسية التي عرفت بالفوضوية (L›anarchisme). في عام 1876 عرض أول عمل انطباعي له بحرفية التنقيط على جورج سورا. ومن ذلك الوقت انخرط في الحركة الانطباعية والنيو - انطباعية، واشتغل كثيرا على تمتين أسلوبه. والغريب أن هذا الفنان الذي كان معروفا في ذلك الزمن غاب في غياهب النسيان منذ النصف الثاني من القرن العشرين، أي بعد وفاته بسنوات. فقد توفي في لندن في عام 1941 أثناء الحرب، ومن بعدها لم يعد ذكره كثيرا على الألسنة. في عام 1893 تعرف لوس على رفيقة دربه أمبروازين بوان لكن أصيب بانتكاسة كبيرة بسبب وفاة ولده فريدريك بعد عام على ولادته. بعدها اتسمت أعماله بالحزن والضبابية، رغم أنه أنجب ولدا ثانيا وحمله الاسم نفسه. في عام 1894 وبسبب انتمائه السياسي تعرض لمضايقات من قبل رجال البوليس. وفي عام 1894 وبعد مقتل سادي كارنو رئيس الجمهورية الفرنسية في ذلك الوقت وضع لوس في سجن مازا لعدة أشهر ثم أفرج عنه. لكنه رسم مجموعة لوحات هي من أبدع ما رسم تقريبا، عنونها حينذاك باسم السجن الذي قضى عدة أشهر فيه.