«الطب اللاسلكي» في المعرض الدولي للتقنيات الطبية

أجهزة لمشاهدة سير العمليات بثلاثة أبعاد.. وحقن بدون إبر.. وقياس ضغط المريض وتخطيط قلبه وهو في بيته

TT

اعتبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل معرض التقنية الطبية الحادي والأربعين «نافذة على المستقبل»، تعد البشرية بصحة أفضل وعمر مديد. فالتطور الطبي المتلاحق، خصوصا في مجال توظيف التقنية النانوية وصناعة المواد الصناعية وتطوير أجهزة الاستشعار، استجابة لا بد منها لمواجهة تحديات المستقبل المتمثلة في تقدم عمر الإنسان وازدياد حاجاته المادية والمعنوية. فطبيب اليوم قادر، وهو في عيادته، على قياس ضغط المريض وتخطيط قلبه وهو في بيته، وذلك بفضل أنظمة الاستشعار الحيوية وطرق بث المعلومات لا سلكيا.

فـ«الطب اللاسلكي» أصبح عنوان معرض «ميديكا» الـ41 في مدينة دسلدورف، وأهم نزعة في عالم الطب، حيث تستعرض فيه أكثر من 4300 شركة منتجاتها الجديدة التي تعين البشر والأطباء على الاستمرار والعطاء.

وعلى هذا الأساس أطلقت ولاية الراين الشمالي فيستفاليا نظاما جديدا لدعم عمليات الإنقاذ لا سلكيا اسمه ميدونيكس. وبعد تجربته في 500 طلعة ناجحة في مدينتي آخن ودسلدورف سيليه نظام آخر تكميلي عام 2012 اسمه «ريمارتس» يفترض أن يكون أكثر تفوقا من سابقه. وهو نظام مركزي يعين رجال الإسعاف والإنقاذ على إنقاذ حياة الناس عبر تنفيذ المهمات الطبية والجراحية الصغيرة بمساعدة المختصين في المركز.

أما النزعة الثانية التي يمكن استقراؤها من الأجهزة والتقنيات المطروحة فهي تقلص حجم الأجهزة، وسرعة إجراء الاختبارات الطبية والاندماج اليومي بين اللياقة البدنية والصحة. فكل أجهزة الرياضة هي أجهزة قياس نبض القلب وضغط الدم وتحليل العلاقة بين الوزن والنفس وسرعة النبض. فقد تقلص حجم المختبر الجوال إلى حجم حقيبة كومبيوتر صغير (لاب توب) لكن كفاءاته زادت لتغطي إجراء أكثر من 100 نوع من التحليلات والفحوصات الطبية (من معهد فراونهوفر الألماني). وتقلص حجم جهاز الأشعة المتنقل إلى نفس الحجم ليعين الأطباء على تشخيص إصابات الرياضيين في الحال وعلى أرض المباراة.

المهم أيضا في معرض 2010 أنه ما عاد يجتذب مديري المستشفيات والأطباء، وإنما الكثير من المرضى، الذين يسعون إلى المشورة والحصول على الأجهزة النادرة، والفضوليين والرياضيين المحترفين الذي تجتذبهم التقنيات الطبية كما تجتذب تقنيات ألعاب الكومبيوتر. فالأتمتة لم تدمج عالم الكومبيوتر والهاتف والكاميرا فحسب، وإنما دمجت الطب والعروض والألعاب أيضا. وكانت شركات الكومبيوتر والتلفزيونات والكاميرات مثل «سيمنز» و«فيليبس» و«أولمبوس» من المساهمين في تقديم أحدث تقنيات الجراحة في هذا المعرض.

شركة «فيلهلم شرودر» للتقنيات الطبية مزجت العروض الطبية بالرياضية والرحلات من خلال غرفة العمليات المصغرة والجوالة المخصصة للرحلات والرياضة. وهي صالة صغيرة للإسعاف الأولي ترتبط مع المستشفيات لاسلكيا وتكفي لإنقاذ حياة المصاب ريثما تصل فرق الإنقاذ.

الحقنة الخالية من الإبرة، التي استعرضها الشاب الألماني اندي روش في برنامج «شتيرن» التلفزيوني قبل عشر سنوات، أصبحت اليوم حقيقة واقعة. وبعد أن كانت مجرد نموذج أول أصبحت اليوم جاهزة للسوق، تحمل اسم «انجيكس» وتنتجها شركة «اندي روش» للأجهزة الطبية.

الحقنة لا تسبب الألم، وهو ما يجعلها ملائمة تماما للأطفال والمرضى المصابين برهاب الإبر. عدا عن ذلك فهي مناسبة جدا لمن يضطر يوميا لحقن نفسه بالإبر، مثل المعانين من السكري (الإنسولين)، والمعرضين لجلطات القلب (الهيبارين)، وغيرهم. والحقنة بحجم قلم الحبر، تنقل الدواء إلى تحت الجلد بمساعدة «ريشة» ويتم عمل ذلك بطريقة الضغط. بمعنى أن الحقنة الجديدة ستجنب العيادات ملايين الحقن المخصصة للاستخدام مرة واحدة، تقلل ضرر هذه المواد على البيئة، كما أنها بلا إبرة ولا يخشى عند استخدامها من نقل الأمراض المعدية مثل الايدز والتهاب الكبد الفيروسي.

والأدوات الجراحية في عالم اليوم ما عادت «عمياء» وهي تشق طريقها في لحم الإنسان بيد الجراح. فهي أدوات جراحية ذكية مزودة بعدسات صغيرة ونظام تصوير بثلاثة أبعاد تكشف للجراح بعدها عن الشرايين والأعضاء الحساسة. مثل هذه الأجهزة عرضتها شركة «أولمبوس» المتخصصة بالعدسات والكاميرات. ونظام «أولمبوس» المسمى «LESS» يجمع بين الأدوات الجراحية الذكية «TriPort» الخاصة بعمليات البطن والبريتونيوم وتقنية «QuadPort» لمراقبة سير العملية بالكاميرات المصغرة.

وذكر ينز أولمان، ممثل الشركة، أن 160 عيادة جراحية في ألمانيا صارت تستخدم هذا النظام. وتضمن التقنية عدم تقاطع الخطوط التي يبضعها المبضع في الجسم، ويقلل ذلك بالتالي من احتمال الالتهابات إلى حد كبير. فكلما زادت التقاطعات وخطوط البضع في الجرح زاد احتمال تجمع البكتيريا في هذه الحزوز، وزاد احتمال الالتهاب بعد العملية. والتقنية مناسبة جدا للعمليات الجراحية الصغرى التي لا تتطلب فتح البطن، فهي مصغرة، ودقيقة، وتضمن إجراء العمليات بأقصى سرعة ممكنة. والمهم بالنسبة للجراحات التجميلية أنها لا تترك ندبة. وتستعرض الشركة طريقة العمل بالمباضع والكاميرات يوميا في جناحها في القاعة 9. علما بأن «أولمبوس» طرحت أجهزة جديدة لتنظيف أجهزة القسطرة (الاندوسكوبي) خصوصا الأجهزة المخصصة لسبر غور الأمعاء والتي تتعرض للتلوث بالبكتيريا بعد كل استعمال.

ولأن التقنيات الجراحية اليوم تميل إلى العمليات الصغرى على حساب العمليات الكبرى فإن التقنيات تتطور أيضا في هذا الاتجاه. فطرحت «فيليبس» أول صالة عمليات «هجينة» لعمليات القلب الصغرى تجمع بين تقنيات صالة العمليات والمختبرات. وتولت «فيليبس» تطوير جهاز لملاحة عمليات القلب ومشاهدة سير العملية بثلاثة أبعاد، في حين تولت شركة «ماكيت» تطوير منضدة عمليات تعمل بلا كابلات.

وذكر أوفه هيلبريغ، من «فيليبس»، أن المنضدة تقيس الضغط وتخطط القلب، وتقيس الحرارة من دون الحاجة إلى كابلات، وتفعل ذلك حال وضع المريض عليها. فهي تختصر الكثير من الوقت على الجراحين، كما أنه لا حاجة فيها لتعرية المريض. وهي منضدة مصنوعة من ألياف زجاجية تتيح تخلل الأشعة للجسم بزاوية 360 درجة، وتعرض الصور الشعاعية على شاشة كبيرة بشكل ثلاثي الأبعاد.

والتقنية تتيح للطبيب كمثل رؤية الخلل في الشريان التاجي، وتسمح له باختيار القسطرة المناسبة وتجربة الشبكات أو الشرايين الاصطناعية التي يمكن أن تضاف، قبل إجراء العملية، هذا لأن التقنية تعرض صورا ثلاثية الأبعاد عن تفاصيل القلب وحجراته. وحسب هيلبريغ فإن الصالة تجمع بين عمليات القلب والشرايين لأول مرة، كما أنها تحتوي على مختبر ونظام لمنع تسرب الإشعاعات.

وللعمليات الدقيقة، خصوصا في الفقرات، طورت شركة «تسيس» روبوتا مساعدا اسمه «ميديكاس» يمكنه أن ينفذ العمليات الجراحية في الفقرات بدقة متناهية ومن دون أن يصيب أيا من الأعصاب أو الألياف المهمة. والروبوت مدعوم بالطبع بأجهزة الملاحة والاستكشاف التي تعينه على تجنب الأعصاب.

أطباء عيادة باد نويشتادت الألمانية طوروا سبيكة من التيتان بالغة المتانة، قليلة الوزن، ولا يلفظها الجسم البشري حينما تستخدم في لحم الكسور. وكمثل فإن سبيكة بعرض سم واحد وسمك ملم واحد قادرة على ترميم كسور عظم الساعد. وذكر البروفسور يورجن بريمه، خبير المواد الحديثة من العيادة، أن جسم الإنسان يتقبل السبيكة الأخيرة بشكل جيد جدا. كما أن أنسجة جسم الإنسان صارت تبني خلاياها على السبيكة كما تنمو على العظام الطبيعية. فسبيكة التيتان من عيادة باد نويشتادت ما عادت جسما غريبا، وتصمد في جسم الإنسان 17 سنة على الأقل قبل أن تستجد الحاجة لتبديلها. وهناك حالات قليلة تم رصدها لدى رياضيين يعانون من حساسية ضد التيتان، إلا أن السبيكة صالحة لأكثر من 98 في المائة من الأشخاص.

شركة «سيمنز» وجهت اهتمامها نحو الجانب الاقتصادي والبيئي في إطار برنامجيها المعنونين بـ«العناية الطبية الدائمة» و«المستشفيات الخضراء». وطرحت الشركة مقترح هيكلة جديدة للمستشفيات والعيادات تعين الإدارات في تقليص 25 في المائة من الطاقة المستهلكة سنويا. وتكفل الأجهزة الطبية الجديدة «الخضراء»، وهندسة البناء الجديدة، تقليص إطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون بنسبة 25 في المائة. وذكرت مصادر الشركة أنها طبقت الطريقة «الخضراء» على 5700 منزل في ألمانيا ونجحت في تقليص بث ثاني أكسيد الكربون بكميات ترتفع إلى 20 ألف طن.

وينتظر أن يزور المعرض أكثر من 130 ألف طبيب وإداري طبي ومهتم هذا العام. ويمكن لمن يرغب في رؤية دواخل أعضائه أن يأخذ جولة في الطابق الثالث من المعرض، حيث تم عرض أعضاء جسم الإنسان بنماذج مكبرة تتيح للإنسان التحرك داخلها.