«نص كيس رصاص» تروي ماضي القدس وحاضرها

استخدمت مسرح خيال الظل القديم في إحياء الذاكرة الفلسطينية

يخطط الباشا ورفاقه لعروض أخرى في القدس، في 23 و24 الحالي بعدما عرضت 3 مرات قبل ذلك، كما بدأوا التنسيق لتقديم عروض في باقي المدن الفلسطينية، وفي دول عربية («الشرق الأوسط»)
TT

في مقهى «حجي صالح»، الرجل الذي كان يستخدم الدمى في عرض مسرحيات قصيرة، ومن ثم قضى متأثرا بخسارة الفلسطينيين لمعركة القسطل عام 1948، ومقتل القائد الفلسطيني الكبير عبد القادر الحسيني في هذه المعركة، يعيد الكاتب المسرحي كامل الباشا إلى الأذهان تاريخا طويلا من الخيبات الفلسطينية، منذ لم يحصلوا في معركة القسطل على أكثر من نص كيس رصاص من أشقائهم العرب، وحتى صمودهم وحيدين اليوم في مواجهة الحرب الإسرائيلية على وجودهم في المدينة المقدسة. كثير من التهكم وأكثر من التراجيديا، كانت كفيلة ليربط الباشا ماضي القدس الصعب بحاضرها الأصعب، في مسرحية «نص كيس رصاص» التي استخدمت مسرح خيال الظل (استخدام الدمى) هذه المرة من خلال شخصياته الرئيسية، «عيواظ» و«كراكوز» اللذين كانا شخصيات حجي صالح نفسه، وقد قاما باللازم لتطوير الصراع وتأزيمه وصولا إلى الحل. وتدور أحداث مسرحية «نص كيس رصاص»، التي أنتجها المسرح الوطني الفلسطيني/ الحكواتي، في القدس، وأخرجها عبد السلام عبده، في المقهى الذي صممه فريق المسرح كجزء من القاعة التي استضافت الجمهور الذي جلس جزء منه على بعض موائد المقهى بشكل متعمد أراد معه كاتب ومخرج النص، أن يعيش الجمهور حكاية القدس منذ القسطل وحتى سلوان.

وقال الباشا لـ«الشرق الأوسط»: «أسلوب العرض اعتمد على المزج بين عدة أشكال للعرض الفني، الحكواتي والأغنية الفلسطينية الملتزمة وحكاية أسرة فلسطينية على وشك أن تفقد مصدر رزقها، ومسرح خيال الظل، وكل ذلك يتم داخل المقهى المهدد بالمصادرة».

وأراد الباشا أن يقول في مسرحيته إنه لم يبق لأهل القدس سوى أن يلتفتوا إلى أنفسهم في ظل هذا الهجوم الاحتلالي الشرس الذي يهدف إلى اقتلاع الفلسطيني من أرضه. وأردف «من هنا تأتي المسرحية لتقول إن من الطبيعي أن نختلف في وجهات النظر والآراء ولكن بما يخدم القدس وقضيتها وأهلها وينعكس إيجابيا على الوطن بأكمله».

وتبدأ المسرحية بظهور كاميليا (الفنانة ريم التلحمي تؤدي دور زوجه عبد القادر، صاحب المقهى)، وهي ترحب بالجمهور الذي جاء «للاحتفال معها بإعادة افتتاح مقهى والد زوجها حجي صالح بعد سنوات طويلة من إغلاقه».

تثير كاميليا الكثير من النقاشات الساخنة مع زوجها وابنها صالح، حول الحرب والسلام والهوية والقدس والقسطل والرجال والنساء والأخلاق والمقهى المهدد بالمصادرة. لكن كل هذه النقاشات يشارك فيها بشكل رئيسي ومؤثر بطلا مسرح خيال الظل، عيواظ وكراكوز، اللذان يبدءان الحديث عن معركة القسطل بشكل ساخر، إذ يرويان كيف «انتصر» الفلسطينيون في هذه المعركة «وتحررت فلسطين» قبل أن يتحول الحديث إلى مُرّ، عن المعركة التي لم يتلق فيها الحسيني سوى نص كيس رصاص من القيادات العربية.

يستمع الجمهور لمقاطع من الحوارات التي جرت بين الحسيني ورفاقه قبل بدء المعركة باستخدام دمى مسرح خيال الظل. يقول أبو دية للحسيني: «بس نص كيس رصاص؟! وشو قالولك؟ عبد القادر: بدهم إيانا نتركلهم الساحه وهمه بيحرروا فلسطين. الشيخ: يعني: (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون)».

ويذهب مؤلف المسرحية إلى تحميل الدول العربية مسؤولية هزيمة الفلسطينيين في معركة القسطل والحرب عام 1948 من خلال تسجيل صوتي لرسالة بعث بها عبد القادر الحسيني لأمين عام جامعة الدول العربية في الرابع من أبريل (نيسان) من نفس العام. ويستخدم المخرج صوت عبد القادر فيصل الحسيني، وهو حفيد عبد القادر القائد، وهو يقول: «إني أحملكم المسؤولية بعد أن تركتم جنودي في أوج انتصاراتهم دون عون أو سلاح».

وتضيف كاميليا بعد استحضار أصوات المقاتلين ورصاص ومدافع في معركة شرسة، «في 8 نيسان استشهد عبد القادر، ولحقتوا الجماهير اتشيعوا ومعهم المجاهدين». وتغني كاميليا: «ويا عبد القادر، ويا برج عالي، ما هزوك، وبضرب الفشك والمدفع ما هزوك، هغانا ارغون وشتيرن، ما هزوك، لغير الوطن ما تحسب حساب».

ومن ثم يتابع الجمهور عرضا لفيلم وثائقي عن تدمير قرى عربية بعد هزيمة القسطل، قبل أن يتخلل المسرحية مزيد من النقاشات عن الحرب والسلام، لا تخلو من السخرية.

ويباهي الباشا بأنه أعاد إلى خشبة المسرح الفلسطيني، مسرح خيال الظل. وقال: «هي محاولة لإعادة إحياء مسرح خيال الظل، وتأتي في إطار إحياء التراث المسرحي الفلسطيني، نحاول فيها الدمج بين تقاليد هذا الشكل المسرحي وبين العودة بذاكرتنا للفترة التاريخية التي شهدت نضالات رجالاتنا العظماء».

وأضاف: «بدأنا بفكرة بسيطة تطورت من خلال دراستي لكثير من النصوص ولتاريخ مسرح خيال الظل ودوره الاجتماعي والسياسي، مما جعلني أدرك قوته كأداة نحتاجها كفلسطينيين لاستعادة وعينا الذي أوشك على الانقراض». وتابع: «بذلنا جهدا كبيرا لتقديم مسرحية تحقق غاية الإحياء لمسرح خيال الظل، ولوعينا على حد سواء».

ووصف عبد السلام عبده، مخرج المسرحية بأنها تأتي تحقيقا لحلم لطالما طال. وأضاف: «خيال الظل من أقدم أشكال المسرح التي كانت موجودة في فلسطين وربما تعتبر أساسا للمسرح الفلسطيني والعربي».

ويخطط الباشا ورفاقه لعروض أخرى في القدس، في 23 و24 الحالي، بعدما عرضت 3 مرات قبل ذلك، كما بدأوا التنسيق لتقديم عروض في باقي المدن الفلسطينية، وفي دول عربية. ويواجه الحكواتي مشكلات تواجه كل عمل فلسطيني «بحت» تقريبا، وأهمها قلة التمويل، وهذا بخلاف الأموال الطائلة التي تنفقها عادة المنظمات والمراكز غير الحكومية على الأعمال المترجمة.

وقال الباشا: «العقبة في عدم وجود التمويل، فباستثناء التمويل الجزئي من مؤسسة عبد المحسن القطان، لم نتمكن من الحصول على أي دعم لهذه المسرحية على عكس الإنتاجات الأجنبية». ولا يعرف على وجه التحديد موطن أو تاريخ نشأة مسرح خيال الظل، وفي القدس لا يزال بعض أهلها يذكرون المخايل الطرابلسي (طرابلس الشام) وعازفه عبد السلام الأقرع الذي كان يقيم في القدس طوال شهر رمضان ويقدم خيالاته في مقاهيها متنقلا من باب حطة إلى حارة السعدية إلى باب العمود في عروض شيقة يتسابق الناس على متابعتها.

واستعان مسرح الحكواتي، بالفنان التركي جانكيز اوزبك الذي استضافوه في القدس في ورشة لمدة 7 أيام، تعلموا فيها كيفية صناعة دمى خيال الظل وتحريكها لتكون مشابهة للدمى القديمة.