مشاهد الحياة في القسطنطينية والقاهرة القديمة كما صورها فنانو أوروبا في القرن الـ19

يقدمها مزاد سوذبيز للفن الاستشراقي

لوحة «جسر غالاتا» (تصوير: حاتم عويضة)
TT

مدن وشوارع الشرق، مناظر لبائعي السجاد في القاهرة القديمة وحلاق شعبي في أحد شوارع مدينة مغربية ومنظر عام لمدينة القسطنطينية، تلك بعض الموضوعات التي تتضمنها لوحات رسمها أوروبيون عند زيارتهم للشرق في القرن التاسع عشر وتقدمها دار سوذبي ضمن مزادها للفن الاستشراقي اليوم في لندن.

كلود بيننغ، رئيس قسم فن القرن الـ19 في سوذبي علق على المزاد بقوله: «المزاد ينقسم إلى عدة أقسام من أهمها الجانب التركي والذي يقدم 3 لوحات لمدينة القسطنطينية، وهناك أيضا الجانب المصري والذي نقدم من خلاله عددا آخر من لوحات كبار الفنانين الاستشراقيين التي تناولت الحياة المصرية». اللوحة الأبرز في المزاد هي للفنان الإيطالي هيرمان كورودي بعنوان «جسر غالاتا» والتي يقدر سعرها بـ80 ألفا إلى 120 ألف جنيه إسترليني وتقدم مشهدا عاما للمدينة عبر الجسر الذي ينتهي بالمسجد الجديد. اللوحة تضج بالحياة التي تبعثها حركة المشترين والبائعين المارين على الجسر. اللوحة التي جذبت الأنظار منذ عرضها يوم الجمعة الماضي حسب ما أكد بيننغ تقدمها الدار إلى جانب لوحة أخرى للمدينة رسمها الفرنسي جيرمين فابيوس والتي تقدم منظرا عاما لقصر توبكابي وآيا صوفيا، وهو نفس المشهد الذي تصوره اللوحة الثالثة للفنان كارل هوفمان.

الجانب المصري في المزاد تتصدره لوحة للفنان جان لوي جيروم وهي رسم إعدادي قام به الفنان كجزء من لوحة أكبر يحتضنها متحف الفنون الجميلة في مدينة نانت الفرنسية. «لوحة جيروم هنا رغم أنها تعتبر مرحلة أولى تسبق اللوحة النهائية يمكن اعتبارها كعمل مستقل بذاته»، يشرح بيننغ، «فهي تقدم مشهد الصحراء في مدينة طيبة القديمة وفي اليسار جانب من معبد ممنون. ونستطيع أن نرى من خلالها تأثر جيروم كغيره من الفنانين بمشاهد الحياة في مصر، فالمساجد والمدارس والشوارع في المدن المصرية أشعلت مخيلات الفنانين الأوروبيين واحتلت مكانا هاما في لوحاتهم في تلك الفترة». من اللوحات التي استوحت الحياة المصرية يشير بيننغ إلى لوحة تستخدم الألوان المائية تمثل الفضاء الداخلي لمسجد السلطان حسن في القاهرة وهي للفنان البريطاني إدوارد غودال. يتابع بيننغ قائلا: «قال لي عدد من عملاء الدار المصريين إن اللوحة تقدم تصويرا دقيقا للمسجد من الداخل، وهو ما يعزز مكانة اللوحة كوثيقة تاريخية نادرة. لوحة أخرى يمكن النظر إليها على أنها وثيقة تاريخية وهي لوحة للفنان جيرولامو جياني والتي تصور فنار الإسكندرية، فهي بكل المقاييس تعتبر وثيقة نادرة تتيح لنا رؤية ما كانت عليه مدينة الإسكندرية آنذاك».

الفن الاستشراقي كما يشير بيننغ قد يكون عاما يصور مشاهد من الشرق منتقاة من مشاهدات الفنان قد يرسمها مجتمعة أو متفرقة، فليس بالضرورة أن تكون اللوحة كلها مستقاة من مشهد واحد فقد قام بعض الفنانين برسم عناصر متفرقة بعضها من مصر وأخرى من المغرب وثالث من الهند وضمنت كل تلك العناصر في لوحة واحدة مثل اللوحة المعنونة «حارس القصر» للفنان رودولف غيرنست والتي تعرض في المزاد. المتأمل للوحة يجد أن خلفية اللوحة تصور معبدا هنديا، بينما الحارس نوبي يرتدي عمامة عربية ونعلا تركيا. اللوحة تعد نموذج لبعض الفن الاستشراقي الذي اعتمد على مخيلة الفنان وتأثير الحياة الشرقية عليها وبالتالي فإن الربط بين تلك اللوحات وأماكن بعينها لن يعود على المتلقي بفائدة.

لوحة حارس القصر كما يؤكد بيننغ تختلف بذلك عن اللوحات التي تصور القسطنطينية أو تلك التي تصور طيبة أو مسجد السلطان حسن أو عدد آخر من اللوحات تصور بلدان المغرب العربي.

وردا على سؤال حول ما إذا كانت هناك صحوة في مجال الفن الاستشراقي، وخاصة بعد النجاح الساحق الذي حققه معرض متحف تيت البريطاني «سحر الشرق»» يقول بيننغ إن الفن الاستشراقي لاقى إقبالا كبيرا في القرن التاسع عشر وبعده بسبب غرابة المواضيع المصورة، فالجمهور الأوروبي الذي لم يتح له فرصة زيارة دول المشرق سحر بالمشاهد التي نقلها لهم الفنانين والرحالة الأوروبيين وقتها. فالنسبة لهم مشاهدة منظر لنهر النيل أو مشهد من اسطنبول كان من شأنه أن يشغل مخيلة الكثيرين. هذه السوق الأوروبية ما زالت موجودة حتى الآن حسب ما يؤكد بيننغ، الجديد هنا هو الاهتمام الذي يحظى به هذا الفن من العملاء في البلاد العربية سواء من مصر أو دول الخليج وبلاد المغرب العربي «فهم يريدون رؤية مشاهد لبلادهم في القرن التاسع عشر». يمكن ترجمة هذا الاهتمام باعتباره نوعا من الحنين للماضي؟ «نعم الكثير من الحنين» يوافق بيننغ «و يمكننا فهم ذلك فالبلدان العربية لا تملك الكثير من الوثائق الفنية المصورة التي تعكس الحياة في القرن التاسع عشر وبالتالي فلوحات الفنانين الأوروبيين تصبح هي الوثائق الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها».