أودري بولفار المذيعة الفرنسية السمراء تحتجب عن الشاشة.. «بأمر الحب»

تقليد في الحياد المهني يقضي بأن تضحي الصحافيات لصالح أزواجهن الوزراء

المذيعة أودري بولفار
TT

من الأمور التي تدخل في بند ما يسمى بـ«الاستثناء الفرنسي»، ضرورة أن يحافظ الصحافي على حياده دون أن تشوبه أي شائبة أو شبهة انحياز، حتى ولو تعلق الأمر بحياته وآرائه الشخصية التي يفترض أن لا تتسلل إلى مقالاته وتقاريره. لذلك أصدرت إدارة قناة «إي تيليه»، قرارا بتنحية أُودري بولفار، مقدمة نشرة الأخبار المسائية فيها، لأن شريك حياتها يشتغل في السياسة وهو مقبل على خوض انتخابات مصيرية داخل حزبه.

الصحافية والمذيعة المولودة في المارتينيك قبل 40 عاما، غادرت جزيرتها الفرنسية وهي بعد مراهقة لتدرس في مدينة روان، غرب باريس، ولكي تحوز شهادة مرموقة في فنون الإعلام، ثم محررة في عدد من القنوات المحلية قبل أن تصبح أول مذيعة سوداء تقدم نشرة الأخبار من قناة تلفزيونية أساسية تشاهدها فرنسا كلها. ومن القناة الثالثة انتهى بها المطاف إلى قناة الأخبار المستمرة «إي تيليه». ورغم كفاءتها ومسيرة صعودها المستمر فقد واجهت أودري ما واجهته قبلها باقة من أفضل صحافيات التلفزيون الفرنسي، كان عليهن الانسحاب من الشاشة لا لخطأ مهني وإنما «بأمر الحب».

كانت المذيعة السمراء الجميلة قد ارتبطت، بعد ثبات أقدامها في باريس، برجل غير معروف على الصعيد الإعلامي وأنجبت منه، عام 1997، طفلة وحيدة. وفي العام الماضي، عاشت علاقة عاطفية مع الطباخ المعروف «الشيف آلان باسار». لكن تحولات القلب قادتها إلى حبيب جديد هو النائب الاشتراكي الشاب آرنو مونتبور، الذي أصبح شريك حياتها. وسارت الأمور على ما يرام، هي على الشاشة الصغيرة وهو تحت قبة البرلمان، إلى أن أعلن، مؤخرا، نيته الترشح للانتخابات التمهيدية التي يدلي فيها الاشتراكيون بأصواتهم لتسمية مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية المقبلة. هل يصدق المشاهد حياد مقدمة النشرة وهي تقدم تقريرا عن المنافسات الانتخابية، أو تدير حوارا حول قضايا الساعة، حين يكون شريكها طرفا فيها؟

منذ أمس، الاثنين، تقرر حرمان أودري بولفار من الشاشة. لكن بيير فريدنريش، مدير «إي تيليه» حرص على التأكيد أنه لا يشكك في نزاهتها المهنية، بأي شكل من الأشكال، لكن واجب القناة يحتم عليها تجنب أي خلط قد يحصل في ذهن الجمهور بين أحد الوجوه الفاعلة على الشاشة وتجاذبات الحياة السياسية، وهو قرار لصالح بولفار بقدر ما هو ضروري للقناة الإخبارية. وأضاف: «كيف سيكون في وسعها استضافة شخصيات سياسية من الصف الأول والتحاور معها وهي في وضعها الحالي؟»، أي شريكة لحياة رجل يؤثر فيه ما تنقله القنوات حوله وحول خصومه السياسيين.

وحسب التجربة الفرنسية، يبدو أن الخضوع لـ«أمر الحب» ينطبق، في غالب الأحوال، على النساء دون الرجال. وفي حين دخل النائب اليميني باتريك أُولييه إلى الوزارة، قبل أيام، ولم يقف في طريقه أن شريكة حياته، ميشيل آليو ماري، قد سبقته إليها، فإن الصحافيات مجبرات على التخلي عن مناصبهن واعتزال الشاشة الصغيرة والنشرات والبرامج الإخبارية حين يتم استدعاء زوج إحداهن لتكليفه حقيبة وزارية. وهنا لا بد من الإشارة إلى ظاهرة فرنسية تتمثل في انجذاب الزعماء السياسيين إلى الصحافيات.

أشهر اللاتي ضحين بالنجومية الإعلامية لصالح مسيرة تقدم زوجها هي آن سانكلير، زوجة القطب الاشتراكي المائل في اتجاه اليمين دومينيك ستروس خان، رئيس صندوق النقد الدولي. لقد أوقفت سانكلير، التي حملت في ذروة تألقها لقب «الأميرة آن»، برنامجها السياسي الأسبوعي الناجح «سبعة على سبعة» الذي كانت تقدمه من القناة الأولى، وذلك بعد دخول زوجها إلى حكومة ليونيل جوسبان، عام 1997، كوزير للاقتصاد والمال. وبعد مرور عشر سنوات، لم تتغير القاعدة، واضطرت نجمة نشرة أخبار المساء في القناة الثانية، بياتريس شونبيرغ إلى التنحي عن الشاشة بسبب ارتباطها بجان لوي بارلو الذي دخل الوزارة. والحق يقال إن بياتريس حاولت الدفاع عن منصبها ورفض التشكيك في نزاهتها المهنية، لكن الضغوط كانت أقوى منها. لقد ضحت بنفسها على مذبح العلاقة الزوجية وتوارت «بأمر الحب».

أما الصحافية فاليري تريرويلر، التي تقدم حوارات سياسية على قناة «ديركت 8»، فإنها ليست من الشهرة بما يدفعها إلى الانسحاب من وظيفتها الإعلامية بسبب ارتباطها بالقطب الاشتراكي فرانسوا هولوند، الشريك السابق لحياة المرشحة للرئاسة سيغولين روايال. لكنها لم تسلم من الانتقادات التي تحاصرها من كل مكان. ويبدو أن الناجية الوحيدة من التضحية هي المذيعة السابقة ونجمة الأخبار كريستين أوكرانت، التي حملت، في فترة صعودها، لقب «الملكة كريستين». إنها تتقلد منصبا مهما في إدارة الإعلام التلفزيوني الخارجي ولم تتزحزح عن منصبها عندما كان زوجها، برنار كوشنير، وزيرا للخارجية. ومما يحسب للزوج، أنه أعلن أنه هو الذي سيستقيل من منصبه في حال تعارضت واجباته مع منصب زوجته. لقد كان يريد أن يكون هو الخاضع لأمر الحب، لكن كلامه لم يوضع على المحك، وغادر الحكومة في التعديل الأخير.