فريد فاضل يبحث عن روح النوبة في معرضه بالقاهرة

معزوفة متنوعة من لوحات «البورتريه» والبيوت والألعاب الشعبية

تمثل لوحات المعرض مشاهد للقرى النوبية ببيوتها ذات الطابع المعماري المميز
TT

معزوفة متنوعة من لوحات البورتريه، والبيوت والعادات والتقاليد، والألعاب الشعبية، وخصوصية المكان والملامح والروح، وبخامات متنوعة بين ألوان الماء والباستيل والزيت، يجسدها الفنان فريد فاضل في معرضه «البحث عن النوبة»، الذي افتتح في متحف محمود مختار بالقاهرة.

ضم المعرض ما يقرب من 120 لوحة مستوحاة من النوبة وأهلها، شغلت بال فاضل منذ وقت طويل، وعن فكرته يقول لـ«الشرق الأوسط»: جاءت من رحلة نيلية قمت بها من أبو سمبل إلى أسوان، أحسست خلالها أن النوبة الحقيقية غارقة تحت مياه النيل الهادئة، وأنها تبث بداخلي طاقة جميلة. إضافة إلى لقائي مع د. ثروت عكاشة، وزير الثقافة المصري الأسبق، الذي أهداني كتابه «الإنسان العصري» عن الجهود المبذولة لإنقاذ آثار النوبة، وبعد هذا التواصل تبلورت الفكرة بداخلي، إلا أنني وقتها كنت مشغولا بمعرض خاص، لكن النوبة استمرت في بالي وقمت بالكرة نفسها، وأخذت رحلة أخرى نيلية طويلة. استمر الإعداد للمعرض سنتين، وكانت رحلتي من أبو سمبل إلى أسوان متناغمة مع أفكاري حول المعرض، مما أتاح لي أن أرسم بعض اللوحات على ظهر المركب مثلا. واستقررت بعد ذلك في أسوان ببعض القرى النوبية، عايشتهم واندمجت معهم لأرسم أهل النوبة وأرصد عاداتهم وتقاليدهم، وأدركت أن المعايشة والاندماج في مجتمعهم مهم جدا من وجهة نظري. وهو ما فعله الرواد من الفنانين المصريين حين دعاهم عكاشة، في رحلة للذهاب للنوبة، لتسجيل مظاهر حياتها وتراثها قبل أن تندثر، من بينهم سيف وأدهم وانلي، وحسين بيكار، وتحية حليم، وآخرين وكان يقودهم المعماري الكبير حسن فتحي، الذي صور مظاهر العمارة النوبية وأصدر عن الرحلة كتالوجا يضم لوحات وأعمالا مميزة للفنانين المشاركين، وبعد هذه التجربة لم تظهر تجربة مماثلة لها قوتها، فكل المعارض كانت تتناول قشورا عن النوبة. مجرد وجه أسمر اللون وملابس فلكورية! من هنا جاء اقتناعي بضرورة معايشة المكان ولا أنكر تأثري بأدباء النوبة الكبار، مثل إدريس علي، يحيى مختار، حجاج أدول وحسن نور. وكذلك رواية «الشمندورة» لـمحمد خليل قاسم التي تقع أحداثها أثناء التعلية الثانية لخزان أسوان وتعد من أشهر الروايات التي تناولت حياة أهل النوبة ومعاناتهم في التهجير والتعويضات الزهيدة.

وعن أحب لوحات المعرض إلى قلب فاضل يقول: لوحة «الجنينة والشباك»، فهي تمثل ثلاثة من الصبية ينظرون من شباك الفصل الدراسي منتظرين جرس الفسحة، وأفرع الحديقة حولهم صانعة بروازا من الطبيعة المحيطة، وهم يتطلعون إلى الحرية، إلى الخروج للعب والانطلاق في العالم الواسع. وكل صبي منهم له شخصية مختلفة عن الآخر يوضحها د. فريد في أبيات عامية بسيطة، «واحد أراجوز العيد، والتاني يزيد ويعيد، والتالت بيضحك من بعيد»، معبرا عن أمل الأطفال الثلاثة في عودة ما حكى عنه الأجداد عن النوبة القديمة.

وعن كثرة البورتريهات في المعرض يقول فاضل: «أنا أحب فن البورتريه جدا، وأعتقد أنه لا يعني تجسيد ملامح شخص، بقدر تسجيل حالة معينة لإنسان وتوصيلها للمشاهد، فكلها نماذج حية حقيقية عايشتها، ولها معي مواقف مختلفة، فمثلا (الموديل بسنت)، كنت دائما أضع مثالية جمالية محددة عن الجمال النوبي في مخيلتي ولا أعرف هل هي موجودة في الواقع أم لا؟! إلا أن الصدفة قادتني إلى (بسنت) أثناء حضوري حفل عيد الأم لبعض النوبيين والتقيت (بسنت) وعمتها التي كانت تعرض منتجات نوبية ضمن المعرض. وطلبت منها أن تصنع لها جرجارا نوبيا مقاسها بتفاصيل معينة ورسمتها! وأصبحت تميمة معرض البحث عن النوبة».

وتمثل لوحات المعرض مشاهد للقرى النوبية، ببيوتها ذات الطابع المعماري المميز، والرسم على الجدران والواجهات، والزخارف الملونة التي تستلهم عالم الطيور والحيوانات من البيئة، موضحة رغبة فاضل في الغوص في روح الحياة النوبية، كلوحات رقصة الكف، ورقصة الأورجيد، والفرح النوبي، وزيارة الأضرحة في الأعياد والموالد. وفي سياق هذا الإيقاع نلمح لوحة أخرى لفتاة صغيرة تجلس بجانب جدها المتكئ على عصاه، وكأنه جسر يربط بين زمنين، الماضي والحاضر.