السفراء بعد التقاعد.. بين التدريس والتجارة ولعب الورق

السفير الكويتي لدى البوسنة محمد خلف لـ «الشرق الأوسط»: هناك من يظل يعيش «افتراضيا» في حالة سفير

السفير الكويتي محمد خلف
TT

نهاية هذا العام يصبح السفير المصري لدى البوسنة أحمد خطاب، سفيرا سابقا، بعد عقود من العمل الدبلوماسي. وكان هذا الحدث مدعاة لطرح السؤال الملح حول ما إذا كانت هذه الخبرة الطويلة، التي يقضيها السفراء على رأس أعمالهم، تحال في نهاية الأمر إلى ركن في البيت، أو تضاف إلى رف النسيان، مع آلاف المتقاعدين الذين يقضي كثير منهم وقته في المقاهي يلعب مع (زملائه) الورق والكوتشينة.

وقال السفير أحمد خطاب لـ«الشرق الأوسط»: «نهاية هذا العام ستنتهي مهمتي كسفير، ولكني سأظل حتى يونيو (حزيران) 2011 في مكتب وزير الخارجية»، وتابع «حياة السفير في مجملها التزام؛ التزام وطني، والتزام اجتماعي، والتزام تجاه مولاه، ونحن مأمورون بأن نتقن عملنا، وأن نراعي المكانة التي يوليها ملك أو رئيس دولة لممثليه السفراء، وهي مسؤولية تنوء بحملها الجبال».

ويشير خطاب إلى أهمية العلاقات الخاصة خارج البروتوكول كعلاقته الوطيدة بوزير الخارجية البوسني، ستيفن ألكلاي، الذي تجمعهما لعبة التنس، أو رياضة الملوك، كما يسمونها، وكيف ساهم ذلك في توطيد العلاقات، لتحررها من الرسميات. وضرب مثلا آخر بعمله في الأردن إبان المقاطعة العربية لمصر على أثر توقيع، اتفاقية كامب ديفيد، حيث تم خفض التمثيل الدبلوماسي، «كانت نصف معلومات السفارة أحصل عليها من ملعب التنس، لأن نائب رئيس الوزراء كان يلعب تنس، وكان الأمير رعد يلعب تنس، فكنا نجلس ونتبادل الأخبار عن زيارات جلالة الملك حسين، سرا إلى مصر، ولقائه بالرئيس السادات، وكل ذلك من ملعب التنس، ومن هنا أدركت أهمية ملعب التنس في التكوين الدبلوماسي، التي تكون أحيانا أكثر فائدة مما يحصل عليه البعض من محاضرة أو مقال. حتى عندما تلتقي وزيرا لن يقدر أن يتحدث معك بصراحة كما يفعل في ملعب رياضي».

وحول حياة التقاعد، أكد خطاب أن «المعاش قضية تؤرق كل دبلوماسي، وبطريقة مباشرة أقول لكم انحصار الأضواء حالة صعبة جدا، فبعد أن كنت محل الاهتمام والعناية، وتفتح لك جميع الأبواب بصفتك سفيرا، وفجأة، تقول، هلك عني سلطانيه، وتكتشف أن الكثير من أصدقائك كانوا أصحاب مصالح. ولكني أعددت نفسي، أولا لدي دائرة أصدقاء خلص سأحتفظ بهم في المرحلة المقبلة، ثانيا أعتقد أني قدمت لبلدي ما ابتغيت وتمنيت، وإذا رأت بلدي بأني كفء لأداء أي مهمة مستقبلا فأنا على استعداد تام». وفي حالة لم تتم الاستعانة بجهوده مستقبلا، قال «سأتفرغ للكتابة، والمكوث في المدينة المنورة لفترات أطول. وقد كنت سكرتيرا للجنة المصرية لمراجعة قانون البحار، وكانت معاهدة دولية مهمة جدا، وسافرت كثيرا في هذه القضية، وكنت عضو الوفد المصري لمحادثات طابا، واكتسبت خبرة التفاوض والمناورة في هذه الأعمال، ومعرفة القانون الدولي، وأبعاده، وتفاصيله، وأرغب في نقل هذه الخبرة للأجيال القادمة». وعما إذا كان مستعدا لمواصلة مشواره، أفاد «إذا ما طلبتني دولة في الخليج أو وزارة للعمل كمستشار دبلوماسي، أو رأى وزير الخارجية ترشيحي لأي مهمة، سأشعر بالسعادة». وأردف «أغلب السفراء المتقاعدين ارتبطوا بعمل له علاقة بالدبلوماسية، مثلا السفير صلاح العشري يدرس حاليا في القاهرة القانون الدولي، والسفير عبد الرحمن شلبي يدرس في قطر، وهناك الكثير من مراكز الدراسات الاستراتيجية تستعين بالسفراء المتقاعدين».

وقال السفير الكويتي لدى البوسنة محمد خلف «السفراء الذين يحالون على التقاعد، يختلفون من بلد إلى آخر فهناك دول تنظم هذا السلك، وتكون لجنة من السفراء الراغبين أو القادرين على تقديم شيء لبلدهم، فالبوسنة مثلا لديها بعض السفراء العاملين في الديوان العام، أو ما يطلق عليه (سفيرا متجولا) وهؤلاء يكلفون بمهام أو ملفات دولية، كشرق آسيا، أو الدول التي لا توجد بها سفارات بوسنية، فيقومون بتسهيل المهمات، وينقلون الرسائل، وفي بعض الدول يدرسون في المعهد الدبلوماسي وينقلون عصارة التجربة لأجيال الدبلوماسيين»، وأشار إلى مصر التي يتقاعد فيها الدبلوماسيون في سن الستين، «السفير المصري يتقاعد في سن الستين، أي في عز العطاء الدبلوماسي، وهناك مركز تابع لرئاسة الوزراء يسمى، مركز دعم القرار السياسي، يستفيد من الخبرات الدبلوماسية. وبعضهم يذهب لوزارات أخرى كمستشار سياسي، وإذا كان سفيرا لامعا في أميركا والدول الأوروبية يصبح مستشارا بعد التقاعد»، وعبر عن أسفه لأن السفير في بعض الدول «يترك من دون أي مهمة بعد التقاعد، وهذا قد يصيب السفير بنوع من الإحباط والاكتئاب، لأنه ينقطع في يوم وليلة عن نمط تأقلم معه، وأصبح جزءا من حياته، وإذ به يجد نفسه في المقاهي يشرب الشاي أو يلعب الورق مع المتقاعدين»، وعما إذا كان يعرف مصير سفراء تقاعدوا، قال «هناك الكثير من الأمثلة، منها أحد السفراء البلجيكيين، يقضي تقاعده في إحدى المدن الفرنسية على الساحل، ولكنه لا يزال يتصرف كسفير ويقرأ الجرائد كالهيرالد تريبيون، ولومند، وأسرّ لي بأنه رفض أن يكون عضوا في نادي لعب الورق والشطرنج، مع من يكبرونه سنا»، وتابع «كان يلبس بدلته ويفطر فطور الصباح، ويكتب تقاريره المعتادة إلى وزارة الخارجية ولكنه يحتفظ بها لنفسه»، ويمضي السفير خلف في حديثه «وجدته صافي الذهن، لأن الإنسان يصاب بتعكر الذهن بعد التقاعد، ويؤدي ذلك لأمراض الشيخوخة»، ولم ينسَ السفير البلجيكي وهو يحاكي وظيفته السابقة أن يعطي لنفسه إجازات من العمل تماما كما كان يحصل عليها عندما كان سفيرا.

وعبر السفير خلف عن أمله لأن الكويت فتحت معهدا دبلوماسيا «فتحنا معهدا دبلوماسيا وأتمنى أن يلتحق به سفراء بعد التقاعد، يمثلوننا في دول دائمة العضوية في مجلس الأمن والدول الأوروبية والعربية للاستفادة من الطاقات الموجودة».

ويقول السفير خلف إن هناك شرائح من السفراء، تختلف أوضاعهم المادية، فبعضهم من أسر تمارس التجارة، ويمكنهم اللحاق بتقاليدهم بعد التقاعد، وهناك من لديه إرث يستثمره، ولكن الخوف على أولئك الذين يتقاعدون ورصيدهم البنكي صفر. ويعضد توظيف السفراء كمستشارين للوزراء بعد التقاعد.

السفير البوسني السابق في دولة الكويت أدهم باشيتش، يرى أن «دور السفير دور مهم جدا، فهو يمثل رئيسه أو ملكه أو أميره»، ويقول بروح الفكاهة «نحن في البوسنة نمثل 3 رؤساء أي نحن أهم سفراء». ويتابع «بعض السفراء لديهم تعليم عال وقدرة إبداعية، وعندما يختلط مع السياسيين يزيد من زاده الفكري والثقافي، إذا كان سفيرا ناجحا وموفقا سينقل إلى بلد أهم» ويشير إلى أن بعض السفراء أصبحوا وزراء، وبعضهم يصلون إلى درجة رئيس الحكومة، وحتى رئيس الدولة.

فالرئيس التونسي كان سفيرا لبلاده في بولندا، وقد تعرفت عليه هناك، وعندما كنت سفيرا للبوسنة لدى الكويت كان السفير التونسي سينقل إلى بولندا فمازحته قائلا ماذا ستفعل بعد بولندا، فقال «اسكت لا تخرب علي». وعن السفراء بعد التقاعد أفاد «بعض السفراء يصبحون سفراء متجولين، يوصلون رسائل خاصة، بعضهم يصبحون مستشارين كبارا فمستشار الرئيس الكرواتي بوديمير لانتشار، كان سفيرا في العهد اليوغوسلافي، ثم وزيرا للخارجية، وقد عملت معه في بلغراد وتعلمت منه كثيرا وهو صديق الكثير من الرؤساء والأمراء من بينهم أمير الكويت الحالي عندما كان وزيرا للخارجية. وهو من مواليد 1924 وهو الآن المستشار الأول للرئيس الكرواتي الحالي يوسيبوفيتش. وكان من قبل مستشارا للرئيس الكرواتي الأسبق ستيبان ميسيتش، ولديه قدرة على التركيز والتفكير رغم تقدمه في السن». ويضيف «هناك من انقطعوا عن العمل الدبلوماسي يلعبون الورق والكوتشينة مع غيرهم من المتقاعدين. وهناك سفراء سابقون أصبحوا رجال أعمال ناجحين، مثل الزميل البرازيلي، أنطوان باكيستا، كان سفيرا لبلاده في الأمم المتحدة. وابن جوزيف بروز تيتو، الرئيس اليوغوسلافي الأسبق، ميشو بروز الذي كان سفير كرواتيا لدى إندونيسيا، كان يعمل مهندسا في شركة «اينا» وكان ممنوعا من الترقية بأمر من أبيه لأنه ابن الرئيس، وبعد وفاة تيتو عينه الكروات سفيرا، وهو الآن متقاعد عمره 77 سنة، ولكنه لا يعمل شيئا كأي متقاعد وإنما يلعب الورق والكوتشينة مع المتقاعدين.