«تريم» مدينة المساجد والقصور اليمنية الطينية

نشر أبناؤها الإسلام في شرق آسيا وأفريقيا.. واختيرت عاصمة الثقافة الإسلامية للعام الحالي

تحتوي مدينة تريم على 360 مسجدا مبنية حسب الطراز اليمني الحضرمي العريق («الشرق الأوسط»)
TT

مدينة تريم عاصمة الثقافة الإسلامية لعام 2010، التي اختارتها المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (الإيسسكو) وجرى افتتاح برنامجها الثقافي في شهر مارس (آذار) من هذا العام وما زال برنامجها الثقافي مستمرا مع إقامة عدد من الأنشطة والفعاليات المتنوعة. وتشمل هذه الفعاليات عروضا شبابية وحفلات موسيقية استعراضية وأفلاما وثائقية ومعارض تتناول حرفا ومشغولات يمنية، والخط العربي والزخرفة الإسلامية وفن التشكيل والتصوير، وأخرى للأزياء والموروث الشعبي ورسوم الأطفال والمخطوطات الإسلامية ولذوي الاحتياجات الخاصة. كما تنظم ندوات عن فن العمارة الإسلامية والإسلام والفنون، بالإضافة إلى إقامة أسابيع ثقافية ومهرجانات وندوات ولقاءات أدبية وحفلات فنية وإنشاد ديني وعروض مسرحية ومعارض.

في هذه المناسبة سيفتتح مركز مدينة شبام التاريخية للتنمية الثقافية، ومكتبة للمطبوعات موازية لمكتبة الأحقاف الشهيرة باحتوائها على مخطوطات تقدر بأكثر من 6200 مخطوطة في التفسير والحديث والفقه والتصوف والتراجم والسير والتاريخ واللغة والطب.

وقد اختيرت تريم عاصمة للثقافة الإسلامية للعام الحالي لتاريخها الإسلامي الحافل بالعطاء الفكري والثقافي والديني، ولما عرفت به من وسطية واعتدال، ولدورها في نشر الثقافة الإسلامية في أصقاع شتى من العالم، ولما تحتويه من معالم معمارية إسلامية بارزة لعل من أشهرها مسجد المحضار المشهور بمئذنته المبنية من الطين وبطريقة هندسية مميزة تدل على إبداع وتفوق أبناء هذه المدينة في ابتكار التصاميم الهندسية المعمارية المنسجمة وطبيعة المنطقة التي أخذت منها مادة البناء، وبما يدل على إدراك مهندسي هذه المساجد الأبعاد الجمالية للانسجام بين البناء وبيئته الجغرافية.

إلى جانب المساجد، فإن المدينة تشتهر أيضا بمكتباتها الكثيرة المنتشرة في أرجاء المدينة، وأهم هذه المكتبات مكتبة الأحقاف، التي تحتوي على آلاف المخطوطات في شتى المعارف. كما تمتاز تريم بتعدد القصور ذات الطراز الفريد وهي قصور فارهة ذات مهابة خاصة كانت لملوك وأمراء وحكام وأثرياء من حضرموت وبقيت دالة على ماض عريق لهذه المدينة الحافلة بالعبق والتاريخ. ومن قصور تريم الشهيرة: قصر القبة وقصر تريم، حيث تحيط الحدائق الغناء الواسعة بهذه القصور كجزء من بنية المنظر العام لهذه القصور التاريخية. كما أن تريم تشتهر بعدد كبير من الأربطة (مساكن للطلاب والمشايخ) التي كانت وما زالت منارا للعلم يأتي إليها الكثير من أنحاء مختلفة من العالم.

وفي معرض حديثه عن دواعي اختيار تريم عاصمة للثقافة الإسلامية قال عبد العزيز التويجري، المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسسكو): «إن مدينة تريم التي يُحتفى اليوم بانطلاق احتفاليتها عاصمة للثقافة الإسلامية تشكل إحدى قلاع الحضارة الإسلامية ومنارات الثقافة التي أشعت في محيطها علما وفكرا ومعارف وآثارا خالدة، ونبغ فيها علماء ودعاة فضلاء نشروا الإسلام في جنوب شرق آسيا وشرق أفريقيا وجنوبها، وكانت ولا تزال تحتضن العلم والعلماء وموطنا للصالحين والأخيار».

ويأمل أبناء المدينة والمسؤولون فيها أن يسهم اختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية لهذا العام في الالتفات إلى معالمها التاريخية لترميمها والمحافظة عليها من الاندثار.

يرجع تاريخ مدينة تريم، الواقعة في محافظة حضرموت، إلى القرن الرابع قبل الميلاد؛ إذ كانت عاصمة حضرموت القديمة ومقر ملوك كندة اليمنيين قبل ظهور الإسلام. وهي اليوم ثاني أكبر مدينة في حضرموت الوادي بعد عاصمة الوادي سيئون. غير أن المدينة أخذت زخمها التاريخي وغناها الحضاري في فترة العصور الإسلامية على الرغم من كونها مدينة ضاربة بجذورها في أعماق تاريخية قبل الإسلام. وتشتهر هذه المدينة اليمنية بمعالمها الإسلامية، المتمثلة في المساجد التي يبلغ عددها 360 مسجدا، المبنية حسب الطراز اليمني الحضرمي العريق، وفيها مسجد المحضار الشهير بمئذنته التي يبلغ طولها 150 مترا المبنية من الطين، ويعود بناؤها إلى القرن التاسع الهجري.

كانت تريم العاصمة الدينية لحضرموت، وقد انتشرت فيها المدارس الدينية التقليدية، كما يوجد فيها ما يعتقد أنه موقع قبر النبي هود – عليه السلام - الذي أرسل إلى عاد في الأحقاف التي لا تزال تحتفظ باسمها القديم في حضرموت.

وتشهد المدينة ما يشبه المهرجان السنوي في احتفال ديني يحضره مئات المسلمين لزيارة هذا المكان. وضمن فعاليات «تريم عاصمة الثقافة الإسلامية» فيلم قصير لا يتجاوز الـ9 دقائق يتضمن سير قافلة الجمال من مدينة تريم إلى شعب النبي هود - عليه السلام - وما يرافقها من أهازيج وسباقات، فضلا عن استعراض نماذج من الحياة العامة للزائرين وبعض الطقوس والعادات والتقاليد التي تجري كل عام في هذه المدينة.

وقد اعتنق أهالي تريم الإسلام عندما عاد وفد حضرموت من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة المنورة ضمن وفود العرب التي وفدت عليه لإعلان إسلامها، وقد أرسل الرسول - صلى الله عليه وسلم - أول عامل على حضرموت من قبله وهو زياد بن لبيد البياضي الأنصاري، وعندما جاءه كتاب الخليفة الأول أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قرأه على أهل تريم فبايعوا أبا بكر الصديق، وكان لأهل تريم ممن ثبتوا على إسلامهم دور في قتال المرتدين؛ إذ كانت المعركة الفاصلة التي انتصر فيها جيش المسلمين بحصن النجير الواقع شرق تريم بنحو30 كم وجرح في هذه المعركة عدد من الصحابة فجاءوا إلى تريم للتداوي من جراح المعركة فماتت جماعة منهم ودُفنوا بها، حسب بعض الروايات التاريخية.

وقد كان لتريم مع عدد من أخواتها، المدن اليمنية في حضرموت، الدور الكبير في نشر الإسلام واللغة العربية عبر الهجرات الشهيرة إلى الهند وإندونيسيا والبلاد الأخرى في شرق أفريقيا، التي بلغت ذروتها في بدايات القرن التاسع عشر والتي كان لها الدور المهم في التواصل بين الشرق والغرب بأشكال متعددة كالتجارة والصناعة والثقافة وغيرها.